نشرة يكيتي *
ولقد ضغطنا على أنفسنا كثيراً، وتحاشينا الرد حرصاً منا على عدم توتير الأجواء، وتوفير الأرضية الملائمة لإنجاح الحوار، والشخصيات المشاركة في الحوار تعرف ذلك، وكنا ننقل لهم باستمرار ماكان يمارسه التقدمي بحقنا، إلا أن التمادي في هذا السلوك، وعلى الطريقة الغوبلزية، دفعنا اضطراراً إلى توضيح بعض الحقائق التي لابد منها، لنضع شعبنا بالصورة الحقيقية لمواقف كل طرف، وما آل إليه الحوار بين الأطر السياسية حتى اليوم:
وعندما رفضنا هذا الأسلوب من التعامل.
بعد جولتين من الحوار –وبضغط من الجبهة تم قبولنا (والحمد لله) كإطار يمثل الأحزاب أسوة بالجبهة والتحالف.
وهنا نسأل: من أعطاهم صكوك الشرعية ليكون إطارهم (التحالف) شرعياً، أما الأخرى فغير شرعية؟ وما هو معيار الشرعية في ذلك؟ ولماذا تم التعامل معنا بهذا الشكل! إن لم تكن الغاية منها دفعنا إلى اتخاذ موقف متشدد وسلبي من عملية الحوار بمجملها، وبالتالي يقتصر الحوار وتشكيل المرجعية من التحالف والجبهة فقط، وهذا ما يردده إعلام التقدمي مراراً وتكراراً، وما ترفضه الجبهة باستمرار.
وهنا يبدو واضحاً من يريد أن يعمل من أجل بناء مرجعية قومية شاملة ومن يريد أن يشكل أطراً حزبية لتحقيق مآرب حزبية بحتة وصراعات هامشية، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الترهل السياسي الذي يعاني منه التقدمي، وعدم قدرته على مجاراة الحراك السياسي للشارع الكردي الضاغط، وبالتالي يرغب أن يبقى الخلاف ضمن الأطر التنظيمية الشكلية.
ولقد أثبتت مجريات الحوار السياسي ذلك حيث بقي التقدمي وحيداً في رؤيته السياسية أمام مجموع الأحزاب المشاركة في الحوار، وهذا ما سنوضحه لاحقاً.
2ً- أثناء بدئنا العمل لإعداد مشروع الرؤية السياسية المشتركة للأطر الثلاثة رفضت بشكل قاطع مناقشة الرؤية السياسية للجنة التنسيق، وأصرت على أن تكون الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف هي المسودة المعتمدة للنقاش، وأن بإمكان لجنة التنسيق إبداء ملاحظاتها على الرؤية لا أكثر.
ومع قناعاتنا بأن هذا الموقف الفوقي جاء بضغط من التقدمي هو استفزاز آخر نتعرض لها، فإننا قبلنا بأن تكون رؤية الجبهة والتحالف هي المسودة المعتمدة للنقاش.
وبعد نقاش ماراتوني شاق تم الاتفاق على الرؤية السياسية المشتركة باتفاق الأطر الثلاثة (التنسيق، الجبهة، التحالف) باستثناء التقدمي الذي اعترض على هذه الرؤية المشتركة، وبشكل خطي، أي أن الرؤية المشتركة هي رؤية تسعة أحزاب معاً –ماعدا التقدمي-، مع قناعتنا بأن ما تم الاتفاق عليه يعتبر الحد الأدنى المتفق عليه الممكن لحزبنا، إضافة إلى أن هذه الرؤية تعتبر القاسم المشترك لمجموع الأحزاب الموقعة، وليست رؤية حزب معين بذاته، ومع ذلك يقوم إعلام التقدمي بالتهجم عليها في كل عدد من أعداد جريدته.
وهنا نسأل أطراف التحالف: أليس من حقكم أن تقولوا لحليفكم (التقدمي) بأن هذه الرؤية تعنينا أيضاً، ونحن مقتنعون بها، وليس من حقكم اعتبارها رؤية سياسية لطرف معين بحد ذاته؟ ألا يعتبر سكوتكم عنه نوعاً من الاستخفاف بوجهة نظركم؟!
3ً- لقد اتفقنا –وبحضر جلسة نظامية- بأن الرؤية تخص الأطر الثلاثة مع اعتراض التقدمي، وتعتبر مشروعاً للمؤتمر الوطني.
