عزالدين ملا
باتت أمريكا محل شك وريبة من قبل جميع الشعوب المظلومة، نتيجة سياساتها غير المفهومة التي تناقض شعاراتها عن حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فما نشاهده الآن في إفغانستان شيء لا يصدق، بعد عشرين عاما من محاربة إرهاب طالبان وتنظيم القاعدة وصرف المليارات وموت الآلاف تعود وتنسحب من أفغانستان، ويسلمها لقمة سائغة لحركة الطالبات.
والشيء الآخر هو الصمت الدولي تجاهها، وما اجتماع المجلس الأمن سوى النفاق والإلتفاف حول هذه الجريمة.
نفس الشيء حدث قبل سنتين أثناء إنسحاب أمريكا من سري كانييه وكري سبي وتسليمها لتركية ومرتزقتها، وقبلها أيضاً وبُعيد الاستفتاء عندما بقيت متفرجة أمام تعرض إقليم كوردستان لهجمات ميليشيات الحشد الشعبي والجيش العراقي، وقوات الحرس الثوري الايراني.
الحوار الكوردي الكوردي بين المجلس الوطني الكوردي وأحزاب الوحدة الوطنية برعاية أمريكية، حققت بنجاح مرحلتين، هما: الرؤية السياسية والتي أعقبها مؤتمر صحفي، والمرجعية. أما الآن الحوار متوقف لأسباب وحجج.
السؤال:
1- كيف تحلل كل ما يجري الآن، فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية وانسحابها من إفغانستان بعد قرابة عشرين عاما وصرف المليارات؟
2- ما أوجه الشبه والإختلاف بين السياسة الأمريكية في إفغانستان والشرق الأوسط؟
3- هل هناك إحتمال من الانسحاب الأمريكي من إقليم كوردستان وغرب كوردستان؟
4- بعد كل هذا إلى أين تتجه الحوار الكوردي الكوردي برعاية أمريكية؟
أوجه الشبه بين أفغانستان والشرق الأوسط بالتأكيد مختلف
تحدث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، الدكتور كاوا عزيزي، بالقول: «أمريكا دولة عظمى، لها مصالحها وهي في صراع مع القوى العالمية العظمى الأخرى مثل الصين وروسيا وغيرها. انها تتدخل هنا وهناك لحماية مصالحها وليس لمصلحة تلك الدول. لكن المنطق هو لكي تسطيع الاستمرار لا بد لأمريكا أن تلبي ولو بالحد الأدنى مصالح تلك الدول أو الجهات التي تتعامل معها لتخلق لها حماية وشرعية محلية.
ان ماجرى في أفغانستان يجعل المرء يفكر مليا أمام هذه الأحداث. دخلت أمريكا أفغانستان بسبب تدمير برج التجارة العالمي في نيويورك ايلول 2001، من قبل القاعدة التي كانت تتخذ من أفغانستان مركزاً لها تحت حماية طالبان. تدخلت أمريكا واسقطت حكومة طالبان وجمعت كل المعارضة الأفغانية وشكلت لهم جيشا وحكومة، وتحت حمايتها وصرفت عليهم مليارات الدولارات. وبعد عشرين عاما من الدعم والمساندة قررت امريكا ان تنسحب وهي تتفاوض منذ سنتين، وأعلنت انها ستنسحب لأنها نفذت الهدف التي من أجله احتلت أفغانستان، كما أعلن بايدن أن أفغانستان لم تعد تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي. كانت هناك حكومة وجيش وقوات أمن داخلى وقيادة منتخبة من الشعب والبرلمان، ونصحت أمريكا الحكومة الأفغانية ان تعقد شراكة واتفاق مع طالبان ورعت المفاوضات بينهم. لكن الفساد الكبير في أجهزة الدولة الأفغانية أهملت النصائح الأمريكية وبقت متكلة عليها يقينا منهم بأن أمريكا لن تنسحب.
