الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا وذكرى التاسيس الرابع والستين

غزالة خليل وضحي
تطل علينا في الرابع عشر من حزيران الذكرى الرابعة والستون لتأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني – الپارتي في سوريا، الذي كان أول تنظيم سياسي كوردي في سوريا وذلك في 14 حزيران عام 1957. استلهم الحزب اسمه من الحزب الديمقراطي الكوردستاني – إيران 1945 والحزب الديمقراطي الكوردستاني- العراق – 1946، حيث ظلَّ محتفظاً بهذا الاسم والنهج إلى الوقت الحاضر. كانت ولادته تلبية طبيعية لحاجة شعبنا الكوردي في سوريا إلى تنظيم سياسي يُعبّر عن طموحات الشعب الكوردي القومية والوطنية ويُمثّل إرادته في الحرية والانعتاق من الظلم والاضطهاد وتأكيد وجوده القومي الأصيل، مُستلهِماً نضاله من صدى الثورات والانتفاضات الكوردية في الأجزاء الأخرى من كوردستان، وخاصةً من الثورات الكوردية المتعاقبة التي اندلعت في كوردستان العراق بقيادة البارزاني الخالد.
 تأسس الحزب على مرحلتين: المرحلة الاولى تضمنت وضع اللبنة الأولى للحزب الوليد من قِبل كلٍ من الدكتور نورالدين زازا وعثمان صبري وحمزة نويران وعبد الحميد درويش والشيخ محمد عيسى. في المرحلة الثانية تمّ انضمام كل من رشيد حمو ومحمد علي خوجة وشوكت حنان ومحمد خليل الى الحزب. بهاتَين المرحلتين تمّ اكتمال تأسيس الحزب الذي ترأسه الدكتور نورالدين زازا وتبوأ عثمان صبري سكرتاريته في الحزب بعد إعلان تأسيسه. كان تأسيس الحزب حاجة مُلحّة لملء الفراغ في الساحة النضالية الكوردية في سوريا. بعد إعلان تأسيس الحزب، رحّبت جماهير غفيرة من الشعب الكوردي في سوريا بِولادة الحزب وانضمت الى صفوفه أعداد كبيرة من شرائح الشعب الكوردي من مثقفين وعمال وطلبة وفلاحين.
منذ تأسيس الپارتي انطلق  في نضاله من واقع وجود شعب كوردي في سوريا محروم من كافة حقوقه القومية المشروعة ويتعرض لسياسة الصهر القومي والتمييز العنصري كالحزام العربي وقانون الإحصاء الجائر وغيرها من الإجراءات الاستثنائية، لذلك ناضل  خلال مسيرته من أجل إزالة آثار تلك السياسة العنصرية وتمكين الشعب الكوردي من التمتع بحقوقه القومية المشروعة السياسية والثقافية والاجتماعية والمشاركة الفعالة في إدارة شؤون البلاد رغم الاعتقالات والسجون والاغتيالات والضغوط التي تعرض لها قادة ومناضلو الحزب من قِبل الحكومات السورية المختلفة التي تعاقبت على الحُكم.  
ناضل الحزب ولا يزال يناضل من أجل الحل الديمقراطي للمسألة الكوردية في سوريا الذي هو الحل الأمثل، حيث إن النظام الديمقراطي هو المؤهل والكفيل بحلها حلاً عادلاً في إطار وحدة البلاد وتقدمها وإزالة كافة أشكال التعصب القومي والديني والطائفي والعشائري واحترام الخصائص القومية لكافة الأقليات المتواجدة في البلاد والمساهمة في تطوير تلك الخصائص للإثراء الثقافي المتنوع في البلاد. كما نجح في رفع الشعور القومي والمستوى الثقافي واللغوي للشعب الكوردي وتصحيح تاريخه الذي تمّ إلغاؤه أو تشويهه وتحريفه وإحياء تراثه القومي وفولكلوره الشعبي، حيث يصدر الحزب الآن جريدة (كُوردستان) التي أصبحت منبراً سياسياً وثقافياً راقياً في الساحة الكوردستانية والسورية والتي تبنت اسمها من اسم أول جريدة كوردية، تمّ إصدارها في العاصمة المصرية، القاهرة. 
ناضل الحزب بلا هوادة من أجل أن تنال المرأة حقوقها وفسح لها المجال للمشاركة في إدارة الحزب وأشركها في مختلف هيئاته وفعالياته السياسية والاجتماعية والثقافية. إهتم الحزب أيضاً بالشباب وإناطتهم مسؤوليات مهمة في مختلف مفاصل الحزب وتجديد دمائه لمواصلة النضال من أجل خدمة شعبهم الكوردي. 
كما قام الحزب بنشاط بتوعية المجتمع الكوردي ونشر وتنشيط الثقافة فيه لبناء مجتمع مدني عبر نشر المفاهيم والقيم المدنية والديمقراطية وأولى أهمية خاصة بالمثقفين وبمختلف الشرائح الكوردية وقام بتأسيس مكاتب عديدة التي لها طابع أكاديمي. 
كوردياً سورياً، نجح الحزب في رص صفوف الكورد في سوريا من خلال تأسيس المجلس الوطني الكوردي في 27 تشرين الاول 2011 ليكون ممثلاً حقيقياً للشعب الكوردي لتحقيق طموحاته في سوريا، والذي يلعب فيه الحزب دوراً محورياً في هذا النضال من أجل تمتع الشعب الكوردي في سوريا بكافة حقوقه القومية، بالإضافة الى قيام الحزب بِتشكيل الاتحاد السياسي مع عدد من الأحزاب الكوردية في 15 كانون الأول 2012، لتكون مظلة موحدة لتوحيد الجهود لخدمة الشعب الكوردي. كذلك وطّد الحزب صلاته مع أطراف المعارضة الديمقراطية والوطنية السورية للنضال معاً للإطاحة بالنظام السوري العنصري وبناء دولة ديمقراطية، مبنية على أسس المواطنة وتوفير الحريات العامة والاعتراف بالحقوق القومية والإثنية والدينية لكافة المكونات السورية، بما فيها الاعتراف بكافة الحقوق المشروعة للشعب الكوردي في هذا البلد.
كوردستانياً، وطّد الحزب علاقاته مع مختلف الأحزاب الكوردية في إقليم كوردستان، وشمال وشرق كوردستان. كما  سار على نهج البارزاني الخالد في مسيرته الحزبية ونضاله وأقام علاقة عضوية مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق تحت قيادة السروك مسعود البارزاني. 
ثار الشعب السوري في ثورة شعبية عارمة في 15 آذار عام 2011، التي انطلقت شرارته الاولى من مدينة درعا، والتي امتدت الى معظم المحافظات السورية بعد عقود من الاضطهاد والقهر. الپارتي الذي هو القوة البارزة على الساحة الكوردية في سوريا، قاد الشعب الكوردي في هذه الثورة، حيث خرجت مظاهرات شعبية كبيرة في معظم المدن والبلدات الكوردية منذ الأيام الأولى لها، ورفض الحزب التحاور مع النظام بالرغم من محاولة النظام تحييده من خلال صدور مرسوم التجنيس في 7 ايار 2011. 
إقليمياً، تحرّك الحزب بكل نشاط لبناء علاقات متوازنة مع الدول الإقليمية لخدمة المصالح الكوردستانية العليا. دولياً، نشط الحزب في الاتصال بالدول الكبرى ذات النفوذ في العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لإيصال صوت الشعب الكوردي الى أصحاب القرار في هذه الدول وطرح القضية الكوردستانية على طاولة المفاوضات الجارية حول مستقبل سوريا ووضع دستور جديد لها والاعتراف بالشعب الكوردي كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية في سوريا وتأمين كافة حقوقه القومية في سوريا. 
هكذا يناضل الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ تأسيسه في عام 1957 في سبيل تحقيق أهداف الشعب الكوردي في سوريا في نيل حقوقه القومية المشروعة التي تقرّها القوانين الدولية وسيواصل نضاله للوصول الى هذه الأهداف ليعيش الشعب الكوردي حراً في بلاده، يتمتع بالأمان والسلام والمساواة والعدالة الاجتماعية والرفاهية بعد أن تعرض للقتل والسجن والتشرد والاستيلاء على أراضيه والحزام العربي العنصري والحرمان من حقوق المواطنة. عاش الپارتي في عيده الميمون والى المزيد من الإنجازات والنجاحات لتحقيق كافة الحقوق القومية الكوردية في سوريا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

