سعيد يوسف
خصّ الدكتور محمد مصطفى، دراستي المعنونة ب “قراءة نقدية في النسق المفاهيمي لمشروع الأمة الديمقراطية”. والتي نُشرت في الموقع الالكتروني “لصفحة. “Welatê me”.
بمقال نقديّ مطوّل، تحت عنوان “سعيد يوسف وفلسفة اوجلان”. تاريخ /٩/٥/٢٠٢١/.
ومن أبرز انتقاداته، رفضه القاطع لماركسية أوجلان، معلناً تحديه أن أقدم دليلاً على ذلك، والنقطة الأخرى تهكّمه.. كيف يكون اوجلان ماركسياً وقومياً في نفس الوقت..!.علاوة على ذلك احتوى ردّه على فقراتٍ ومعلومات متفرقة، فيما أطلق كلمات لاذعة، بنكهة العنف السياسي. ورشقات من الاتهامات لا تليق بلقب أكاديمي.
وها أنذا أقتبس نصوصاً من كتاب” سبعة أيام مع آبو”. أثينا، دار أخيل للنشر. ط١. ١٩٩٦. وهو المتوفر لديّ، وبالنسبة لي اعتبره تأليفاً مشتركاً بين نبيل الملحم الصحفي السوريّ المتمرّس، وعبدالله اوجلان. لأنه عبارة عن كتاب حواريّ، بين طرفين هما، سائل ومجيب.
وإليكم أجوبة اوجلان، على أسئلة نبيل الملحم :
* كيف يكون ماركسيّاً وقوميّاً :
أولاً- يقول اوجلان: ” في نهاية ال.( ١٩٧٥- وبداية ١٩٧٦). تمكّنا من اعداد المانيفستو، وهو الإطار الذي مازال سائداً حتى الآن في حزبنا… طرحنا وجهات نظر عديدة حول ظهور المجتمعات، المجتمع المشاعي البدائي، الاقطاعي، الرأسمالي، والمجتمع الاشتراكي.. وموقع المجتمع الكردي في تاريخ المجتمعات، وما هي الثورات التي يتطلبها، هذا المجتمع. وكانت رؤيتنا تقول أنه يتطلب ثورة قومية ديمقراطية، ضدّ الامبريالية، والأكثر ضدّ الكمالية التركية “. ص.( ٨١-٨٢).
– هذا النصّ يشير بوضوح تام إلى تبني حزب اوجلان الخطاطة الماركسية حول سير وتطوّر المجتمعات البشرية. في حين أنّ الرؤية الجديدة للتطور الاجتماعي مختلفة .(فلسفة الأمة الديمقراطية).
– يشير النصّ أيضاً، إلى أنّ المجتمع الكرديّ يحتاج ثورة قومية، والتي تعني ما تعنيه حق الكرد في تقرير المصير.
والماركسية، ليست ضدّ هذا الحقّ المشروع، الذي تكافح الشعوب المستعمرة من أجله لنيل حريتها واستقلالها. وبهذا يكون اوجلان ماركسيّاً وقومياً.
ثانياً- في فقرة أخرى يسأل نبيل الملحم :
س -.. ( آبو) الماركسي السابق، هل انتقل من الماركسي إلى اللاهوتي…
ج – آبو: في نضالي هنالك مكان للاشتراكية، ولكنني في الحقيقة أبعد من مجرّد ذلك…لست ماركسيّاً تقليديّاً… الخ
ص( ١٢٤). في هذه الفقرة نحن أمام موقفٍ لا يحتمل التأويل أو التفسير، نحن أمام تأكيدين : مرة من السائل الذي يقول لأوجلان أنت ماركسي، هنا إدانة صريحة، لأوجلان. ونبيل الملحم ليس مراهقاً، أو جاهلاً حتى يغامر بمثل هذه الادانة.
وفي المرة الثانية ومن المجيب ، تأكيد للإدانة أيضاً… لا نفيّ فيه، يجيب اوجلان وبشكل صريح أيضاً، نعم أنا ماركسيّ، ولكني ليست ماركسيّاً تقليديا. فهل بقي شكّ مما قاله أوجلان..؟
ثالثاً – وفي ردٍّ آخر، وعلى سؤال الملحم، حول الحرب والنضال يجيب اوجلان :
” كنت سأخوض النضالين القومي والطبقي معاً”. فما هو النضال القومي والطبقي ياسادة بالله عليكم..؟ هذه الشذرة تؤكد عمق العلاقة بين النضالين المذكورين، القومي. ( حق الكورد في تقرير مصيرهم). والطبقي الموجّه صوب تحرير العمال والفلاحين من الغبن والاستغلال والعبودية. وللذكرى كثيراً ما كنا نقرأ هذه العبارة في كتب الثقافة القومية السورية. لكن ما يهم، أن أوجلان كان قومياً، وطبقياً في نضاله السابق.
رابعاً- أكتفي بفقرة أخيرة، من أجوبة أوجلان، وفيها يتهم الحركات الكوردية بأنها “ليست قومية وليست ديمقراطية.. فهم عشائر واقطاع..” ويفهم من كلامه أنّ الوعي القومي لدى الحركات الكوردية، لم يكن بالمستوى المطلوب، ولم يتحول إلى وعيّ جماهيري عميق وعام وشامل.