مع الانسحاب الأمريكي إنهارت الدولة مباشرة وكان لها جيش من 300000 ألف مدرب ومجهز ومسلح من أمريكا لكنهم لم يدافعوا عن أنفسهم ولم يتفقوا مع طالبان ولم يعملوا بنصائح امريكا ولهذا كانت الكارثة. العِبرة، أن من لا يعتمد على نفسه سيكون مصيره مصير أفغانستان. الصراع الداخلي الأفغاني والإختلاف العرقي والأيديولوجي والفساد القاتل كانت السبب في إنهيار الدولة وعودة الطالبان . يجب أن لا ننشر غسيلنا القذر دائما على حبل الآخرين».
يؤكد عزيزي: «أن أوجه الشبه بين أفغانستان والشرق الأوسط، مختلف لأن المصلحة الأمريكية تختلف من منطقة إلى أخرى. ففي الشرق الأوسط عدا المصالح هناك تعهد أمريكي بحماية إسرائيل، ومن باب المصلحة حماية الخليج ونفطها واحتواء القوى الجديدة الناشئة كـ”مصر باكستان تركيا ايران”، والتى تشكل خطرا على المصالح الأمريكية في المدى البعيد وان كان متحالفا الآن مع بعض هذه الدول. وتعتبر الشرق الأوسط قلب العالم ولا يمكن لأمريكا أن تفرط به يوما ما. عدا النفط هناك الممرات التجارية العالمية قناة السويس، مضيق باب المندب، ووقوعها على خط الهلال الشيعي وطريق الحرير الصيني وسيكون ممرا لنقل الطاقة من الشرق إلى الغرب، لذلك أي إنسحاب أمريكي من الشرق الأوسط يعنى عزل أمريكا إلى حد ما عن العالم.
أوجه الشبه من الممكن أن تنسحب أمريكا عسكريا، لكن بعد تأمين أصدقائها بجيش وحكومة يستطيع الدفاع عن نفسه وحماية المصالح الأمريكية ويكون في إتفاق إستيراتيجي سيكون حاضرا عسكريا متى ما دعت الحاجة».
يضيف عزيزي: «تشكل سورية والعراق حجر الزاوية في بنية الشرق الأوسط واصبحتا الآن دولتان فاشلتان، قراراتها أصبحت بيد الدول التى تحتلها أما رسميا أو بشكل غير رسمي. وهاتين الدولتين يقعان بجوار إسرائيل ومجرد أن تنسحب أمريكا سيبقى المنطقة في بحر من الفوضى والحروب الأهلية، وسيضع إسرائيل ومصالح أمريكا في خطر حقيقي لأن روسيا والصين وإيران وتركيا جاهزون ليحلّوا محلها مباشرة. وبإعتبار أن كوردستان سورية وكوردستان العراق جزأان من دولة العراق والدولة السورية وبالتالي احتمال انسحابها ضعيف، وإن انسحبت ستؤمن على المنطقة بتحالف قوي مع دول والقوى الصديقة لها، والتى تستطيع حماية نفسها وحماية المصالح الأمريكية وستكون في تحالف إستيراتيجي مع دول المنطقة، وفي العصر الحالى الوجود الفيزيائي للجيوش على أرض أجنبية لم يعد ذا قيمة كبيرة، كون الدول العظمى بمقدورها التحكم بأي منطقة بوسائل التكنولوجيا الحديثة والأساليب العسكرية الحديثة.
من جهة أخرى وعلى ما يبدو فأن أمريكا والتحالف الدولي قد اكتشفوا صدقية وجدية الشعب الكوردي وقربه من الثقافة الغربية وقدرته للدفاع عن الذات وحماية المنطقة ومصالح أصدقائها، لذلك أمريكا لن تترك الكورد هكذا ببساطة: اولا- منذ عشرين عاما وهي تحمي كوردستان العراق، وتدعم حكومتها وشعبها بكل السبل. ثانيا- التحالف الدولي الآن منشغل بتوحيد قوات البيشمركة بالتسليح والتمويل والتدريب. ثالثا- من خلال الأمم المتحدة تقدم الدعم اللازم لحماية السلام بين بغداد وأربيل وتنفيذ الإتفاقات، والدستور العراقي هو الفيصل بينهما.
