د. محمود عباس
ثانيا:
(المربعات الأمنية) ونعني الموجودة في مدينة قامشلو والحسكة، والتي لا تزال منطقتها حظر على الأخرين، مداخلها حواجز من قواتها الذاتية. جغرافيتها تحظى بكل الخدمات، التي يحلم بها الشعب، في الوقت الذي تفتقد معظم مراكز الإدارة الذاتية، وجغرافية المنطقة لمثلها؛ مآسيها أكثر من معروفة. وتملك من القوة بحيث تستطيع فرض سيطرتها على المناطق التي يتطلب وجودها فيه، وخير مثال منطقة مطار القامشلي، ومراكز شراء الحبوب والقطن في فصولهما، إلى جانب دعمها لبعض المليشيات التي كانت في الواقع العملي أدواتها عند الطلب، كما كانت عليه ميليشيات الدفاع الوطني في حارة الطي- قامشلو.
يحصلون على هذه الأفضلية لأنهم سلطة، والشارع الكوردي يسأل دائما: هل هي سلطة ضمن السلطة؟ أم سلطة فوق السلطة؟ لكن ما لا يخفى هي أنهم عيون النظام المنسحب من المنطقة، وأدواته، ووجه النظام المخفي الذي لم يغير من منهجيته تجاه الكورد، المعارضين أو غيرهم.
نفذت أو شاركت بشكل مباشر، أو سخرت أدواتها، في العمليات التخريبية والإجرامية في المنطقة، بدءً من ضرب التنسيقيات الشبابية، وتشتيت حراكهم، إلى الاختطاف والاغتيالات، إلى السجون العشوائية، وعلى الأغلب إنها كانت وراء إصدار الأوامر بتنفيذ جريمة عامودا، واغتيال قيادات من الأحزاب الكوردية، واختطاف الضباط الكورد المنشقين عن النظام، وغيرها من الجرائم.
ولم يكن خافيا، إنها كانت على علاقات شبه دائميه مع قيادات الـ ب ي د، قبل أن تتشكل الإدارة الذاتية، لتسيير الأمور الأمنية والسياسية في المنطقة، كما وكانت على مثلها مع القوى الكوردستانية، ولا تزال تتدخل وبشكل غير مباشر بأمور المنطقة، الأمنية، والاقتصادية، كما يحدث في: مراحل الحصاد، ونقل النفط، كما وهي تدير المؤسسات الاقتصادية كالمصارف، وهي عصب الدولة. وتتحكم بالدوائر الخدمية، وبعض المراكز الثقافية، كتعيين المحافظ، والتي يتم تعيينهم من خارج المنطقة، ومثله مدراء المناطق والنواحي والبلديات، إلى أن أصبحت ولا تزال المنطقة الكوردية تحت سيطرة نظامين، السلطة المركزية، والإدارة الذاتية، وهو ما أدى إلى تفاقم معاناة المواطنين، والتجار، وأصحاب المحلات، والفلاحين، وغيرهم، من ويلات ثنائية صدور الأوامر، والمراجعات اليومية، وغيرها.
ذكرنا مراراً، وأصدرنا سلسلة من المقالات تحت عنوان (ماذا يفعل المربع الأمني في قامشلو) ونوهنا إلى أن هذا الكيان الأمني منبع الشر في المنطقة، ويجب استئصاله، ولا تعني هذا قطع العلاقات الكلية مع سلطة لا مركزية، تحت دستور معترف به، قد تكون هذه الخطوة، أكبر وأثقل من قدرة الإدارة الذاتية وقسد، وربما كان الأنسب القيام به قبل سنوات أيام كان النظام في أضعف حالاته، ولم تكن روسيا وتركيا وقوات سورية متواجدة في المنطقة الكوردية، إلى جانب أن الظروف الدولية وخاصة الإقليمية، اليوم لن تسمح القيام بمثل هذه الخطوة، فبعضها ستدرج العملية تحت منطق الانفصال، وبعضها ستحكم على مثل هذا الإجراء بالقوانين الدولية، خاصة وأن أمريكا وروسيا لم يرفعا من سقف المساعدات إلى الاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية، لكن هذا لا يمنع من العمل على تأليب القوى المعنية بسوريا، وخاصة أوروبا وأمريكا، لمساعدتها على تحجيم دور المربعات الأمنية، من باب التحضير لإقامة نظام لا مركزي في سوريا، ومن ثم إزالتها، ووضع بديلها من قوى الأمن الداخلي، وستقل المصاعب مع الوجود الأمريكي، ليس كضامن؛ فهي لا تتدخل حتى الأن في الأبعاد السياسية للمنطقة، إلى درجة لا تمنع الاعتداءات التركية على قيادات الإدارة الذاتية، تحت حجة أن وجودها محصور ضمن استراتيجية محاربة المنظمات الإرهابية، داعش تحديدا، بل كداعم عسكري دبلوماسي، حضورها ستسهل القيام بمثل هذه الخطوة، وعلى مراحل.
