د. محمود عباس
التكرار كالناسخ والمنسوخ:
أسقاط بعض قيادات الأطراف المتصارعة، أحزابهم، في مستنقع المصالح، وضحالة الحوارات الحزبية، وليست السياسية-الفكرية، والمزاودة بالوطنيات، واستخدام التهم والتلفيق مع تغييب الحقائق، وتقزيم البعض، دفعتنا وشريحة واسعة من الحراك على تصعيد النقد البناء، و التي بدأت تأتي بثمارها المطلوبة، فأصبحت النخبة من الشعب يواجهونهم على سلبياتهم وأخطائهم، لكنهم بدل من الامتثال لرأي الشارع الكوردي، والتخفيف من الخلافات، استمروا في تغاضيهم لصوت الشعب، ومعاداة من يقدم لهم المشورة والنصائح، مع تهميش رأي الشارع، والأبشع أنهم سخروا بشكل متواصل؛ شرائحهم الموالية لسيادة الأحزاب على الوطن والشعب؛ ليس لخدمتهم بشكل مباشر أو لتوعية القاعدة الجماهيرية، بل لدفعهم إلى المواجهات الكارثية، تحت حجج أن المصالح الوطنية تتطلب الخلافات الحزبية المدمرة.
ومن المؤسف أنه لقسم من الحراك الثقافي دور فيما ذكرناه، من خلال تقديم الخدمات، وتطوير نوعية المصطلحات الجارحة للذات، والتعابير المؤذية، والتلاعب بالمفاهيم. والمؤدية، وبشكل مباشر، وعلى مدى السنوات الماضية، إلى أضعاف قوة الأمة على الساحة السياسية الدولية وبين القوى الإقليمية، وتصغير حجم القضية، وفتح الأبواب بشكل أوسع للقوى المحتلة لكوردستان، لتسخرنا كأدوات، وتستمر بالسيادة على كردستاننا.
وللتوضيح أكثر لا يزال الطرفين يعرضون ذاتهما كموالي للقوى المعادية لكوردستان وبأساليبهم هذه هم خير من ينفذون أجنداتهما، وتبعيتهم للقوى المتربصة بأمتنا، تحت منطق التحالفات الوطنية خير مثال، وكنا نتمنى أن تكون تحالفات وطنية على سوية التقدير والمساواة.
وللعلم، لم نكن بمعزل عن هذه الفوضى الخلاقة، لكننا وبعض الكتاب المنتبهين للكارثة، نقدنا الواقع الكارثي بروية، بعد سنوات من النقد الحاد غير المجدي، منذ بدايات تصاعد الخلافات، والبعض من الإخوة نقدوا بحكمة، والبعض بعصبية، وعليه فكان نصيبنا وبعض الكتاب الذين لم يتنازلوا عن البعد الوطني، خلال العقد الأخير، الكثير من التهجم السافر، خاصة في الحالات التي تعمقنا فيها استخدام النقد البناء، وتمكنا من تعرية الأخطاء بالأساليب المساعدة على أنها ستؤتي بثمارها، ليس بالطرق التي ستصب في مصلحتهم الحزبية، وستفاقم من خلافاتهم، بل بالتي توقعنا أنها ستزيل أو تقلص من حدة الخلافات وإنجاح الحوارات. علما أننا نكاد ان نكون على قناعة على أنهما في الواقع الفعلي لم يكن لأي من الطرفين نية صادقة في هذا الاتجاه منذ البدايات، لأن الخلافات هي ركيزة ديمومة سيادتهما.
نتحدث عن سنة محاولة تشكيل المجلس الوطني الكوردي وفيما بعد، قبل أن يظهر طغيان الإدارة الذاتية، ويتقلص المجلس ليصبح صوت شريحة من الناس، وعدد من الأحزاب، ويفرض الطرفين المتصارعين دون كلية الحراك على الشعب، من قبل قوى خارجية.
سيادتهما، كانت ولا تزال غاية أطراف خارجية، وطاب لهم العرض، وبيئتهم الحزبية تتلاءم ذلك، فتنشطوا تحت حجة خدمة الشعب وحراكه، منتهجين منطق العداوة، وتناسي الإيجابيات، فكان التخوين والتجريم وما تلتها من المآسي، ولم يكتفوا بهذا بل اغرقوا المجتمع في معاركهم الداخلية، وكل طرف على مدى قدراته، بلغت مرحلة القضاء على المجتمع قبل تقزيم البعض، دون استخدام الرتوش والمواربة، وأغرقوا كلية الحراك في أخطاء كارثية، وأشركوا القوى الكوردستانية في مستنقع خلافاتهما، وهو ما أدى إلى الهجرة والتهجير لأكثر من نصف الشعب، التي كانت لقادة الإدارة الذاتية وحزبها الحاكم اليد الطولى في البدء بهذه الكارثة الديمغرافية المروعة.
