د. محمود عباس
عرت الحوارات التي جرت بين أحزاب المجلس الوطني الكوردي، وأحزاب الوحدة الوطنية الكوردية، إحدى أضحل الجدليات الساذجة في سوق السياسة الكوردية، وبينت عن مدى جهالتنا وعلى مدى العقود الطويلة الماضية، وحنكة الأحزاب في خدعنا والشارع الكوردي.
نحن الذين طالبنا بتوحيد الأحزاب، المنشقة عن بعضها على خلفيات متنوعة لسنا بصددها، مثلما تكالبنا خلال السنة الماضية على دفع الطرفين لتشكيل لجان أو الأفظع مرجعية كوردية! علما أن معظمنا على دراية بأسباب الانشقاقات المتتالية، مثلما نعلم خلفيات الخلافات بين الطرفين المتفاوضين، والتي لم تكن للبعد الفكري أو المواقف السياسية أي دور فيها، على عكس ما حاول البعض ترويجها وتسخير مفاهيم مستقاة على علاتها، للتغطية على منابع ومحركي الانشقاقات.
نعم لم نكن ندرك أن العوامل التي أدت إلى تشتتها هي ذاتها المهيمنة والتي كانت تدفعها للتحاور، مثلما يجري الأن خلف الكواليس، غايتها توسيع الشرخ وخلق خلافات حديثة تتلاءم والظروف، وليست كما نأمل ونظن أنها من أجل تشكيل قوة كوردستانية تكون على سوية الحوار مع القوى الخارجية وقادرة على حمل القضية القومية، وتبين الأن كما في الماضي أن الهدف هو إضعاف الأطراف التي كانت تنمو بشكل سليم، واليوم هي للطعن في المكتسبات التي حصل عليها الكورد، وبالتالي إعادتنا إلى مربع الأنظمة الشمولية، وللإنصاف في معظم الحالات صاحب القوة هو الأكثر ذنبا في فشل الحوارات ويتحمل مسؤولية أنجاح مسيرة التوافق أو عدمه. علما أن العملية بكليتها تنقصها البعد الوطني، وهيمنت عليها أهداف أكثر أهمية ومنها امتصاص أمتعاض الشارع الكوردي.
والأغرب أن معظم من كتبوا عن إشكاليات توحيد الأحزاب إما:
1- تناسوا الحقائق وركضوا خلف الثانويات، بينهم من نشر مذكراته مع تغييب الشفافية عن العديد من الزوايا المهمة في تاريخ الحراك الكوردي، ولهذا كانت بعض الردود النقدية لتلك المذكرات قاسية، وعلى الأغلب الصفحات المحرفة أو الناقصة في تلك المذكرات ناتجة من عدم الجرأة على قول الصراحة ومواجهة المجتمع.
2- أو جاؤوا على ذكرها من وجهة نظر أحادية الجانب، وهو ما يجري الآن على الساحة الإعلامية بين شخصيات حزبية اعتبارية لها مكانتها وتاريخها النضالي الوطني، كل طرف يأتي بأسباب وعلل لتبرير الذات من المساهمة في التمزيق أو عدم نجاح مسيرة التوحيد، بل بلغ ببعضهم إلى درجة التشهير بالأخر، كالتعامل مع أجهزة النظام، وهذا ليس بسر، بل هي معروفة ضمن الحراك الحزبي الكوردي، وكانت هناك تبريرات لهذه الإشكالية في ظل النظام الشمولي الإجرامي، علما أنه ليس لأي طرف ذنب كبير؛ لا في الفشل؛ ولا في تقبل الإملاءات الخارجية، لأن جدلية التوحيد غير قابلة للتحقيق، في ظل الإمكانيات الثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية الضحلة والتي هي دون القدرة على تغيير الواقع المفروض خارجيا، كما ولا ننسى سويات التراكم المعرفي البسيط غير القادر على تجاوز مسببات التشتت، وهذه خاصيات تراكمت مع الزمن والظروف، ليس فقط في الواقع الكوردي بل لدى معظم حركات التحرر العالمية، قد يأتي البعض بمثال تكوين الديمقراطي الكوردستاني، حينها عليهم متابعة نشاطاتها بعد الوحدة وقبلها، إلى جانب ما كانت عليه الأحزاب التي انضمت إلى الديمقراطي وليست توحدت معها، فقد كانت ثلاثة أحزاب عرضية أو منهارة، امتصتهم الديمقراطي ودرجت العملية تحت تسمية الوحدة.
3- والذين تناولوها بشكل منطقي كانوا قلة وكتاباتهم لم تأخذ مداها لسببين: إما لأنها كانت أعلى من سوية الإدراك العام، أو أن القوى التي لها مصلحة في تشتيت الحراك، عتمت عليها وبالتالي حصرتها ضمن شريحة ضيقة من المجتمع، وبالتالي لم تأخذ المطالب والنداءات الوطنية مداها، وظلت تأثيراتها على وعي المجتمع ضعيفا، فلم تحد من الشرور التي خلفتها الأحزاب الهزيلة بتشتتها؛ بشكل غير مباشر.
تطرقنا مثل العديد من الأخوة الكتاب، إلى هذه القضية مرات عدة، لكننا مثلهم لم نتمكن من تغيير الواقع، وأخر محاولة لنا كانت بشكل مختصر في بوست على الفيس بوك، تناولها الكاتب (عباس عباس) بتوضيحات مهمة من خلال مقال مثير، عرضه بأسلوب ليس من السهل تجاوزه، خاصة بعدما نقل الفكرة من العرض إلى السؤال للشريحة الثقافية، وهو ما كنا بصدده.