دون العمل على هذا البعد، لا نستبعد أن يأتي اليوم الذي ستقوم فيه قيادات المربع الأمني المعينون من قبل سلطة بشار الأسد مباشرة، على تنفيذ ما تحكمه مصلحة النظام، المستعدة الاتفاق مع أية قوة تحجم دور الكورد في سوريا، وعلينا ألا ننسى أن أدواتهم قوية في المنطقة، بينهم شريحة واسعة من مخلفات البعث، والذين انضموا إلى داعش وساهموا في تمددها، إلى درجة أن بعض رؤساء الفروع الأمنية كانوا قادة لمجموعات من داعش الذين عبثوا بقرى منطقة تربه سبيه، وهم خلايا نائمة الأن.
فعلينا كحراك كوردي أن نعالج قضايا منطقتنا، على سوية الشراكة في السلطة، والترفع عن التبعية وانتظار موافقة السلطة المركزية. وكذلك قضية علاقاتنا الإقليمية والدولية على سوية النظام الفيدرالي ضمن دولة لا مركزية، على الأحقية القانونية والدستورية لنكون أصحاب قراراتنا ضمن دولة لا مركزية، ونتحاور على مستوى بناء الدولة، ونعالج الأخطاء والإشكاليات التي تواجهنا في الداخل، مع القوى المعنية بالقضية السورية، من منطق المساواة، والمقدرة على عرض البديل عن السلطة المركزية.
فالمربعات الأمنية هي أول الإدارات التي تقف ضد هذه المنهجية، وستعمل المستحيل على إبقاء الحراك الكوردي مشتتا ضعيفا وعلى تنافس داخلي دائم، بحيث يسهل لها السيطرة على المنطقة.
وعليه يتوجب علينا كحراك كوردي، سياسي-ثقافي، التضامن لإزالتها. كما ولا بد من تعيين المحافظ، ومدراء المناطق والنواحي والبلديات، من أبناء المنطقة، يتبعون مركز (الإدارة الذاتية) وهي التي تقوم بالتعامل مع المركز، بحيث يتخلص المواطنون من ازدواجية الدوائر والقرارات الصادرة، ويتعامل الفلاح مع جهة وحيدة، أي تكون هناك سلطة فيدرالية تتبع السلطة اللا مركزية. وعلى ما نسمع أن أوسع من هذا النموذج من الإدارة، تحكم مناطق المعارضة، إدلب، وكذلك منطقة عفرين والباب وجرابلس بعدما تم احتلالها.
الحفاظ على المربعات الأمنية، في قامشلو والحسكة ودوائر الدولة المركزية، كما تريدها سلطة بشار الأسد، اعتراف غير مباشر بنظامه في دمشق، مع ذلك فهي تتهم أبناء المنطقة، والإدارة الذاتية بالخيانة، ومحاولة تقسيم سوريا، في الوقت الذي تتحفظ على أطلاق مثل هذه التهمة على مناطق المعارضة المعاشة عمليا ونظريا كدولة إسلامية منفصلة عن المركز، والعامل الوحيد الذي يربطهما هي العملة السورية، علما أنها بدأت تضعف يوما بعد أخر وتحل مكانها العملة التركية.
عمليا خطر المربعات الأمنية حاليا على أمن المنطقة، وشعبها، لا يقل عن خطر احتماليات عودة النظام، أو الاحتلال التركي برفقة مرتزقة المعارضة والمنظمات التكفيرية، فلا بد من وضع حلا لها.
الولايات المتحدة الأمريكية
8/9/2021م