فبأي حق يتم التنصل منه واعتباره مشروعاً للمؤتمر فقط (بلاغ التحالف 17/9)؟ وبأي حق تتم مشاركة التقدمي في اللجنة التحضيرية للإعداد للمؤتمر وهو الذي لا يتفق معنا في الرؤية السياسية، وسوف يقوم بطرح رؤيته السياسية الخاصة به في المؤتمر؟ ولو عكسنا الصورة، ورفض حزبنا هذه الرؤية فهل سيكون الموقف مماثلاً؟ أي هل كان سيسمح لحزبنا أو أي حزب في لجنة التنسيق أن يعطى هذا الحق؟ نعتقد جازمين بأن الموقف سيكون مغايراً تماماً، ولقالوا لنا إننا نعتذر عن مشاركتكم في اللجنة التحضيرية وفي المؤتمر أيضاً لأنكم لم تتفقوا معنا في الرؤية السياسية، ولن نسمح لكم بطرح وجهة نظركم السياسية إفرادياً؟! وإذا أعطي مثل هذا الحق لكل طرف في طرح وجهة نظره السياسية كما يريد بعيداً عن التوافق، فلماذا كل هذا الجهد من أجل توحيد هذه الرؤية؟ ولكنا التقينا بالتحضير التنظيمي الإجرائي للمؤتمر فقط؟ وأي مؤتمر هذا إذا كان كل طرف فيه يغني على ليلاه! لذلك كان يفترض بالأطر الثلاثة المتفقة على الرؤية السياسية إبعاد التقدمي عن اللجنة التحضيرية والاكتفاء بدعوته إلى المؤتمر كبقية الأحزاب الموجودة خارج هذه الأطر، والتي ستتم مناقشة وضعها لاحقاً.
4ً- لقد كانت وجهة نظر لجنة التنسيق، وكذلك وجهة نظر بعض الأحزاب السياسية في الجبهة (البارتي تحديداً) أن المؤتمر يعتبر أحد الخيارات لتشكيل المرجعية القومية، وليس الخيار الوحيد، لكن إصرار التحالف على إبقاء المؤتمر كخيار وحيد لتشكيل المرجعية القومية دفعنا إلى التراجع عن موقفنا، والقبول بوجهة نظر التحالف رغم قناعتنا بأن هذا الوضع لا يخدم بتاتاً العمل السياسي الكردي المشترك، والموضوع أشبه بمن يضع قدمه في حذاء ضيق.
وكان من الأفضل –بعد توحيد الرؤية السياسية للأطر الثلاثة- أن يتم تشكيل هيئة سياسية لهذه الأطر بالترافق مع تشكيل لجنة تحضيرية لعقد المؤتمر، أي طالما أصبح الطريق ممهداً لتشكيل مرجعية سياسية، وتقوم هذه المرجعية بالإعداد لتشكيل مرجعية قومية فمن الغباء السياسي تفويت هذه الفرصة التاريخية بهذه السهولة، ولسبب بسيط هو أن التقدمي سوف يكون خارج هذه الهيئة لأنه غير موافق على هذه الرؤية.
وعليه فإن حليفه العتيد (حزب الوحدة) ليس مستعداً للذهاب بهذا الاتجاه (رغم اقتناعه بهذا التوجه) كي لا يسبب إرباكاً سياسياً كبيراً للتقدمي، ويعزل عن الإطار الجامع للحركة الكردية.
هنا يتبادر إلى الذهن سؤال: هل حزب الوحدة مقتنع بهذه الرؤية السياسية المتفق عليها أم أن التفكير الحزبي الضيق يحتم عليه الوقوف إلى جانب حليفه (التقدمي)، وعلى مبدأ «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، أم أنه غير مقتنع بهذه الرؤية السياسية لكنه محرج أمام قواعده في الإفصاح صراحة عن قناعاته السياسية.
وبناء عليه فإن التقدمي يمثل بالنسبة لهم وجه القباحة والتعتيم في هذه الصدد، لذلك فالدفاع عن التقدمي ووجوده كرقم لابد منه أفضل بكثير من الدفاع عن سياسة التقدمي وفكره (رغم قناعته به)، وهكذا يتم خلط الأوراق بشكل متعمد من قبلهم، وبأسلوب ديماغوجي قل نظيره لئلا تشكل المرجعية السياسية، وهم يدركون تماماً بأن التقدمي سوف يعمد إلى خلق المزيد من الأزمات، ووضع العديد من العصي والحفر أمام تشكل المرجعية القومية، لأن كفة الميزان السياسي لم تعد لصالحه، ويبقى حزب الوحدة يذرف دموع التماسيح على عدم تشكلها.
