جميل بايق وخلطة البراديغما

وليد حاج عبدالقادر / دبي

في أواسط عام 2013 التقيت صدفةً في واحدٍة من شوارع دبي بصديقٍ كُردي مثقف ، بنكهة أكاديمية ، معروفٌ في مواقفه، والتي غالباً ما يقف في منتصف الخط من التوترات الكُردية / الكُردية ، وتناقشنا كثيراً في قضايا غلب عليها الموضوع الكُردي بشقيه الكُردستاني العراقي والسوري ، وتداخلات المنطقة وببساطة شديدة ما كان يُثار حينها حول موضوعة معبر ربيعة، والتفويض الذي كان قد مُنح لجهة – ما محسوبة على الكُرد في الجهة الغربية ، رغم نفيها واستنكارها لذلك واعتبارها كتهمة مشينة – من مدير مكتب أمني ، ومن ثم مطالبة تلك الجهة من حكومة كُردستان وبيشمركتها الكُردستانية العراقية بجلب أمر – كتاب تفويض من الحكومة الإتحادية ،حتى يقوموا بإخلاء المعبر وتسليمه لهم ، وكان ردّ صديقي الأكاديمي بما معناه : أنه في حوادث حرب الخندق ! – احتجاجات مجاميع pkk – أثناء قيام حكومة الإقليم بحفر خندقٍ لمنع التسلل غير المنضبط إلى أراضيه – كان يتفاعل مع الإعتراضات عليها ، ولكن بعد استلام وتسليم المعبر تيقّن وعرف مدى تناقضات أصحاب حرب الخندق .. قلت له : هل قرأت رسالة السيد مسعود البارزاني ( حينها ) أجاب بلا و أردف بأنه يستطيع تخمين ما ورد فيها فهو من القادة الذين يثق.
وهنا انتهى الحوار مع صديقي ، وعليها سأستذكر أمرين هامين : الغاية في تسليم معبر تل كوجر – ربيعة بموجب كتاب التسليم الصادر من جهة ، وطلب الجهة التي قامت حينها ب – مظاهرة / غزوة الخندق – بكتاب معاكس ومٍن مَن ؟! من مدير مكتب الجنرال القاسمي في العراق تحت مسمّى رئيس وزراء كان اسمه نوري المالكي ، وبالمختصر وكما هي الأمور في تعليلاتها الكُردية والتي تُدار حسب مبدأ الاستلام والتسليم ،فبماذا نصنّف الجهة المسلّمة والمستلمة ؟! . أفلا تشي وببساطةٍ شديدة بأنّ الطرفين – المالكي والمُطالب برسالة موافقة – ليسا سوى مجرد موظفين ؟! . وكلّنا يتذكّر تواطؤ المالكي في تسليم الموصل لداعش ومعها تلعفر وصولاً إلى سنجار ! أم أنّ الأمر وما فيه كان نتاجاً لصراعٍ بيني ؟! تسعى تلك الجهة وبكلّ ما قدّم لها من مستلزمات الشرخ والاستهداف البنيوي لزراعة سوسة الكراهية البينية في استجرارٍ عملي لحرب دموية مميتة ومدمّرة.
ومن جديد في نسفٍ تطبيقي لمقولة الزعيم الكُردستاني مسعود البارزاني في تحريمه للقتال الكُردي – الكُردي ؟ أم هي نفسها الحتمية التي ما استطاع كلّ عنف الاستبداد الداخلي وفولاذية التنظيم التي منحت وبشرعية ثورية بول بوتية توازي محاكم التفتيش وفتاوى التكفير ومن ثم حق إقامة محاكم ثورية محلية ،وبالتالي تصفية كلّ مخالف ولتتناثر تلك العقلية التنظيمية فترى في كلّ مخالف لتوجهاتها دريئةً يتوجّب قصفها أو إخفائها والآن !! ومع المتغيرات التي تحصل في العالم وآفاق عصر العولمة وتجاوز نمطية الحياة والمعرفة ، لا بل خرقها لكلّ الحواجز مهما تخرسنت أو تسلّحت وبالوسائل الإلكترونية ؟! .
