حزني كدو
النافذة الاولى :إنها سوريا ، بلاد الشام الذي بارك الله فيها ،تجتمع هيئة علماء مصغرة من شيوخ المنطقة قبيل عيد الأضحى المبارك ويصدرون فتوى يجيز لابناء المناطق المحاصرة أكل القطط والكلاب والحمير وكل ما يقع تحت أيديهم من طعام وشراب وفي إحدى القرى المحيطة بريف دمشق حيث الجياع بالمئات بل بالالوف، بسبب الحصار الخانق المفروض عليهم وعلى المنطقة من قبل قوات النظام ، تقوم مجموعة من المسلحين باقتحام حديقة للحيوانات وتصب جام غضبها على أسد في قفص ….ثم تقوم بذبحه وطبخه حتى يسدوا جوعهم ويفرغوا شحنة غضبهم على الاسد ….المحبوس . ..بينما كريمات الساسة الكرام من المجتمع المخملي في أبو رمانة والمزة والمهاجرين والمالكي يسهرون بكامل حليهم ومجونهم بفنادق خمسة نجوم مع ما طاب لهم من الشراب والطعام ولا يهمهم أزيز الطائرات ولا سقوط الصواريخ ولا عويل الأمهات وبكاء الأطفال .
النافذة الثانية: سمر , طفلة سوريا ، أية في البراءة والجمال ، هي الأخرى هربت مع ثلة من الناس من جحيم مدينة ابن الوليد إلى. لبنان … حيث الأمن و الاستقرار ، لكن عقلها وذكرياتها وطفولتها …و صورة أمها الملطخة بالدماء وهي تحتضن رضيعها بقيت خلفها ، هذه الملاك ، الحزين رسمت امرأة تبكي وتبتسم في نفس الوقت وهي تحمل وردة في يدها اليمنى تقدمها للمارة ذهابا وإيابا بينما يدها الثانية مفقودة بسبب شظية من شظايا صاروخ سكود على محيط بيتها …. عندما تتحدث سمر ، الدموع تنهمر و لا تستطع أن تتمالك نفسها …تراها …تبكي أمها …أم أباها …. أم شقيقها الرضيع ؟ الذي كان كل شيء لها ….بعد أن فقدت أصدقاءها ، ثم فجأة تتسمر في مكانها ….ثم تصرخ وتنادي …وتصرخ …وفجأة تتوقف عن الكلام .وتنظر إلى السماء وتشير بيدها الصغيرة…. وتتذكر أمها وتؤم روحها …و بيتها ….و سقوط الصاروخ ….وصوت الإنفجار الرهيب …..ثم تخور قواها و تدرك إنها مخلوق أخر وفي مكان غريب … مستقر وهادى ،… لكنه موحش ومقفر .
النافذة الثالثة :
إنها أيضا سوريا ، ولكن في أقصى الشمال الشرقي ، في منطقة الجزيرة، أو منطقة روزافا غرب كوردستان ، هذه المنطقة كانت بعد درعا مباشرة في التظاهر تنادي بتغير النظام بشكل ديمقراطي حضاري مدني و سلمي ، غير أن الحاقدين وأعداء الكورد لم يسرهم بقاء هذه الديار سليمة وحاضنة لجموع النازحين من جميع أجزاء سوريا ،أحزاب هذه المنطقة لا تعد ولا تحصى ، الاجتماعات في كل مكان ، الكل يطالب بالوحدة والاتفاق و وحدة الهدف ، والكل يفعل عكس ذلك اللهم البعض منهم ….و الذي لا حول ولا قوة له…ثلاث سنوات والكورد في سوريا يدورون ويدورون ثم يدورون من دون الوصول إلى الهدف …. علينا جميعا أن نعترف ونقرا بالحقيقة بأن غرب كوردستان ليس ملكا لطرف واحد أو حزبا، إنما هناك الملايين الذين مع هذه الجهة ، كما هناك الملايين مع الجهة الأخرى ، لذا لا مفر من القبول بالطرف الأخر والتفاهم حتى نستطيع أن نقف بوجه الأعداء .
غرب كوردستان ، سلة غذاء الوطن السوري ، حيث الذهب الأبيض والأسود والاصفر , وفجأة غزاها كائنات غريبة وكريهة ، تحمل معها ثقافة بغيضة وتقتل كل أمل للحياة وتصدر الفتاوى تستبيح دماء الكورد وكل ما يملكون ….تفجر هنا وهناك …تهجر الأبرياء من ديارهم….وهذا ما أجبر الكورد للقيام بالدفاع عن كرامتهم وعن كيانهم وعن عرضهم ….و بغض النظر سواء كنا مع هذه القوات ومع حزب ب ي د أو لا ، فهناك حقيقة لا تقبل مجال للشك ، وهي لولا هذه القوات لهدرت كرامة الكورد واستبيح دمهم وعرضهم ، وهذا يتطلب من ب ي د ومن وحداتها أن تكون قوات لكل مكونات المنطقة وان تكون تحت راية الهيئة الكوردية العليا التي تعتبر المظلة الحقيقية الشاملة لكل الكورد ، حتى يستطيعوا أن يحافظوا على ديمومتهم وكيانهم بكامل حقوقهم ضمن سوريا ديمقراطية، مدنية لا مركزية ولكل السوريين..
النافذة الرابعة
وهل هناك غير سوريا وكوردستان يؤلمنا ويؤرقنا ، إنها مأساة 13000طفل قتيل و ٦٠٠٠٠٠شهيد ومثلهم من المعتقليين وملايين السوريين والكورد المهجرين … الذين هربوا من جحيم القصف وبراميل البارود والسكود ، وسيوف جحافل التتار والمغول وفرماناتهم القذرة مثل لحاهم التي تحرم كل شيء ، وتقطع الرؤوس هنا وهناك، إنها مأسي تفطر القلوب وتقشعر لها الأبدان ، صور ومناظر لعائلات هربت من الجحيم داخل الوطن لتكون طعاما لاسماك القرش في أعماق بحر إيجه ومرمرة وسواحل إيطاليا واليونان .
حنان ، شاب في العقد الثاني من العمر قضى نحبه غرقا في البحر مع مجموعة من رفاق حيه من شيخ مقصود وشباب من قامشلوا وعامودا ، جمعتهم الوطن ولغة الأم والهموم المشتركة ، تبكيه أمه زريفة التي ألحت عليه بالسفر مع أولاد خاله خوفا عليهم من الانضمام إلى وحدات حماية الشعب أو القبض عليهم من كتائب الظلام أوالجيش الحر أو جيش النظام ….تنظر زريفة أم حنان بحسرة وبندم إلى رفاقه المدججين بالسلاح من وحدات حماية الشعب وإلى خطيبته مزكين التي رمت خاتم الخطبة في وجهه يوم قرر الفرار …والنجاة بروحه من نداء الواجب بالرغم من حبها العنيف له ، حيث تربيا مع بعضهم البعض صغارا ، وأحبوا بعضهم البعض ،وأقسما أن يبقيا سوية …لكن …الشدائد تكشف لنا جوهر المرء ومعدنه ….تتذكره مزكين ودموعها تنهمر على خدودها …على حبيبها ورفاقه وعلى وطنها… وعلى رفاقها الذين سقطوا شهداء …. تتنهد …ثم توقظها سقوط قذيفة على مقربة من نقطة حراستها … وتدرك و تتيقن بأن الشجاع يموت مرة واحدة ولكن الجبناء يموتون باليوم ألف مرة