رابعا- تساعد على اصدار قانون الموازنة والغاز والنفط والبيشمركة والمجلس الإتحادي. خامسا- تدخلت من أجل كوباني وشنكال وتدعم قوات سورية الديمقراطية. سادسا- نزلت وسيطا بين المجلس الوطنى الكوردي وأحزاب الوحدة الوطنية وتنصح الكورد بالتوافق والوحدة. سابعا- مازال مستمرا وتؤكد على ما قلناها في الأعلى.
يؤكد عزيزي: «الحوار الكوردي- الكوردي برعاية أمريكية مازال مستمراً وقد أنجز منها مراحل هامة. والآن الوسيط الأمريكي عاد مرة أخرى إلى غرب كوردستان، وإلتقى مع جميع الأطراف للتحضير في بدء الجولة الجديدة، ونتمنى أن تكون الأخيرة للوصول إلى إتفاق كوردي- كوردي.نحن أمام مسؤولية تاريخية وأقصد المجلس الوطني الكوردي تحديدا،عليها إنجاح الحوار لأنها هي ستحاسب أمام الشعب الكوردي إذا فوتنا هذه الفرصة. الطرف الآخر له مهمتة ( أقصد الـ ب ك ك … وليس الـ ب ي د ) وهو ينفذها بكل أمانة: كـ تهجير العنصر الكوردي من غرب كوردستان. وخلق المشاكل والعراقيل أمام المفاوضات الكوردية لإفشالها. ونقل صراعها مع تركيا إلى كوردستان سوريا وتسبب بخسارة مساحة تقدر بمساحة لبنان من غرب كوردستان احتلتها تركيا وهجرة الكورد واسكنت الغرباء مكانهم، وتعمل من أجل تسليم ما تبقى إما لتركيا أو للنظام. وضرب الحركة الكوردية الأصيلة، وفرض تعليم ايديولوجى غير معترف وقتل أجيال بأكملها. وسرقة ثروة كوردستان سوريا وإرسالها إلى قنديل.
وبالتالي فإن أي إتفاق لن يكون كما نطلب ولن تكون كما يطلبها الـ ب ي ن ك. يجب أن يتنازل الطرفان لبعضهما البعض من أجل التقارب وخلق جدار الثقة بينهما، وستؤمن لنا الإتفاق حماية وضمانة أمريكية لها، نستطيع أن ندافع عن شعبنا ليس من خلال بيانات خارجية بل من خلال المؤسسات الشرعية التى سيتم انتخابها حسب المشروع، ومشاركة جميع المكونات في الإدارة، وكسر احتكار الـ ب ك ك على السلطة والثروة في غرب كوردستان، ولم يعد للـ ب ك ك أن تعلن الحروب وتقرّ مع من تتحالف ومع من تتفاوض ولمن ستسلم كوردستان سوريا نيابة عن شعبها.
القرار الكوردي سيصبح في قامشلو وفي اللجنة العليا الكوردية. وسينتهي التهديد التركي لنا يوما وينتهى قطع المياه عنا. وسننتهي من قضية خطف الأطفال وتهديد كوادرنا ومقراتنا وستفسح المجال لتعمّ السلم والأمان في ربوع غرب كوردستان، وسيطمئن الناس ولم تعد تفكر بمغادرة الوطن وسيشجع من هم في الخارج بالعودة. سندخل العملية السياسية السورية موحدين وسنكون عاملا أساسيا لإنجاح أي تسوية في سورية، وبالتأكيد سيتم تأمين كامل حقوقنا المشروعة في دستور سورية الجديدة».
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أربك دولاً عديدة
تحدث المستشار القانوني، درويش ميركان، بالقول: «ان المصلحة القومية لبلاده في أفغانستان كانت بشكل أساسي تتمحور دوماً حول منع استهداف الولايات المتحدة بهجمات إرهابية انطلاقاً من البلد الغارق في الحرب، مشدداً على أن المهمة في أفغانستان لم تكن يوماً بناء دولة، بهذه الكلمات دافع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قراره بإنسحاب القوات المسلحة الأمريكية من أفغانستان بعد عشرين سنة من الحرب، وأضاف “أعطيناهم كل فرصة لتقرير مستقبلهم. لا يمكننا إعطاؤهم الإرادة للقتال من أجل مستقبلهم”،
الرئيس الأمريكي جو بايدن نفذ وعده الإنتخابي بالانسحاب العسكري لكن سياسياً لازالت أمريكا موجودة وبقوة، لا يمكن القبول أن امريكا وضعت خلال العشرين سنة المنصرمة مليارات الدولارات وضحَّتْ بدماء جنودها من أجل إنسحاب مخجل، جاء بعد سلسلة من الإجتماعات بقادة طالبان في الدوحة لاتزال فحوى الإتفاقية سرية مع بعض التسريبات من هنا وهناك».