وفي العودة إلى البدء : أفلا توحي المتناقضات بمفرداتها المبهمة كطلاسم لعفونةٍ آيديولوجية مهترأة ، تعيد إلى الأذهان طقوسية التبرير للردود العنيفة على شاكلة وبغطاء – كل شيء من أجل المعركة – ولكن ؟ أية معركة ولأية غاية ؟ هذه الأسئلة وبضخامة مفرداتها التي ما وسعت سوى ذلك الشرخ الذي لازال ينمو ، وتلك الأصوات التي تتعالى، وهي تنخر في جسد التوافق الكُردستاني ، وبالتحديد مع انقلاب جميل بايق وبسي، وبمباركةٍ من المقبور قاسم سليماني وعلي مملوك والعرّاب لاهور جنكي ، ذلك الانقلاب بمخرجاته الصريحة والكلفة التي دُفعت ولا تزال تدفع دماً ونخراً يتوسّع على قاعدته ظاهرة الدفع بالبينيات الكُردية نحو التصادم ، وكان لسرعة pkk في تبيان موقفها الصاروخي تهجماً على بافل الطالباني واتهامه ببعثرة إرث والده من خلال أقلام مكشوفة لهم خير رسالة وانكشاف حقيقي للمآلات السابقة وآفاق التموضعات القادمة ، وترتيبات الجغرافية السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة ، وبعنوان بارز تستهدف التغيير البنيوي في الزحف الخامنئي لمجمل المنطقة ، والتي ابتدأت من أفغانستان مروراً إلى التشكّل الذي تسعى إليه أمريكا وجغرافيتها السياسية الجديدة.
وفي عودةٍ إلى مقدمات هيمنة بايق ، ومن ثم توضّح منهجيته الصريحة ، لابل وتبشيره المبكر لنظرية – البراديغما – الدوغمائية ، وبتصريحٍ واضح لا غبار فيه ، إلغاء التوجه القومي واعتبارها – شوربة – استعمارية ، رغم كلفتها الدموية الباهظة وكعنوانٍ بارز ل – موضة – اهترأت الآن ، لابل الطرح الأشد نقداً كانت تستخدمه منظومته لكلّ أحزاب الحركة التحررية الكُردستانية ونعتهم بشتى التوصيفات ولسبب وحيد ؟ عدم تبنّيها لشعار – سرخبون – الاستقلال ! ناهيك عن طرحها المبهم وبديماغوجية عن دولة بوطان وبهدينان ولكن في البقاع اللبناني ، كلّ هذه المتحورات تتالت ومُرٍرت من دون أية ممارسةٍ نقدية ولا اعتذار لذوي الشهداء ، لابل وعلى أرضيتها وأمام وسائل إعلام عالمية تقدم اوجلان بنفسه اعتذاراً ولكن لأمهات الجنود الاتراك القتلى ، قتلة شهدائه و .. من جديد مُرِر الأمر على مريديه ولتعتبر تكتيكاً وشجاعة ، لابل وليعتلي بعضٌ من تلامذته ويجاهرون بذلك بابتداع – فقه جديد – ففي لقاء للسيد حسن كوجر القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي وعضو قيادة مجلس سوريا الديمقراطي مع عشائر عربية شرق ديرالزور يوم 17 / 6 / 2017 صرّح وبوضوحٍ وقال: ( نحن ضد أيّ مخططٍ يهدف إلى تقسيم الأراضي السورية ونسعى إلى أن تكون سوريا موحّدة بأرضها وشعبها ) .. وهذا لن نختلف فيه ولكن أن يكون ( .. الدور الأكبر في بناء المنطقة يقع على عاتق شيوخ ووجهاء العشائر للنهوض بواقع المنطقة خدميًاً وأمنيًاً ) .. ؟! هذا التذلّف هو ما يدفعنا إلى التساؤل عنها براديغميا ! .
