المغتربين وامل العودة الى حضن الوطن

خالد بهلوي 
الهجرة والغربة لم تتوقف، قديما كانت على شكل افراد او عائلات، اما بأحداث سوريا أصبحت الهجرة جماعية بحثا عن سبل النجاة من الهلاك، خوفا وهربا من براميل الموت والتدمير الذي لم يرحم البشر والحجر ناهيك عن التدمير النفسي وانعدام كل مقومات التشبث بالحياة. 
سؤال العودة يطرحه كل مهاجر على نفسه خاصة، الجيل القديم ومن تجاوز الستين ويلاقي صعوبة بالاندماج ويشتاق الى ذكريات الماضي وأصدقاء الطفولة ويبقى اسمه مهاجر او مغترب … أولادهم سيتذكرون الماضي لكنهم لا يشتاقون الى تلك الأيام… احفادهم سيعيشون في أوروبا مثل أي أوروبي ويحكوا قصص اجدادهم ويقولوا: ان جدنا جاء من سوريا هربا من الموت والطغيان والظلم. ويقول بعضهم نحن اكراد بس ما بعرف احكي كردي.
 الوطن ليس بناء وتراب وذكريات مع احجارها وطرقاتها فحسب، بل أيضا الانسان الذي قضيت معه هذه الذكريات. وللحقيقة الذين كنا نعيش معهم من الاهل والأصدقاء هاجروا ولم يبقى الا القليل في الوطن. هنا في اوروبا تجدهم أكثر ممن تبقوا بالبلد بل عائلات بأكملها هاجرت وتلتقي هنا يوميا مع بعضها وتعيش حياتها الاجتماعية الطبيعية، وإذا عاد أحدهم لم يجد أصدقاء واهل أكثر من المتواجدين في أوروبا. 
  كل من بقي بالبلد كان يتأمل ان تصحح مسار الثورة وتنتهي الحرب والفقر والمجاعة ويعم الحرية والديموقراطية وحقوق المواطنة، لكن الان يتمنى لو غامر مثل الاخرين وهاجر واغترب واستقر وضمن مستقبل لأطفاله.
لأنه يعاني من الويلات بدءا من طول الانتظار للحصول على ربطة خبز او جرة غاز، او صراع مع ابسط مستلزمات العيش في ظل الغلاء الفاحش والفقر المتقع والجوع الكافر.
-الغربة الحقيقية عندما تكون في وطن تشكو من الفقر والجوع ولا تستطيع ان تأمن دواء وحليب لأطفالك.
– الغربة عندما تصادف يوميا في كل حركة من يظلمك ويعتدي على حريتك ويعد عليك انفاسك ويتركك فريسة سهلة لتجار الازمات وتجار الحروب وتسكت خوفا من الأعظم.
-الغربة عندما تعيش في دولة بنيت على القبضة الامنية وعلى مخزون من الأسلحة- تجار حروب – فاسدين وجامعي الأموال وتاجري العملة والمخدرات وجيش من الإعلاميين المزيفين ومؤسسات تنفيذية وتشريعية تابعة لا حول لها ولا قوة.
امام هذه اللوحة التي لاتزال سوداوية حالكة مظلمة يبحث المهاجر والمواطن عن شعاع امل ونور في نهاية النفق. او نهاية الازمة بعد ان دفعت كل اسرة سورية ضريبة كبيرة بحثا عن العدالة والحرية المفقودة وبحثا عن التشريعات والقوانين التي تضمن حقوقه دون النظر إلى الدين او الطائفة وتحقيق السعادة والكرامة الإنسانية بعيدا عن قتل وتدمير وهدم كل ما بناه الأجيال المتعاقبة منذ قرون.
المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين لا تشجع أبدًا السوريين على العودة الطوعية. على الرغم من هزيمة تنظيم داعش وسيطرة النظام وحلفائه على معظم مناطق البلاد لان عند عودتهم الطوعية أو الإجبارية إلى سوريا سيواجهون الاعتقال والتعذيب التي تهدد حياتهم وحريتهم. هي بمثابة حكم بالإعدام عليهم او الموت البطيء.
لعودة اللاجئين لا بد من توفر الشروط التالية: منها وقف كامل العمليات العسكرية، وخروج المليشيات والقوى المحتلة دون استثناء من البلد، إطلاق سراح جميع المعتقلين، سحب السلاح من الجميع وضبط الأمن، وجود قضاء مستقل ونزيه، تغيير الدستور وإلغاء الحصانة لرجال الأمن والجيش والشرطة أمام القضاء وإلغاء محكمة الإرهاب. محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة. ضمان حقوق جميع مكونات الشعب في الدستور القادم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…