يتابع ميركان: «دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفغانستان كان بغاية القضاء على الإرهاب والجزء الأكبر من هذا الإرهاب كان قوات طالبان وفق زعمهم، والآن هي مهدت لهم طريق كابل والحكم والسيطرة على البلاد لكن بوجه أكثر قبولا من الأطراف الدولية، هي لعبة أخرى تلعبها الولايات المتحدة الأمريكية لكن بأدوات وأهداف مغايرة. بالمحصلة، أمريكا لم تدخل أفغانستان من الباب لتخرج من الشباك. منذ اليوم الأول لتولي بايدن السلطة قال الهدف هو الصين (عملاق آسيا) إقتصادياً وعدم الإهتمام بالشرق الأوسط كما السابق بإستثناء دعم إسرائيل. لذلك خلق بلبلة على حدود الصين بدولة ذات حكم إسلامي متشدد ومع مشاكل الصين لمسلمي الإيغور يمكن لهذه المعادلة أن تعطي نقاط قوة لأمريكا في المستقبل لـ العب على ملفات أخرى أغلبها اقتصادي. ويبقى ملف إيران النووي وحرب اليمن وتسليح دول الخليج وملف حقوق الإنسان في الشرق الأوسط أبرز الملفات المهمة لسياسة بايدن في المرحلة المقبلة مع إهتمام خجول بالملف السوري العالق منذ سنين في أروقة جنيف».
يضيف ميركان: «لكن علينا الاعتراف بأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أربك دولا عدة في العالم سواء على مستوى الدول الكبرى كروسيا والصين أو باقي الدول، خاصة دول الخليج كالسعودية والإمارات، وبات على هذه الدول مراجعة سياساتها. وبخصوص العراق واقليم كوردستان كل الإحتمالات مفتوحة أمام انسحاب أمريكي خاصة بعد هزيمة داعش في المنطقة. وإذا ما حللنا الرسالة التي بعث بها الرئيس مسعود البارزاني الإسبوع الماضي إلى الشعب الكوردي نجد فيها جواباً غير مباشر على الكلام الذي وجهه جو بايدن لتبرير الانسحاب من أفغانستان، حيث أشار الرئيس مسعود البارزاني بالقول “هناك اختلاف كبير بين أفغانستان وكوردستان، وهناك إختلاف أكبر بين البيشمركة والجيش الأفغاني،والبيشمركة إرث وتاريخ ودماء ودموع شعب كوردستان”. هذا الكلام يطمئن الشعب الكوردي في إقليم كوردستان؟ وماذا عن الكورد في روج افا؟، إلى من نلجأ لكي يعطينا الطمأنينة في حال إنسحبت قوات التحالف بقيادة أمريكا من غرب كوردستان، إلى قسد صاحبة الإدارة العسكرية والسياسية في المنطقة، أم إلى المجلس الوطني الكردي في سوريا الشريك في الحوار الكردي الذي لم يرَ النور حتى تاريخه والخوف أن يبقى كذلك. مثلما قالت الولايات المتحدة الأمريكية للافغان لا يمكننا القتال عنكم ومن أجلكم سيأتي يوم بعد نفاذ صبر الأمريكان ويقولوا لنا لا يمكننا منحكم الإرادة من أجل الوحدة الكردية إذا كنتم فاقديها».
يختم ميركان: «لذلك على كل القوى السياسية والمجتمعية الكردية دعم هذا الحوار للخروج باتفاق تاريخي لترتيب البيت الكردي من الداخل وتحصينه والاستفادة من تجارب الدول الأخرى والاعتماد على الذات مع دعم الحلفاء الحقيقيين أصحاب المشروع القومي وحاميها في إقليم كردستان العراق».