5ً- لقد اتفقنا –نحن الأطر الثلاثة، وبمحضر جلسة رسمية- على أن (نشر هذه الرؤية مرتبط بإقرار عقد المؤتمر الوطني وبالتزامن مع تشكيل اللجنة التحضيرية).
وبعد أن تم إقرار المؤتمر من قبل لجنة التنسيق والجبهة معاً، وأبدينا استعدادنا لتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، تراجع التحالف عن موقفه وأصر على عدم نشر الرؤية إلا بعد أن يتم الاتفاق على آليات عقد المؤتمر، وطرح على الإطارين (تنسيق، جبهة) مجموعة من الأسئلة على الطريقة الأمريكية للإجابة عليها بنعم أو لا.
وهنا رفضت لجنة التنسيق هذا التراجع من جانب التحالف، وأصرت على نشر الرؤية بالتزامن مع تشكيل اللجنة التحضيرية كما اتفقنا عليه سابقاً.
وطرحت الجبهة موقفاً وسطاً للخروج من المأزق؛ أي أن يتم نشر الرؤية في أول جلسة للجنة التحضيرية، وقبل مناقشة آليات عقد المؤتمر، وقبل الإجابة على أسئلة التحالف.
ووافقت لجنة التنسيق على اقتراح الجبهة، لكن التحالف بقي مصراً على موقفه التراجعي نزولاً عند إصرار التقدمي على خلق العراقيل.
وهكذا دخلنا في دوامة التلاعب بالألفاظ من جديد، ورفض التحالف تحديد جلسة أخرى.
ثم فاجأنا بالبلاغ الصادر عن المجلس العام للتحالف يعرض فيه وجهة نظره بشكل مشوه مع أسئلته، وكأن المشكلة ليست عند التحالف ولا معه؛ أي أن هناك أطرافاً أخرى تعمل على تعطيل عملية التأطير، وتحديداً يتم اتهامنا مباشرة من قبل التقدمي والوحدة، وهذا مناف تماماً للحقائق التي سردناها.
كما أن إصرارنا على نشر الرؤية يهدف إلى تحقيق غرضين أساسيين:
الأول: إعطاء نوع من الأمل والبشرى لشعبنا بأن الحركة الكردية اتفقت على الجانب السياسي المشترك لبناء المرجعية، وهو الأهم والأصعب، ولم يعد أمامها إلا الجانب التنظيمي لتشكيل الإطار وهو الأسهل والأقل أهمية..
أي أن هناك آفاقاً جديدة فتحت أمامنا وخطونا خطوات جدية لا يجوز التراجع عنها، ولم يعد ممكناً التراجع بعد أن أصبح واقعاً بين الجماهير الكردية.
الثاني: إن نشر الرؤية يخلق أرضية مرنة ومريحة لهذه الأطر للتفاهم حول الجوانب التنظيمية، إضافة إلى نشرها يعطي فرصة كافية لمثقفينا والفعاليات السياسية المستقلة من مناقشتها، وإبداء وجهة نظرهم وملاحظاتهم عليها، وفي ذلك فائدة كبيرة لنا جميعاً، كما أننا لا نجد أية سلبية من نشرها سوى إحراج موقف التقدمي أمام الجماهير وهذا ما لا يقبله حليفه (حزب الوحدة).
بقي أن نقول إن توحيد الرؤية السياسية وتشكيل المرجعية القومية إنجاز كبير لشعبنا –محلياً وإقليمياً ودولياً- يقيناً منا بأن منطقة الشرق الأوسط تعيش مخاضاً كبيراً، ولابد من توحيد طاقاتنا في هذه المرحلة الحساسة لنتمكن من لعب دورنا المطلوب، والزمن لا يرحم المغفلين والمنقسمين على أنفسهم، ولابد من العمل بجدية، وإبعاد أولئك الذين يضعون العصي أمام توحيد طاقاتنا السياسية لغايات قد نجهلها اليوم.
وبهذه الرؤية الاستراتيجية البعيدة نتعامل بنفَس هادئ، وحوار جدي مع أطراف الحركة الكردية جميعها للوصول معاً إلى هذه الغاية النبيلة، ولن يحيدنا عن موقفنا أولئك الذين يجعجعون ليل نهار للتشويه على موقفنا العملي والواضح، والوثائق التي بين أيدينا من محاضر الجلسات تدحض كذب ونفاق التقدمي.
نأمل ألا نضطر يوماًَ إلى نشرها بالكامل مع نشر الرؤية المشتركة.
——
نشرة دورية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد (149) ايلول 2007