وليد حاج عبدالقادر / دبي
في واحدة من المقالات القيمة التي كتبها الإعلامي جورج سمعان بجريدة الحياة عدد يوم 20/6 / 2016 ، تناول فيها ما تم حينها من توافقات بين هيئة التنسيق والإئتلاف السوري المعارض ، والتي أدت الى انضمام هيئة التنسيق الى الإئتلاف ، كانت النقطة الابل فيها تركيزها على الموقف من القضية الكردية كجزء – بعد ضمن الأبعاد الوطنية السورية العامة حيث كتب / .. وتعترف صراحة بالقومية الكردية كيانا يشكل جزءا لا يتجزأ من سورية الديمقراطية طمأنة للأقليات والاعتراف بخصوصية الكرد ثقافة ولغة على قدم المساواة …./ .
هذا الأمر الذي بدا مفاجئا وطرحا لم يستسهله كثيرون ، لابل عدوه ولمجرد ورود كلمة الكرد في سياق نصه ، على أنها إهانة حقيقية للاغلبية العربية ، لابل حض على إثارة النعرات الطائفية والعنصرية والشروع / العمل على تقسيم الدولة ، وذلك كإمتداد متصاعد لمرحلة الإنقلابات العسكرية التي قادتها مجموعات من الضباط لم يروا من وسيلة للتحكم بمشاعر الأغلبيات في مجتمعاتها سوى بالإرتهان على يثير فيهم النزعة الشعبوية ، فاتخذوا من شعار القومية العربية ووحدة اقطارها وسيلة ، وارتكزوا على معاداة الاقليات ، لابل جعلوهم وسيلة او اتخذوهم بؤرا معادية ، وكقميص عثمان يثيرونها وسيلة لتبرير كل نكساتهم ، لابل كانت تلك الاقليات واحدة من اهم العقبات التي وقفت في وجه كل الطموحات والمشاريع التي اجهضت وفشلت بسبب سياساتهم الهوجاء ، ووضعت على ذلك الاساس بيانات لقواعد ووثائق و ارشيفات تخرج للعلن حين اللزوم ، وايضا كمسوغ لضبط ايقاع الأحكام العرفية وحالات الطوارئ التي استباحت كل شيء وتحت شعار : كل شيء من أجل المعركة ! أما أية معركة ؟ فلك كامل الحرية ان تحددها ولكن وفق مشيئة الحاكم بحزبه المفدى . وقد تمظهرت هذه الممارسات وطغت على السطح ، لابل اصبحت وكسمة التصقت بالاحزاب القومية العربية ، وظهرت باعلى تجلياتها مع صعود الموجة الناصرية ومعها عقيدة البعث القومية وتنامي الصراع العربي الإسرائيلي ، ومعه طابو الخرائط المطمطة والمقدسة وحروب متعددة شابتها إنكسارات عديدة ، غلفت وبعبارة ادق موهت وشوهت بغطاء من التهم الشعبوية الساذجة ، كل هذه الامور بممارساتها أثرت في عقول ومنهجية بعض ممن لا يزالون يعتبرون أنفسهم من سدنة أو حراس معبد القومية العربية والوطن العربي ، فيرفضون بالمطلق أحقية غيرهم إن في الوجود أو نمطية التفكير الحر ، ومن ثم حتى مجرد الحق في التفكير كمجرد فكرة بحق تقرير المصير . ومن هنا / شخصيا / لا ولم أستغرب ظاهرة وجود أدعياء كما وأوصياء على المنهج العروبي لا العربي وأناس من طراز جعارة ولبواني ونصر الحريري وهيثم المالح وغيرهم ، هذه المواقف ومن امثال ذلكم الشخوص والذي يفترض فينا عدم الإستغراب وحتى مجرد التفكير او استحضار ردة الفعل ، سوى الحسرة الكبرى خاصة عندما نتلقف نحن مواقفهم فنعتبرها مجرد تلفيق واتهام ، ونبذل كثيرا من الجهود ونسوق مبررات تلو اخرى ، لنثبت بأننا عكس ذلك ، فنقدم بذلك لهم مسوغات اكثر بأن حقوقنا بالفعل لا ترتقي الى تلك السوية وهم صادقون في ذلك؟! . وبكل آسف فقد تاثرت غالبية القوى المفترضة بانها نصيرة لحقوق الشعوب وتقريرها لمصيرها ، إلا أن النزعة القومية والمغالاة فيها كانت بكل آسف هي الطاغية وبشكل كبير لدن احزاب شيوعية وقوى ماركسية عربية عديدة ، هذه القاعدة تلمستها شخصيا في جلسة ودية جمعتنا ، في ذروة مرحلة صعود الفكر الماركسي ، وبشكل خاص في منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات تحديدا ، وكمثال حي على ذلك ما جرى معي وواحد من الأصدقاء من – سري كانيي – رأس العين * ، حيث التقينا في صيف عام ١٩٨٢ مع بعض من رفاق الحزب الشيوعي السوري – جناح السيد رياض الترك – أو ماعرف بجماعة المكتب السياسي وبحضور طالبتين