المحامي عبدالرحمن محمد الشعب الكوردي، شأنه شأن شعوب العالم كافة، ليس استثناء من قاعدة التاريخ ولا من مبادئ القانون الدولي، وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير مصيرها. الدولة الكوردية ليست منة من أحد، بل هي حق سياسي وقانوني وحقوقي أصيل. ومن هنا، لا مكان للشعارات الكاذبة ولا للصفقات الاستسلامية التي تبرم على حساب حقوق الشعب الكوردي وتضحياته. أولا: التدخل…

كفاح محمود لم تسقط السماء على رؤوس العراقيين بعد الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، ولم تُعلن «الجمهورية الجديدة» التي بُشِّر بها كثيرون على منصات التواصل، بل جرت الانتخابات في موعدها تقريباً وبالأدوات ذاتها تقريباً؛ مال سياسي سخي، وبيع وشراء لبطاقات الناخبين، ونفوذ عشائري آخذ في التوسع داخل بنية النظام، وتوظيف واسع لإمكانات الدولة في خدمة كتل وأحزاب ومرشحين، مع…

خالد حسو السجن ليس غرفة معتمة. السجن ليس بابًا يقف عليه سجان أبله بمفتاح صدئ. السجن الحقيقي — ذلك الذي يبتلع الإنسان دون أن يترك أثرًا — هو الذي يسكن في الرأس، في الوعي، في الانحناءة الصغيرة التي تُمارسها كل يوم دون أن تلاحظها. السجن هو أن تتعود الخوف حتى يصبح جزءًا من مفاصلك. هو أن تتحول الطاعة إلى عادة….

ماهين شيخاني مقدمة في الثالث عشر من نوفمبر 2025، شهد العراق حدثًا سياسياً بارزاً تمثل في فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الانتخابات البرلمانية، محققاً نتائج غير مسبوقة تجاوزت حاجز المليون صوت. هذا الفوز لم يكن مجرد إنجاز انتخابي داخل إقليم كوردستان، بل حمل دلالات قومية عميقة، امتدت تأثيراتها إلى الكورد في سوريا، تركيا، وإيران، وأعادت تشكيل ملامح الخطاب السياسي الكوردي…