تصارع الدول في أفغانستان بطريقة غير مباشرة
تحدث الكاتب، محمد شيخو، بالقول: «حقيقة، هذا هو الموضوع الأكثر تداولا بين الناس والمهتمين سواء في كوردستان أو في دول الشتات حيث تواجد الكورد. الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان صفعة قوية ليست فقط للشعب الأفغاني بل لكل الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية. لقد كانت أفغانستان مسرحاً لصراعات عدة بين قوى راديكالية دينية متعصبة من جهة وقوى اكثر اعتدالا من جهة أخرى، استدعى غزو روسيا حرق الأخضر واليابس، ولكنه لم يدم للثمن الباهظ الذي دفعه الروس بجانبيه المادي والبشري، مما أجبرهم الانسحاب، أما التدخل الأمريكي والدول المتحالفة معه فقد جاء بعد تدمير مركز التجارة العالمية وتبني القاعدة لذلك، فوجدت أمريكا ذلك حجة مناسبة لتشكيل تحالف دولي للتدخل في أفغانستان وتدمير معسكرات القاعدة وقتل بن لادن، ولكن ذلك امتد لسنوات طويلة حيث نشطت حركة طالبان، رديفة القاعدة، والتي لها نفس سلوكياتها ولكن بتسمية أخرى، ولا ننسى هنا أن نذكر بأن الدول كانت تتصارع بطريقة غير مباشرة في أفغانستان، حيث الموقع الاستراتيجي الهام والمعروف بطريق الحرير والذي يربط الشرق بالغرب».
يرى شيخو: «أن الأهم هو طريق الحشيش، عشبة الكيف، التي تدر مليارات الدولارات على مافيات وعصابات الكثير من الدول عبر طرق عدة أهمها طريق باكستان، إيران، العراق، سورية، لبنان وعبر البحر إلى دول أوربا أو أفريقيا. وكذلك طريق باكستان، إيران، تركيا. أما بالنسبة للتنظيمات الأفغانية المتصارعة فمعظمها، إن لم نقل كلها، بنيت على أساس قبلي أو عشائري ديني متطرف لو بنسب متفاوتة، وتستغلها الدول حسب مصالحها».
يؤكد شيخو: «ليس هناك تشابه بين أفغانستان وكوردستان، لأسباب عديدة منها ما يتعلق بتاريخية نضالات الحركة الكوردية وتضحياتها الجسام، ومنها ما يتعلق بالظروف الذاتية والموضوعية للشعب الكردي والوعي القومي المتقدم نسبيا والاستعداد للدفاع عن المكتسبات التي تحققت بعد عشرات الثورات والانتفاضات، إضافة إلى سمة الإخلاص التي تتسم بها القيادة الكوردستانية المتمثلة بشخص الرئيس مسعود البارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني. أما الذين يبدون تخوفهم فينقسمون إلى قسمين: الأول متشكك سابقا وله رؤى مختلفة عن تطلعات الشعب الكوردي ومتأثر أو ربما يعمل لأجندات الدول المحتلة لكوردستان وكجزء من مهمته هو بث الذعر والخوف بين الشعب والتشكيك بالقيادات والتنظيمات الكوردية. الثاني وهو الحريص وذو الرؤية النافذة الناقدة وكل همه تطوير آليات التجربة المؤسساتية الكوردستانية ويجب الأخذ برؤيته عبر معالجة قضايا المحسوبية والفساد والبيروقراطية».
يتصور شيخو: «أن تجربة غرب كوردستان وضرورة إيصال الحوار بين قواه إلى مبتغاه، كلما ابتعدت هذه القوى عن المؤثرات الخارجية السلبية زاد تقاربها، وربما لن يتحقق هذا إلا بعد وضع مصلحة وتطلعات شعبنا في المرتبة الأولى، بحيث يتم التركيز على خصوصية شعبنا ومن ثم الوضع السوري والإقليمي والدولي عامة. عدم إنجاح المسعى الأمريكي في الحوار الكوردي الكوردي يعجل من انتصار مخططات المحدقين بنا وأولهم تركيا وإيران، فهل نحن مدركون لخطورة المرحلة؟ أتأمل ذلك».