ومن جديد ، وفي العودة قليلاً الى الوراء ،وبالتوازي مع الإرتكاسة الفظيعة وفشل مفاوضات السلام التي نادى بها السيد عبدالله اوجلان حينها ( مع كلّ الأمنيات الصادقة له بالحرية ) ! لابدّ لنا هنا أن نستذكر كثيراً من المتغيرات التي حدثت في قنديل سواءً من الترتيبات الداخلية ، وتلك الانسحابات من المواقع في كُردستان تركيا ، والتي ادركنا فيما بعد إلى أين تمّ ارسالهم ، تلك العوامل التي رافقها انحسار لا بل طلاق بائن بين الجغرافيا القومية وسرخبون والنضال التحرري الوطني والاستناد إلى رؤىً تحتاج كلّ واحدةٍ منها إلى رؤيةٍ توضّح لما قبلها وتؤسّس لرؤيةٍ تليها ، وكانت انتخابات برلمان تركيا الأولى حينها وسط تلك المعمعة تجربةً رائعة بيّنت بأنها ستؤسّس عملياً لخطوات سلمية تشاركية حقيقية ومن جديد ، بدا الأمر غريباً : أن تتلاقى إرادة قنديل مع السلطان الجديد إردوغان ولتتمّ تاسيس ذات الارضية وتراكم في الممهدات الواجبة للإطاحة بالعملية البرلمانية وإهداء الفوز الكبير للقائمة الكُردستانية إلى إردوغان ، كدعمٍ ومساندة باطنية لإعادة الانتخابات ، والعودة منها بخسارة مقاعد كثيرة.
ولم يتوقّف الأمر هنا ، بل ظهرت محاولة جرجرة النوّاب ووضعهم في خانةٍ لا يستطيعون مطلقاً وفي نطاقية محددة وتتالت حلقات العزل الممغنطة الممارسة عليهم من خلال فظائع سوره وآمد وشرنخ وجزير ومسيبين ، وسيف السلطان يلاحق النوّاب ، وهو يسعى بكلّ طاقته لرفع الحصانة عنهم واعتقالهم ، وبالتالي ليتفرّغ جميل بايق ويمارس عسكرتاريته ، ومن هنا وبمعرفة الدائرة المغلقة في قنديل ومباركتها في خاصية الدور الذي يمكن أن يلعبه الزعيم مسعود البارزاني وذلك في استخدام ما له من تأثير وثقة جماهيرية في كلّ أجزاء كُردستان ، وايضاً بالاستناد على موافقة مسبقة كان قد منحها له السيد اوجلان ، وبالتالي في زيارته حينها إلى تركيا ، والتي رفض فيها زيارة اوجلان وهو وراء القضبان ، و .. لم يعد سراً حينها حجم الضغوطات والتهديدات التي تتالت على كثيرٌ من البرلمانيين بعدم التجاوب مع مبادرة البارزاني ، ولازلنا نتذكّر جيداً تفاصيل اغتيال المحامي الشهيد طاهر ألجي الجزيري النشط ، والتي أصرّت عائلته أن يُلفّ نعشه وقبره بعلم كُردستان ، ومنذئذٍ وبالإضافة الى جملة مواقف الزعيم البارزاني من الثورة السورية عامةً وقضية الشعب الكُردي فيها خاصةً ،وذلك بالضدّ من موقف ايران وشيعة العراق والنظام السوري بالتضاد منه ، واليوم توضّحت وببساطةٍ صحة موقف الغيورين على قضية الشعب الكُردي في كُردستان تركيا سيما بعد تسارع الأحداث حينها وزيادة نبض الشارع ووتيرة الضدّ من كلّ تلك الممارسات والتي انكشفت أكثر من خلال دفعٍ منظم لإفراغ المدن الكَردستانية من سكانها ، ومعها ذلك التماس المباشر للبرلمانيين الكُرد ورؤساء البلديات فيها مع قواعدهم المجتمعية وبالتالي تلمسهم للخطر الوجودي الكبير ، حيث أطلقوا مبادرتهم السلمية متمنّين أن يقوم السيد البارزاني بهذه المهمة ، وهنا وفي هذه النقطة الأساس التي دفعت بتوابع التابعية لزجّ اسم الزعيم الكُردستاني مسعود البارزاني، وكأني به هو الذي بادر لأهم من طالب ذلك وبإلحاح علني ، وبديهي جداً إنّ كلّ متابع للمجريات أدرك ببساطةٍ دور سليماني وبايق في إفشال تلك المحاولة التي عُدّت كوسامٍ أُهدِي إلى أردوغان وحزبه من جديد ، وقد صدق ذلك البرلماني الكَردي الذي لا تسعفني الذاكرة باسمه حينما قال : ( لبايق عقدة خاصة من اردوغان في الوقت الذي عليه آلا ينسى مافعلته الطورانية التركية بشعبنا وكثير من مقاتليه الشهداء .. ) .
