الدكتاتوريات تبتلع ذاتها وما حولها, ولكن إمهالاً

م.نذير عجو- هولندا
تبدأ ولادة المنظومات الديكتاتورية بشخصيات إستبدادية ذات صفات إستثنائية قوية بعيدة عن الإنتماءات والروابط والقيم والمفاهيم الإنسانية في باطنها, تمارس تلك الشخصيات بواطن قوتها وتوحشها بحرفية عالية لامباشرة, وتتصف تلك الشخصيات بكاريزما يلتف حولها الوصوليون والإنتهازيون وكذلك البسطاء اللذين يأخذون الأمور بقشورها وبعيداً عن واقعيتها ووقائعها, ليشكلوا مجموعة تُوصف ذاتها بالثورية أو المصححة للمسار على قاعدة الإستخدام النظري للأسس والمبادئ والشعارات الشعبية الملهمة والثورية, وتبني من خلال تلك النظريات (نظريات حقة يراد بها باطل), كقاعدة لمنظومة إستبدادية وكخطوة أولية نحو الديكتاتورية, وتخلق تلك المنظومة ظروف ووقائع تصبح مبررات لسلوكياتها المتناقضة مع الأسس والمبادئ والشعارات التي تبنتها, وكمن يحفر قبره وقبر غيره بيده, ينتشر الفساد والظلم والقهر والقتل والدمار في تلك المنظومة وما حولها وصولاً إلى صراعات توصل المنظومة الدكتاتورية والديكتاتور إلى حتفه الأكيد.
سوريا وجدت كدولة ذي شأن وأركان, نخرتها المنظومة الإستبدادية بقيادة وإدارة السلطة الأسدية بشخص الأسد الأب, وصولاً للديكتاتورية, لتتحول سوريا إلى مزرعة بوصاية ديكتاتور, وتصل إلى ماوصلت له من قتل وإرهاب ودمار من خلال تلك المنظومة الديكاتورية والتي لم تكن حتمية إنهيارها الكلي المرتقب بشواذ عن خواتها من نهايات الديكتاتوريات السابقة (فرانكو, تشاوسيسكو, صدام, بن علي, قذافي, علي عبدالله …..), والتي كلفت تلك النهايات إبادات ودمار وحرق للأخضر واليابس للكيانات التي مثلتها وحكمتها تلك الديكتاتوريات, 
اليوم الشعب الكوردي في الخارطة الجغرافية السورية في حالة جدل لواقع التغيرات الحاصلة بما يتعلق بمنظومة الإدارة الذاتية الناشئة والتي شاءت الظروف والمصالح أن تلعب تلك المنظومة دوراً إدارياً وحاكمياً في واقع الحرب الاهلية الدائرة على الجغرافيا السورية, وتدير وتحكم تلك الإدارة جزءاً من تلك الخارطة السورية, ذلك الدور الذي تعطي مؤشراته الواقعية والعملياتية وعبر سنوات حكم تلك المنظومة, بأنها نسخة عن نشأة أية منظومة إستبدادية تتوجه للحالة الديكتاتورية.
في أوج حالة الإيجاب والتفاؤل كوردياً في ترك منظومة الإدارة الذاتية والسماح لها من قبل داعميها لممارسة أهدافها المستترة بالعباءة الحزبية (حزب الإتحاد الديمقراطي) والخاضعة ظاهرياً لأيدولوجية (إخوة الشعوب, الأمة الديمقراطية), المبتكرة والمنسوبة لشخص برسم العبادة والتآليهه, وبالمقارنة البسيطة لأقرب أقرانها(السلطة الأسدية) بأهدافها المستترة بالعباءة الحزبية( حزب البعث العربي الإشتراكي) والتي خضعت ظاهرياً للأيدولوجيا الإشتراكية (وحدة حرية إشتراكية), يمكن التيقن من تطابق حاضر ومستقبل الإدارة الذاتية ومصيرها, مع ماضي وحاضر ومآل الإنهيار الحتمي لمنظومة الديكتاتورية الأسدية ومعها الدمار والخراب المرافق.
حيث التشابه الكبير بين السيرورة التسلطية لكلا المنظومتين (الأسدية, الأوجلانية) :
١- ترفع شعارات نظرية, تتناقض والممارسة العملية في واقع سيرورة الوجود .
٢- تصب شعاراتها في خدمة شخصية القائد الفذ لدرجة العبادة والتألهه.
٣- صور القائد المقدس تملئ الساحات والشوارع والمكاتب والصدور.
٤- تتبع نظرية القطيع في إحياء المناسبات الكثيرة, حيث إجبار الشعب لإيقاف كل متطلبات الحياة للخروج بالمظاهرات أو المسيرات أو…., محملين بصور القائد ومررددين شعارات المنظومة.  
٥- اشتراط الولاء المطلق والطاعة العمياء لكل أوامر الرأس الحاكم الأوحد ورغباته ورؤياه.
٦- المخالفون لهم خونة وعملاء, وهم مشاريع تهديد وإعتقال وتصفية.
٧- العسكريتاريا الخفية لغة الإدارة, وتخضع لها كل السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية).
٨- الوصولية والإنتهازية والعدوانية, عنوان أصحاب الإدارة والسلطات.
٩- ضمان ولاء الأتباع بإشراكهم بالفوائد والمكاسب، بصفتها مغانم معارك ومكاسب هيمنة المنظومة، بحيث يصبح مقياس الولاء مدى رضوخ الأتباع للحصة المعطاة لهم من المغانم.
١٠- يخلقون واجهات ومنظومات تعتيمية (إتحادات, هيئات, ….) تخدر عقول البسطاء في فهم الواقع المُدار.
١١- يختبؤن وراء مفاهيم(الصمود, التصدي, العدوان الخارجي, التكتيك,… ) تبعد الانظار عن مايحدث داخلياً من تجاوزات بل جرائم بحق من يحكمونهم.
١٢- شعارهم الأساس, إما نحن أو لا أحد. 
١٣- يعتاشون على شبكة إعلامية تضليلية, تستخدم كل أساليب الكذب والخداع وقلب الحقائق, خدمة لسيرورة سلطتهم.
١٤- لهم علاقات مشبوهه مع أطراف تعادي حالة وجود من يمثلوهم ويحكموهم.
١٥- عنفيون مع محكوميهم ولاسيما المختلفون, وإنبطاحيون ومستسلمون مع القوى الخارجية.
١٦- يخلقون الازمات لإلهاء الشعب بها, مقابل إستخدام كل الموارد وإمتصاصها لصالح الدائرة المصغرة لتلك المنظومة.
١٧- التعامل بمنطق حالة “نفير عام” بما تتطلبه من تطبيق حالة “حكم عرفي” و”إدارة عسكرية أمنية”، حتى ولو لم يتم تطبيق هذا بشكل علني ورسمي عام، بل يتم اتباعه بشكل سري وملتبس، ويتم التفكير وفقه خلف الأبواب المغلقة.
١٨- ينشؤون شبكة ذات صلاحيات مطلقة (جنود تحت الطلب) في ممارسة العنف الخفي دون خضوع لمتابعة أو قانون أو رادع, تقيّد جرائم تلك الشبكة ضد مجهول.
……………
 …….
….
وهكذا تكون سيرورة المنظومات الديكتاتورية ومصيرها المأساوي المحتوم والمتشابه في حرق الذات وما حولها من حجر وشجر وبشر.
فهل من متعظ من تكرار تجارب المنظومات الإستبدادية المحتومة الإنهيار, إن لم يكن اليوم فالغد له بالإنتظار.
١٠-٠٧-٢٠٢١

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…