السياسة الأمريكية تختلف من بلد لآخر حسب الضرورة والمصالح
تحدث مسؤول فرع قامشلو لإتحاد الطلبة والشباب الديمقراطي الكوردستاني- روج آفا، شكري عبدالرحمن، بالقول: «تعدُّ أمريكا من أعظم الدول وأقواها والمتحكمة فعلياً في رسم السياسات العالمية وخرائطها، وقد ظهر ذلك بشكل لا يدعو إلى الشك بعد انهيار القطب الشيوعي والمتمثل في الاتحاد السوفييتي في نهاية الثمانينيات، فأصبحت القطب الأوحد والمتحكمة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وفكرياً واستخباراتياً. ويعتبر المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط ووسط آسيا من أهم المشاريع الاستراتيجية وأعمقها، والتي باشرت بتنفيذها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وانهيار مبنى التجارة العالمي وحملت تسمية الحرب على الإرهاب ونشر الحرية، ولقد ظهرت بعض ملامح هذه السياسة الأمريكية بالوضوح أكثر بعد إجتياحها لأفغانستان، والتي كانت تحت حكم طالبان وتعيش حالة عدم استقرار ونزاعات وحروب أهلية، ويتمركز فيها العديد من المنظمات المتطرفة والمتشددة والتكفيرية وبخاصة تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن الرأس المدبر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، فقد كان الهدف الأول للاجتياح هو القضاء على تنظيم القاعدة وكان لها ذلك ومن بعدها».
يتابع عبدالرحمن: «في عام ٢٠٠٣، قامت أمريكا بإحتلال العراق لتخليصها من ديكتاتورية صدام حسين الذي تَجَبَّرَ على مصالح أمريكا وقام بتهديد حلفائها الإسرائيليين ودول الخليج مركز الطاقة في العالم، فكان مصيره الاعدام، وتحويل العراق إلى دولة فاشلة طائفية لا تعرف الاستقرار، ولا يخفى على أحد بأن أمريكا تنظر إلى إيران بعين الشك وتعتبرها دولة مارقة، وتعمل على إحتوائها ومحاصرتها وخاصة بعد ظهور نواية إيران النووية وتهديدها المستمر لإسرائيل ودول الخليج عبر أذرعها في المنطقة، والتي تعمل جاهدة إلى تنفيذ مشروع الهلال الشيعي وهو ما لا يمكن قبوله في السياسة الأمريكية، ولذلك فوجود القوات الأمريكية في العراق هو لمنع تنفيذ هذا المشروع والضغط المستمر عليها لمنع توسعها، وبعد ظهور داعش في كل من سورية والعراق بدأ التدخل الأمريكي في سورية وذلك لكبح جماح هذه المنظمة والقضاء عليها فهي تعتبرها من أهم المخاطر التي تهدد الأمن القومي الأمريكي ومصالحها في الشرق الأوسط، وهذا ما أدى إلى التواجد الأمريكي في سورية بالإضافة إلى مسائل أخرى تتعلق بإيران ومشاريعها في المنطقة وموضوع التطبيع بين العرب وإسرائيل وكذلك وضع حد للتواجد الروسي في المنطقة».
يضيف عبدالرحمن: «نستنتج أن التواجد الأمريكي الحالي في المنطقة له أهداف استراتيجية ومن أهمها الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على مراكز الطاقة العالمية والتي يعتبر الشرق الاوسط ووسط آسيا أهمها، وكذلك حماية حلفائها في المنطقة ودعمهم مثل إسرائيل ودول الخليج العربي، وكذلك الحد من انتشار الجماعات المتشددة، وكذلك قطع الطريق أمام منافستها الإقتصادية (الصين) وإفشال مخططها في إحياء طريق الحرير الذي يمر من أفغانستان وكذلك منافستها العسكرية (روسيا) والتي تحاول جاهدة للتوسع وإضعاف النفوذ الأمريكي، والعمل على منع إيران من الحصول على السلاح النووي وهذه الاهداف الأمريكية لا يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها دون الاستعانة بحلفاء جدد، بعد أن تأكدت من ضعف الشركاء التقليديين ونواياهم وأعمالهم غير المسؤولة، فبادرت إلى الإتفاق مع طالبان العدو التاريخي لها وسمحت لها بالاستيلاء على حكم افغانستان ولكن بالشروط الأمريكية، وبالتالي فالانسحاب الأمريكي من أفغانستان هي خطوة تكتيكية أربكت بها كل الذين راهنوا على فشلها، أمريكا بعد أن قدمت أكثر من ٣٥٠٠ قتيل من جنودها وصرفت حوالي ترليون دولار خلال عشرين عاما من احتلال أفغانستان لم يكن لها أن تخرج إلا بشروطها والتي وافقت عليها حركة طالبان والتي ستكون يدها الحديدية في المنطقة».