كما وتطرق إلى ما قدمناه في الماضي القريب، ومحاولة ترميم المكسور في الحراك الكوردي لغرب كوردستان، في مؤتمر بروكسل عام 2006م والتي ختمت يومها الأخير ضمن البرلمان الأوروبي، والتي جاء على ذكره الكاتب عباس عباس كمثال في مقاله، ونضيف أنه سبق المؤتمر الختامي؛ مؤتمرين تحضيريين عقدتا تحت سقف الكونغرس الأمريكي، شارك في المؤتمرات الثلاث إلى جانب الأحزاب، شخصيات من السياسيين المستقلين وشريحة من الحركة الثقافية، وذلك بقيادة الأخ شيركو عباس ومساهمة أخرين من آل عباس وسياسيين لهم ثقلهم ومكانتهم ضمن الحراك الكوردي.
تشكل حينها المجلس الوطني الكوردستاني-سوريا، وأنتخب شيركو عباس رئيسا للمجلس، أي قبل تشكيل المجلس الوطني الكوردي بسبع سنوات، مع ذلك مطالبنا ومقترحاتنا لم يتمكن المجلس الكوردي من عرضه على المعارضة ولا على الشارع الكوردي حتى اللحظة، تحت حجة الواقعية في عرض القضية.
شارك في تلك المؤتمرات جميع الأحزاب الكوردية في غرب كوردستان وممثلي الأقسام الأربعة ووفود دولية، باستثناء الحزب الديمقراطي وعلى خلفية أوامر خارجية إلى جانب مسألة شخصية فضلوها على القضية الوطنية، عوضوا عن غيابهم ببرقية تهنئة وتأييد، وتم كتابة النظام الداخلي والبيان الختامي، مع ذلك تراجع الجميع عن تشكيل الوحدة، أو المجلس الجامع لكل اطراف الحراك بشقيه السياسي والثقافي، وذلك بسبب نفس الخلفيات التي نوهنا إليها سابقا.
ونحن أيضا بدورنا لم نكن ندرك أننا مقدمين على مسيرة عمل شبه مستحيلة، توحيد الأحزاب الكوردية تحت سقف واحد! وتجميع مواقفهم وموافقتهم على مطلب الفيدرالية، في ظل الظروف والواقع الذاتي والعام للحراك وقياداته، والواقع الثقافي للمجتمع، وغيره من العوامل المذكورة سابقاً. عمليا فشلت محاولة الترميم، لكننا من الجهة الأخرى نجحنا لوحدنا في مجالات عدة، منها:
1- خلقنا دبلوماسية كوردية على مستويات دولية، وبلغنا مراكز القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى.
2- كما وتمكنا من أقناع الإدارات المعنية في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية بمبدأ الفيدرالية والسلطة اللامركزية ودرست على السوية الإستراتيجية بالنسبة لسوريا والمنطقة الكوردية.
3- تمكنا وبعد أعوام الثورة السورية من أقناع أمريكا في تسريع التدخل، إلى جانب قضايا أخرى ذات أهمية وطنية ودولية لسنا بصددها الأن.
رغم ذلك أصبحنا على دراية أن المنطق يتحتم علينا ألا نبحث عن الأوهام ومن بينها توحيد الأحزاب المنشقة عن بعضها، أو تشكيل مرجعية كوردية شاملة، بل علينا ترك الأبواب مفتوحة ليسود الأنجح أو الأكثر حنكة.
كما ولم ننتبه إلى جانب مهم جدا، وهي أننا تناسينا تاريخنا، وأقدمنا على المحاولة، ولم نذكر بعضنا أن أمثالها تكررت وتتالت، وبنفس الأخطاء، المؤدي إلى فشل محاولات التوحيد، أو تفتيت المشتت، وما نراه اليوم، من عدة مجالس كوردية، ومرجعيات، وأحزاب لا حصر لها هي نتيجتها.
والمؤسف أننا كحركة ثقافية نادرا ما درسنا وعالجنا الموجات الثقافية العربية -الإسلامية التي سادت مجتمعنا خلال القرون الطويلة الماضية ونافست ثقافة أمتنا، بشكل منطقي دون تعصب أو رهبة من الدين السائد، كسابقة لمحاولات التوحيد. كما ولم نعالج تأثير القوى التي كانت لا تزال مهيمنة على حراكنا السياسي، علما أن دراسات عدة تخطت السطحية في التحليل. والأغرب أننا تناسينا الظروف التي عشناها تحت ظل الأنظمة المحتلة والتي رسخت منطق السيادة والموالي كمبدأ إسلامي وقومي، ونشرتها كفروض إلهية وبفتاوي ترفض الدحض. وفيما بعد تبين لنا ان هذه العوامل هي ما كانت تفرض ذاتها على الأحزاب لتقبل التشتت على الإتحاد، وهي ذاتها التي تمنع الطرفين من التقارب والاتفاق على بعض نقاط التقاطع. وهي ذاتها ما دفع بنا كشعب وحراك، وعلى مدى العقود الطويلة الماضية النضال تحت منطق المظلومية، كالعبد الذي يطالب بتحريره من سيده، وليس على مبدأ صاحب الحق ويجب محاكمة المجرم.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
15/5/2021م