لبنانيتين من الحزب الشيوعي اللبناني وفي غمرة النقاش وبالرغم من أننا كنا في لقاء بإسم حزب الإتحاد الشعبي الكردي في سوريا حينذاك وبمعيتنا وثائق وأدبيات متنوعة بمافيها الوثيقة الأهم حينذاك / الشعب الكردي في سوريا وحق تقرير المصير / والذي كان قد أقر مؤخرا في المؤتمر الخامس للحزب عام 1980 ، وليتوسع النقاش فيشمل حالة الإنقسامات التنظيمية ودور اجهزة نظام حافظ أسد فيها ، ومن ثم لعبة النظام في ضبضبتهم ضمن نطاقية جبهته المزعومة ، وفي غمرة النقاش وأثناء اسهابهم الحماسي في شرح اسباب الخلاف والإنشطار المتعدد ، وبالاخص اهم قضايا الخلاف ودوافع الإنشقاق عن بكداش نسي محدثنا الأساسي بأننا كرد ، فقال بالحرف / تصوروا !! أن بكداش ومن منطلق كرديته يقف ضد الوحدة العربية على أساس قومي ، وأنه من أصل ثمانية عشرة منحة دراسية الى تشيكوسلوفاكيا ارسل بكداش منهم اثناعشرة كرديا ! وسط ذهولنا ونظرات الإستغراب أنا ورفيقي ، وفي المحصلة لم يتمالك صديقي نفسه ورد قائلا : وماذا فيها ؟! أفلا يعقل مثلا أن يكون الطلبة الكرد استحقوها اكثر من الطلبة العرب ؟! أم أن المسألة عندكم فيها ما فيها من بعد قومي !! وكمن انتبه واستدرك بأننا كرد ، فاخذ يحاول ويناور جاهدا أن يستدرك ويصحح مابدر منه ولكن !! هيهات ! . وبكل آسف فان هكذا توجهات ومواقف مشفوعة بممارسات تمنهجت وطبقت بأطر واضحة كانت وبقيت أهدافها واضحة ومورست – ولم تزل – بكل صراحة ، تلك الممارسات التي استهدفت وفي ابسط مفاهيمها على اتباع سياسة التعريب او التفريس والتتريك من جهة ، ولكنها من جهة أخرى ارست دعائم صريحة لشرخ بنيوي ، ومع كل استهداف جرت وعمقت معها ذلكم الشرخ ، وبالهوينى راكمت معها أيضا بؤر التوتر والصراعات وضخمت في سبل التنافر التي على ارضيتها اخذت تنمو ثقافة الكراهية ، وبات واضحا وكسيرورة تاريخية لذلك النتاج والتي هي في الاساس تعبير واضح لتلك البنى التي افرزتها التجارب على انها وببساطة شديدة : أن النظم عندما تتجه نحو الهاوية ويدرك ذلك القيمون فيها ، حينها تبدأ وتيرة الإنهيار عندهم بنيويا وبتواتر جدا عال ، ولحظتها تصبح كل الأماكن فوبيا لهم ، ويتوجب عليهم وادها والخلاص منها .. / البراميل المتفجرة أنموذجا عند النظام السوري وتفجير السدود المائية عند داعش / .. والعظة هنا هو ذلك المستدرك الذي يحاول او سيحاول النأي بنفسه او مجموعته الهلاك ضمن السفينة المتهالكة ، وحينها ستنكشف النظم على الإنهيار الممنهج ! أجل ومن دون أية غرابة ! فحتى الإنهيارات أيضا أصبحت لها منهجياتها ، وليست فقط الجبال او الأبنية ولربما الصخور المتكتلة العملاقة ، لابل الأنظمة والعقائديات ، وكلنا يتذكر البريسترويكا وما فعله – الغلاسنوس – كعناوين توسمت بال ( غورباتشوفية ) التي أطاحت أول ما أطاحت بصاحبها – قائدها والذي استذوق مع حفيدته وجبة بيتزا كدعاية واعلان أدرت عليه فقط ولدقائق حوال مليون دولار ! . اما البريسترويكا !! . فحدث ولا حرج ولنسأل يلتسين وبوتين عن احوالها ؟! . وعود على بدء وباختصار شديد : امام كل هذه المآلات ! هل هناك من امل في إعادة صياغة مشاريع سياسية جديدة ورؤى بملامح قد تتم بلورتها ، وخاصة ان كثيرين منا ، ومنذ فترة ليست بقصيرة ظن بأن تلك الملامح قد تطورت وأصبحت ركائز – ربما – لخطوات عملية ؟! . ام انها المالتوسية الجديدة التي تزحف مستترة رغم شفافيتها في انكشافها ، وهي لم ترتو بعد من عطشها ؟ . وساختزل متشفعا بإستغراب فظيع : أي تغيير ومهما كان واضحا ومؤسسا لغد اجمل ! هل يعقل ان يتحمل أي مجتمع كلفتها الباهظة جدا او ان تكون هي المؤسسة للجمهورية الفاضلة ؟! وبالتأكيد فأنا اعني بها الدولة السورية بمآسيها !
……
* الصديق عزيز الذي كان يعرف ب عزيزي جيولوجيا او عزيزي سري كانيي وهو مقيم بهولندا الآن على ما أظن .