زاكروس عثمان
يتابع قادة وسياسيين كورد سير الامور في افغانستان باهتمام بالغ، حيث تداول ناشطون كورد على شبكات التواصل الاجتماعي الحدث بشكل واسع، معبرين عن مخاوفهم من التطورات الدراماتيكية الجارية في افغانستان، وإذا كان العالم قلق من سيطرت حركة طالبان السلفية المتشددة على هذا البلد، فان قلق الكورد اعمق من الخوف من صعود تنظيم متطرف، حيث ينظرون إلى مجريات الاوضاع في كابول بعين واحدة وإلى واشنطن بعينين، ولسان حال المحللين والكُتاب الكورد يسأل فيما إذا كان الذي حدث هو انهيار الدولة الافغانية التي تأسست بمساعدة امريكية بعد اسقاط حكومة طالبان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 ام ان العملية عبارة عن سيناريو امريكي سمح لحركة طالبان بالتقدم السريع لتعود وتحكم افغانستان ثانية، وترجح اوساط كوردية عدة هذا السيناريو المخيف بالنسبة لهم.
صحيح ان الكورد غير معنيين كثيرا بما يجري في افغانستان، حيث لا تشكل حركة طالبان تهديدا مباشرا لهم، ولكن موقف الولايات المتحدة الامريكية يعني لهم الكثير الكثير، كونهم في كوردستان ـ العراق يحظون بحماية قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن منذ سنين عديدة، كذلك تحظى كوردستان ـ سوريا “Rojava” بدعم امريكي جزئي، وتساهم هذه الحماية ـ المحدودة ـ إلى حد ما في منع الاطراف المناوئة للكورد من اجتياح اقليم كوردستان ـ العراق او “Rojava”، وهم اليوم قلقون جدا من اقدام إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن على تكرار السيناريو الافغاني في العراق وسوريا وذلك بسحب القوات الامريكية منهما، فهذه العملية تذكر الكورد بأمريكا كيف انها خذلتهم من قبل في استفتاء استقلال اقليم كردستان 25 سبتمبر/أيلول 2017، وفي كركوك وعفرين وسري كانيية وكري سبي، وهنا مكمن الخطر، لان سحب القوات من العراق وسوريا سوف يكشف ظهر الكورد امام جهات عدة تتحين الفرص للانقضاض على الاقليمين الكورديين الذين يتمتعان بالاستقلال الذاتي.
ـ ما هي التداعيات على إقليم كوردستان في حال طبقت واشنطن السناريو الافغاني في العراق:
من المرجح ان تلعب ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران نفس الدور الذي لعبته حركة طالبان في افغانستان، حيث سيوفر الانسحاب الامريكي فرصة ذهبية لهذه الميليشيات للانقلاب على الدولة العراقية الهشة بوقت قياسي، ليتم الحاق العراق نهائيا بالمرجعية الإيرانية، وحيث ان طهران لا تنظر بعين الراحة إلى تشكل إقليم فيدرالي في كوردستان ـ العراق، فإنها سوف تدفع بميليشيات الحشد للاستيلاء على الإقليم والقضاء على كيانه الفيدرالي في خطوة تلاقي الترحيب من انقرة ودمشق، والسؤال هل ستسمح واشنطن بذلك ام انها ستترك قوة رمزية في اقليم كوردستان لتفرض حمايتها عليه، وتقدم نوع من المساعدة للقوات الكوردية “Pêşmerge” لمحاربة اذرع إيران في حال قررت الهجوم على اراضي الاقليم، وفي كل الاحوال ستضع تداعيات الانسحاب الامريكي مصير اقليم كوردستان على المحك، فان تخلت امريكا عن حمايته وتركت الجمل بما حمل سوف تهدر دماء كثيرة وربما يندثر الاقليم، اما إذا صممت واشنطن على عدم تركه وحيدا، حينها يصبح بقائه ضمن التبعية العراقية امرا صعبا للغاية مما يرجح اعلان استقلاله وتحوله إلى دولة كاملة السيادة.
ـ ماذا عن التداعيات على “Rojava” في حال قررت واشنطن سحب قواتها من سوريا:
الوضع في سوريا اكثر تعقيدا، لوجود قوى متصارعة عديدة القاسم المشترك بينها هو موقفها المناوئ لكورد “Rojava” الذين اعلنوا تشكيل إدارة ذاتية في شمال وشمال شرق سوريا بالتشارك مع مكونات المنطقة، وحيث ان قوات سوريا الديمقراطية التابعة للإدارة الذاتية شريك اساسي لقوات التحالف في محاربة داعش فإنها تحظى بدعم عسكري من القوات الامريكية المتواجدة في “Rojava” وقاعدة التنف بالبادية السورية، لكن الدعم الامريكي يقتصر على الجانب العسكري في الشق المتعلق بمكافحة الارهاب، وردع قوات النظام والقوى الحليفة له عن مهاجمة مناطق نفوذ الادارة الذاتية، بالمقابل تتهاون واشنطن امام هجمات القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها على مناطق الادارة الذاتية، كما ان الادارة الامريكية تمتنع عن الاعتراف بالإدارة الذاتية ولم تقدم بعد اية ضمانات بخصوص حمايتها من الاطراف كافة، وفي حال تطبيق سيناريو افغانستان في سوريا فان جبهات عدة سوف تسخن من جديد دفعة واحدة، لتكون الادارة الذاتية وقواتها العسكرية في وضع بالغ الخطورة، إذ عليها مواجهة قوات النظام السوري من جهة والقوات التركية من جهة اخرى، ويضم معسكر النظام القوات الروسية والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني إضافة إلى ميليشيات محلية واخرى طائفية متعددة الجنسية، وهو يتطلع إلى فرصة تسمح له بالانقضاض على مناطق سيطرة الادارة الذاتية اي القضاء على نواة مشروع لضمان حقوق كورد”Rojava” ويشترك معسكر المعارضة الموالية لتركيا مع النظام في ضرورة القضاء على مشروع الادارة الذاتية، فان تركت واشنطن “Rojava” لمصيرها سيحدث سباق بين معسكر النظام ومعسكر المعارضة للسيطرة على المنطقة، ولن يكون بمقدور قوات سوريا الديمقراطية مواجهة هذه القوى، فان احتل الجيش التركي مع الفصائل السورية العاملة معه المنطقة واسقط الادارة الذاتية وبدد قواتها العسكرية فسوف يكون مصير “Rojava” مشابها لمصير شمال الجزيرة القبرصية، بعبارة اوضح سيتم محو كوردستان سوريا عبر تدمير تركيبتها الديموغرافية و سياسة التتريك والتعريب الجارية حاليا في عفرين سري كانيية وكري سبي، وسوف يكون الكورد محظوظون ان سبقت قوات النظام الجيش التركي في السيطرة على المنطقة لان شره اقل من شر الاتراك والمعارضة.
للأسف لم يضع القادة الكورد هذه الاحتمالات في حساباتهم كي يكونوا قدر الامكان مستعدين لهذه التحديات التي يجب النظر اليها بجدية، والمشكلة هي ان ليس لدى هؤلاء القادة بدائل يمكن الاستعانة بها ان قررت واشنطن رفع الغطاء عن الكورد، الذين لا يمتلكون شيء سوى ترقب الكونغرس الامريكي للضغط على الرئيس بايدن كي لا يقدم على سحب قوات بلاده من سوريا والعراق بالطريقة التي تم سحبها من افغانستان.