الكورد.. وسياسة مبدأ التوازن الدولي وفهمها

عزالدين ملا
نسمع بين الفينة والأخرى أصواتاً ترى أن الحوار الكوردي الكوردي هو الضمان والأمان، ولكن هل سأل هؤلاء، لماذا الحوار الكوردي الكوردي هو الأمان والضمان ليس فقط للكورد بل لجميع السوريين؟، ولماذا الدول الكبرى تلعب على هذا الحبل.
وحسب معطيات الأحداث ومجرياتها، يظهر أن التوازن يعد من الأمور المهمة والحيوية لمحافظة الدول الكبرى على نفوذها ومصالحها في أي منطقة في العالم. فالعلاقات الدولية تشهد تفاعلات المد والجذر، وعند هيمنة قوة معينة على شؤون التفاعلات الدولية كانت تتأثر لظروف معينة تؤدي إلى اختفاء تلك الهيمنة، لذلك رأت هذه القوى أن مبدأ التوازن هو السبيل الجيد والأنجع لإيجاد التكافؤ في طبيعة العلاقات فيما بينها، وهكذا بدأ جدال الصراع والتوازن.
عندما قامت ثورات الربيع العربي، أثرت هذه الثورات على شبكة العلاقات القوى الإقليمية والدولية، لذلك رأت هذه القوى في كيفية توظيفها لتحقيق أغراضها السياسية المتنوعة، وذلك بما تتمتع بها هذه المنطقة من قدرات وإمكانات سياسية واقتصادية وسكانية وجغرافية جعلتها محط أطماع وأنظار القوى الدولية.
الثورة السورية كانت جزءاً وامتداداً لثورات الربيع العربي، وبعد أن بدأت الأزمة السورية،  التي أرادت الدول الكبرى من خلالها فرض حالة التوازن السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي في سوريا مثلها مثل كافة الدول التي قامت فيها ثورات الربيع العربي وقبلها الدول التي عصفت عليها رياح التغيير والفوضى، من خلال خلق حالة توازن لكفي ميزان داخل سوريا في حال ثقل الوزن على جهة قاموا بالضغط من الجهة الأخرى ليفرضوا جواً من التوازن وذلك لتمرير الدول الكبرى نفوذها وسياساتها ومخططاتها الأمنية والاقتصادية والعسكرية، وهذا ما حصل ويحصل خلال السنوات العشر الماضية، لكن لم يكن حتى الآن بالمستوى المطلوب، لأن المعارضة التي حاولت الدول الكبرى فرضها لم تكن كما أرادتها لتمرير أجنداتهم وسياساتهم، وذلك بسبب أن هذه المعارضة المؤدلجة بالفكر الإسلامي الإخواني المتشدد والمتخاصم لجميع المشاريع التي تريدها إسرائيل وأمريكا تنفيذها وتمريرها، لم تكن هذه الدول راضية عن أدائها، مما جعلهم متمسكين بنظام الأسد والحفاظ عليه، ريثما يحصلوا على معارضة معتدلة تقابل ما تريده أمريكا وإسرائيل وتماشي روسيا والدول الإقليمية، لذلك استمرت الأزمة في سوريا كل هذه السنوات الطويلة دون أن يتمكنوا من إيجاد ما يتوددون إليه، ولم يبقَ أمامها سوى التّوجُّه نحو منطقة شرق الفرات والاعتماد على الكورد، ومن خلالهم لم شمل كافة المكونات الأخرى في تلك المنطقة لخلق معارضة معتدلة تكون موازياً ونداً لسلطة الأسد، ودعمها بكل ما يلزم لإعطائها قدراً من القوة لمجاراة النظام والضغط عليه، لذلك بدأت مبادرات دولية بعد أن أدركت الدول الكبرى حكمة ما كان يريده الرئيس مسعود البارزاني من خلال مبادراته السابقة في إتفاقية هولير 1 و2 ودهوك من لم شمل الكورد في سوريا ليكونوا القوة التي تتجمّع حولها كافة مكونات المنطقة الكوردية في سوريا لخلق حالة من الأمن والاستقرار، فتتالت المبادرات  الفرنسية والبريطانية.
 والآن المبادرة الأمريكية والتي مازالت مستمرة بعد أن خطت أشواطاً مهمة في تقريب الطرفين الكورديين المتحاورين. 
 كما تخلل ذلك ظهور جبهة وطنية معارضة تضم في طياتها أطياف ومكونات رئيسية في المجتمع السوري وخاصة في مناطق الجزيرة والفرات من كوردية وعربية وآشورية سريانية وتحت اسم جبهة السلام والحرية، ويكون جاهزاً أثناء الاتفاق الكوردي النهائي والتي حظيت بمباركة معظم الدول المتداخلة في الشأن السوري لِما لها من فكر معتدل يبعث الطمأنينة والاستقرار، والأهم من كل ذلك مركزها الرئيسي في الداخل السوري، ومنذ بداية تأسيسها كانت لها لقاءات مع مسؤولين أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وحتى أتراك وروس.
إذاً، وحسب مجريات الأحداث، فإن المنطقة الكوردية مقبلة على تأسيس إدارة جديدة لتصبح منطقة آمنة تضم في رحمها كافة مكوّنات المنطقة ضمن قوة مشتركة. فجميع الظروف تتجه نحو ذلك، والمفاوضات الكوردية لن تتوقف، وستستمر نحو تحقيق اتفاق نهائي لتكون أرضية في تشكيل قوة معارضة وطنية في الداخل يضم كافة الأطياف والمكونات، ومن خلال هذه المعارضة ستخلق القوى الكبرى توازنا في سوريا، وتكون هذه المنطقة نقطة انطلاق نحو حل شامل للوضع السوري.
   هنا يتطلب من الطرفين الكورديين استغلال ذلك لمصلحة الشعب الكوردي وشعوب المنطقة، فالظروف والأحداث لصالحهم، والدول الكبرى والإقليمية تعمل وفق استراتيجية مصالحية ونفذوية، وعلينا نحن الكورد ربط المصلحة الكوردية العليا مع المصالح الاستراتيجية الدولية، لأن كافة المعطيات لصالحهم، فقط بحاجة إلى فهم صحيح وموزون لرغبات وسياسات هذه الدول.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…