أما بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والشرق الأوسط يردف عبدالرحمن: «هناك قواسم مشتركة كثيرة بين المنطقتين منها الموقع الجيوسياسي المهم وكذلك غناها بالموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، وكذلك تواجد الأفكار والمعتقدات الدينية المتطرفة والمتشددة مما يجعلها بؤرة وحاضنة للجماعات التكفيرية المتشددة، لذا كان تواجد الأمريكان فيها مهما لحماية مصالحها، ومنع أي تطاول على أمنها القومي من قبل هذه الجماعات، وهناك إختلافات بين المنطقتين، السياسة الأمريكية تختلف من بلد لآخر حسب الضرورة والمصالح، وما يهمنا هنا هو تحليل سياسة الولايات المتحدة بين أفغانستان وكوردستان في جزئها الجنوبي (اقليم كوردستان) والغربي، فالأفغان وعبر تاريخها كانت ملاذا ورافدا للحركات الاسلامية المتطرفة والمتشددة والإرهابية، أما الكورد فهم بعيدون كل البعد عن الإسلام المتطرف وميالون فطريا للإعتدال الديني ولا يمكن أن تتحول إلى حاضنة للإرهاب الديني بأي شكل من الأشكال، وأفغانستان كانت لقمة سائغة لحركة طالبان وسيطرة عليها خلال عشرة أيام، أما كوردستان بقيت عصية على داعش ووقفت سدا منيعا أمام تمدده، ووقفت مع المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة ضد هذه الحركة الإرهابية وحاربتها وقدمت شهداء. كوردستان كانت ولا زالت موطن التعايش والتسامح، دورها في حماية الأقليات الدينية والعرقية أصبحت مثالا يحتذى به في الشرق الأوسط عامة، لذا يمكننا القول بأن كوردستان ليست أفغانستان، وأمريكا تدرك ذلك جيدا، وعلى الكورد أيضا أن يدركوا أنهم يجب أن يستفيدوا من أمريكا في الشرق الأوسط، فهناك تقاطع واضح بين المصالح الأمريكية والكوردية كالقضاء على داعش ومنع تمدد الدول الإقليمية وحماية الأقليات والحريات. وهذا لا يعني عدم الإلتفات إلى الحقوق القومية للشعب الكوردي على أرضها التاريخية، والعمل على إقناع المجتمع الدولي والدول المحتلة لكوردستان على ضرورة إعادة الحقوق إلى أصحابها من خلال الدبلوماسية النشطة والفعالة وتوحيد الرؤية السياسية الكوردية تجاه مجمل أحداث المنطقة وخاصة في المنطقة الكوردية.
يشير عبدالرحمن: «إلى كلام الرئيس البيشمركة مسعود البارزاني في رسالته لطمأنة شعب كوردستان، حيث نوه في رسالته أنه لا يمكن المقارنة بين كوردستان وأفغانستان، وأن هناك فرق شاسع بين البيشمركة والجيش الأفغاني، فالبيشمركة هم نتاج تاريخ ودماء ودموع شعب كوردستان، وكما أكد بأن البيشمركة والشعب الكوردستاني وبصمودهما وإرادتهما الصلبة سيفشلون كل مؤامرات الخصوم والأعداء».
وبعد
ما حصل في أفغانستان لا يمكن تعميمه، لأن الظروف والأدوات والجغرافية تتحكم في الأحداث، هناك فارق كبير بين أفغانستان والعراق وسوريا، فالظروف والأجواء السياسية بينهما مختلفة كل الاختلاف.