إنّ النقد عمره ماكان حقداً، كما إنّ الخلاف لايشكّل خيانةً ، مع انها لا تغطّي ايضاً على السؤال الكبير الذي يتوجّب علينا صياغته بدقةٍ والإجابة عليه بدقةٍ أكبر ؟! أين نحن ؟ لا بل ومَن نحن ؟ ولماذا نحن ناضلنا ونناضل ؟! جملةٌ من الأسئلة تتالى في ذهنية أيّ واحدٍ منا وعلى هدي تقييمنا وإجابتنا تتحدّد تصوراتنا في التخوين وماشابه , وهنا وكأيّ شخصٍ عادي ! متابع في الشأن العام وبخاصيته الكُردية ، أفلا يحقّ أن تكون هناك أسئلة شبه جمعية تحتاج من جميل بايق الإجابة عليها بعيداً من تقية الشهادة ودماء شبابنا وشاباتنا الذين تاهت بهم الدروب بحثاً عن توصيفٍ حقيقي لتلك الدماء الطاهرة التي تمّت التضحية بها ؟ أوليس من حقهم وحق أسرهم توجيه تلك الاستفاهمات المتراكمة لبايق ؟ أجل إنّ ذلك هو أبسط مما يفترض منهم مواجهتكم ، كونكم زعمتم طويلاً في ممارسة أنبل ثقافةٍ تراكمت عليها التجربة البشرية السماوية منها والوضعية وأعني بها ثقافة الاعتذار … وكونكم جزءاً لا يتجزّأ من منظومة الجدل / التفاوض مع حكومة اردوغان للوصول إلى حل / اتفاق بينكم وغالبية النصوص أو الأفكار المتداولة / المسربة / كنتم أو اتهمتم بعضاً من رفاقكم بها وبالتالي تمّ إقرار تصفيتهم / قتلهم / إعدامهم !! وهنا : ألا تستحقّ منكم شنر والدة أحمد شنر الاعتذار وإعادة الاعتبار له !! .. وبالتالي نقل رفاته / إن لم تكن قد نقلت قبلاً / ..!! .. أظنّ أنكم ما اتهمتوه يومها بالتعامل مع الجونتا التركية وانما خلافكم معه كانت في قضايا تعاملتم أنتم معها لاحقاً في مفاوضاتكم التي جرت مع حكومة اردوغان .
وفي الختام وبعباراتٍ صريحة ،سأستذكر الماغوط وعلى لسان بطل مسرحيته حسني البورظان تلك الجملة المشهورة : إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث في البرازيل ؟ عليك أن تعرف ماذا يحدث في إيطاليا ! وهذا ما يتوجّب على بايق وسدنته أن يعرفوا بالذي جرى للاهور جنكي كنقطة انطلاقٍ بدئي لما سيجري لا لبايق ومجموعته بل إيران وعلى رأسها خامنئي بالذات .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…