اعتقد أن الشواهد التي قدمتها كافية، ولاتضعنا في خانة التهوّر والضلال، إن نحن قلنا أنّ أوجلان كان ماركسياً وقومياً،
وحتى بعد امرالي، وفي المجلد الثالث، وفي صفحات كثيرة، لا يستطيع أوجلان التحرر من ماركس، بدليل تكرار ذكره ونقده ومن خلال الاتكاء على أفكاره ومقولاته ونقدها. أن تنقد يعني أنك درست وقرأت ممن تنقد. بؤس الفلسفة ، وفلسفة البؤس. ماركس يرد على /برودون. اللاسلطوي.
تهافت التهافت. ابن رشد. يرد على الغزالي/ في تهافت الفلاسفة.
وأنت عبّرت بشكل سليم عندما ذكرت يا دكتور” أن أي فلسفة لا يمكن أن تتطوّر إلا بالتضاد مع فلسفة أخرى، وتستند على ما سبقتها من علوم” ألا ترى أنك هنا وقعت في التناقض، ونسفت رفضك، عن تأثر أوجلان بماركس، ومن حيث لا تدري.
* متفرّقات :
ثمة ثغرات أخرى، وكثيرة في ردّ الدكتور، منها الأخطاء اللغوية الكثيرة، الإملائية منها والنحوية، والتي لا تهمّني كثيراً، فربما يكون حديث العهد بالعربية. تلك الأخطاء يمكن التغاضي عنها إلى حدٍّ ما، ولكن كثرتها تفقد النص متانته وجماليته.
– نقطة أخرى وللدقة المعرفية، فإن الشعار المنسوب إلى عبد الناصر هو شعار حزب البعث، أمّا شعاره، فهو حرية اشتراكية وحدة.
– أمّا عن فلسفة التغيير، والتي خصصها الدكتور بفقرة طويلة، متكئاً على مقولة، هرقليطس الفيلسوف اليوناني : ” أنّ المرء لا يستطيع أن يستحم في مياه النهر مرتين”. كي يبرر لأوجلان ولآخرين غيره تغيير أهدافهم، فأقول إنّ التغيير في الاستراتيجيات مسألة نسبية، فبعضهم غيّر الأهداف، وآخرون استمروا ثابتين نحو أهدافهم، وربما ينال التغيير الجانب التكتيكي. أما بالنسبة لي، فأنا قومچي متخلف، وما زلت مؤمناً بحق الكورد في تقرير مصيرهم، لأنه حق مشروع ولا لبس فيه.
– أما مسألة، كون أوجلان تلميذ ماركس، فليس المقصد التصغير والإهانة، والتلمذة قد تفهم بمعانٍ كثيرة، منها التلمذة المباشرة، مثال افلاطون وارسطو، الأشعري و واصل بن عطاء. أو تلمذة غير مباشرة، كتلمذة ماركس على هيغل، أو تكون التلمذة من خلال الانتساب لمدرسة فكرية فلسفية، كانتساب أريك فروم لمدرسة التحليل النفسي. وقد يكون المقصد مجازياً.
– وكثيراً ما ينقلب التلاميذ على أساتذتهم كلياً أو جزئياً، وبهذا المعنى، فعندما أقول عن أوجلان أنه تلميذ ماركسي، إنما أعني بداية تثقّفه على فلسفة ماركس وتأثره به، أو الاستفادة منه، ومن غيره ممن استمروا على نهج ماركس، أو ممن خرجوا عليه بشكل أو بآخر.
– الفقرة الطويلة عن ماركس واوجلان، كلها منقولة عن مجلْد أوجلان الرابع، ودون الربط بينها. مقصدي أن الدكتور اتّهم دراستي، بأنّ ثلثيها هي نصوص أوجلان وانحصر دوري في الربط بين الفقرات المقتبسة. فوقع هو ضحية اتهام غير مقنع . حيث لم يكلف نفسه حتى عناء الربط بين شواهده، وهي على كل حال لا تنتمي الى فترة ما قبل امرالي، لذا لا أهمية لها.
– الفقرتان الطويلتان أيضاً عن نيتشه وباكونين، لم أجد أي مبرر لحشرهما في الرد، إلا إذا كان مقصد الدكتور أن مصدر فلسفة أوجلان الجديدة، تعود إلى باكونين ونيتشه، أو اندريه برايتون،، أو برودون، أو هرقليطس.
علماً أن أحداً لا يسلم من انتقادات أوجلان، أياً كان موقعه بما فيه نيتشه وفوكوه .
– أشاد الدكتور كثيراً بسجون تركيا ومواصفاتها المطابقة للمعايير الاوروبية، وامتدح ديمقراطية تركيا التي فتحت المجال، لحصول حزب الشعوب على ثمانين مقعداً برلمانياً، وغاب عنه سجن زعيم الحزب المذكور ل /١٤٠/سنة. و مثله اوصمان بايديمر، وليلى زانا التي سجنت /١٣/سنة لمجرّد أدائها القسم الدستوري بلغتها الأم… ومؤخرا سجن الأسيرة الكوردية ( چيچك كوباني). بالمؤبد، ودون سند قانوني بحسب الحقوقيين، فلا أدري عن أي ديمقراطية تتحدّث يا دكتور. أردوغان المسؤول عن كل الجرائم البشعة المرتكبة في عفرين وسرى كانييه. ليس إلا دكتاتورا فاشيا وداعما للإرهاب.
– وصف الدكتور دراستي بأنها لامست القشور، لذا نتوجه إليه بتقديم دراسة تغوص نحو الجوهر والمضمون.
* بقي أن اختتم ردّي بمقولة اسبينوزا، الفيلسوف اليهودي الهولندي الشهير :
” إنّ ما يقوله بولس عن بطرس، يخبرنا عن بولس أكثر مما يخبرنا عن بطرس”.