ففي مقالاتنا السابقة، وغيرها المماثلة لها، تحدثنا مراراً عن الأخطاء الناتجة عن جهالة أو مصالح قوى كوردستانية، وبعض المسؤولين في الإدارتين، المعنيين بغرب كوردستان، عن طريق ممثليهم، بعض قادة الأحزاب في هذا الجزء، الذين كانوا المسببين في تقسيم مجتمعنا إلى معسكرين متصارعين.
وفي معظم الحالات، جهة حزبية، ليسوا على سوية تناول القضايا المطروحة، ودراستها، أو أن المواد تطعن في مصالحهم، فكان التهجم، المبني على العنوان والكلمة الأولى من النص وبعض الجمل من متن المقال المادة المعتمدة، دون إجهاد الذات والتمعن في كليته، أو تحليل المعروض حتى ولو كنا على خلاف، وما أجمل أن نكون على خلاف مرن، مثل جماليات تقبل النقد، ومحاولات تصحيح الذات في حال الإقناع.
كثيرا ما تم الخلط بين المواضيع، ليعتموا على القضايا المضرة لمصالحهم الشخصية أو الحزبية، مرسخين ما يناسبهم، متملقين أمام أسيادهم المتأذين من تحجيم دور الحزب أمام البعد الوطني، ونحن على دراية تامة من هم وما هي غايتهم وإلى أي مدى يستفيدون من تجارة الارتزاق على حساب ألام الشعب.
وجهة أخرى لم تتطرق حتى إلى ما وراء العناوين، بل تفاخرت بأن طوطمهم سيبني شرق مثالي حضاري.
والممتع الثالث الذين يوصفون منظومتهم الحزبية بمنبع الوطنية والحامل الأوحد لقضايا الشعب، وفي كل الحالات لم نستفد من معاداتهم ولا من تهجمهم.
عندما يغيب الوعي:
الردود وعلى منهجيتهم، تكون عادة من نتاج عدم الوعي السياسي، وضعف التأويل للصراعات والإشكاليات السياسية، والإيمان بالنقل لا بالعقل، إلى جانب خباثة شريحة من مصلحتها ديمومة السيادة الحزبية على الوطنية (سنكرر هذه الصيغة الكلامية، لأنها من أهم ركائز المصائب الجارية) والتي تدخل بشكل مباشر في خدمة أجندات القوى المتربصة بأمتنا.
وهم على المنهجية الفكرية الضحلة تلك، ينقدون الأساليب العصرية، البديلة عن الكلاسيكية؛ المكررة لتاريخنا بأخطائه، كما وأن تناولهم لها ودراستها تظل سجين الصور النمطية المترسخة من ثقافة الأنظمة الشمولية، وعلى سدتها يطلقون أحكامهم على المادة من خلال مقدمات العرض، دون المتن، وبعض الجمل المتقطعة، وبالتالي يضيع الإلمام بكلية المقترحات والمفاهيم والانتقادات، فينزاح نقدهم إلى التواتر بين إشكاليات الدفاع عن الذات والتهجم السافر، خاسرين بها جماليات النقد، والحوارات والإقناع، فتطغى السلبيات؛ والانتقاد على النقد.
فيما لو راجعنا مسيرة النقد على الساحة الكوردية السياسية-الثقافية، لوجدنا طغيان منطق القفز من فوق نقد الموضوع إلى الشخصنة، وغياب النبالة الأدبية في التعامل. وتفضيل حمالة الحزب والمصالح القيادات على القضايا الوطنية والمسائل القومية، والخدع الحزبية على الإستراتيجية السياسية الواجب معالجتها بأبعاد عصرية، أي سياد الطوطم الحزبي.
ومن المؤسف أن المنهجية، التي تتبناها مسؤولين من مراجعهم، قزمت الإشكاليات المعانية منها شعبنا وضخمت مكانة الأحزاب على حساب الشعب، إلى أن أصبح ما يحل بالمهاجرين الهاربين من الظلم إلى عدم العدالة من الأمور الثانوية مقابل البحث عن السلطة.
وللعلم، عندما يأتي نقدنا في صيغة التعميم لحكومة الإقليم أو الإدارة الذاتية أو أطراف من الحراك الكوردستاني كقيادة قنديل، نابعة من جدلية معروفة؛ وهي اختصار العام على الخاص، وعرض الخاص على العام، لأن مضار التعميم لا يحمد عقباه، ونتائجها فاشلة.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
2/8/2021م