«الديجيتالي» في خريطة طريقه: إشارات مرور غير اضطرارية

إبراهيم اليوسف

وإذا كان الإعلام، في لحظته ما بعد الحداثية، قد أسقط سطوة ومركزية الإعلام الرسمي، ليكون هناك إعلام: المغلوبين على أمورهم، أفراداً وشعوباً، وفي موقع الطليعة في المنطقة بل العالم: الكرد، أحد أكبر الأمم المظلومة عبر التاريخ. أمة مسلوبة وفق مؤامرات مخطط لها معروفة، من قبل القريب قبل الغريب، الصديق قبل الأجنبي، لاسيما من قبل من ساهم، بل صنع الكرد تاريخهم، في لحظات زمنية ما، فإنه – أمام كل هذا- فقد جاء هذا الإعلام الذي حقق للفرد أعظم منبر عبرالتاريخ ليكون له صوته، وحضوره، وليكون لكل مواطن كوني: وزارة إعلام كاملة، بل وأكثر إلى حد اللانهاية، إن شاء، بعد أن تم التعتيم على وجوده، والتكتيم بحق صوته، إلا إذا كان هذا الصوت بإحدى نبرات لغات سواه، لالغته المرهونة للزوال، والآيلة للاحتضار، والمقدمة إلى مساحة النطع، برغم جبروته، وجلده، وصموده في مواجهة عوامل الحتِّ والمحو، بما يقدمه لموقع صناعة المعجزة، فيما إذا تناولت دراسات منصفة معمقة واقع ديمومته، ونهوضه من تحت الرماد، بعد كل عملية إحراق تتم ضده: مكاناً وكائناً!
الإعلام جد مهم، لشعوب وأمم العالم عامة، وهو يبدو أكثرأهمية لتلك الشعوب والأمم التي تعاني من وطأة الاحتلال والتقسيم، بل محاولات محو الهوية والتذويب، والاقتلاع من الوجود، من قبل العقل السفاح، من لدن بعض شركائهم، ولهذا فإن الكرد لهم في أمس الحاجة إلى منابر إعلامية، ليكون الإعلام دعامة للهوية، وجبهة في الخط الأول للدفاع عن قضايانا، باعتبارنا الأحوج إليه. فمنه-أي الإعلام- مايساهم في مرافقة تأسيس نواة الوطن، وفيه صدى وانعكاس ملامح الهوية، و معقل الرجاء للحض على استعادة  صفحات التاريخ التي أحرقت، وأجهز على مدونتها، ودواتها وأدواتها، ودوراتها- وذلك بالتعاون مع سواه من مجامع التدوين- ما جعل الكردي يتنطع لكتابة تاريخ سواه مأخوذاً بصدق تفاعله مع – العقد الجامع- مع الملل والنحل التي انضوت ضمن إطار هذه الرابطة الجامعة، ليخذله كل شركائه، وينشغلوا بالعودة إلى هوياتهم: سواء أكانت واقعية أم مصطنعة مزورة، ولتكون خريطته ضحية خرائط هؤلاء، وليواجهه بعض غلاة عنصريي تلك الأمم بمدوناتهم الطارئة، المستحدثة، من دون اكتراث بمدونته، وإرثه، وحضوره التاريخي!
لكل هذا، فإن أي إعلامي كردي، من اللزام عليه أن يترفع عن دعم الحدود التي ترسم بين الكرد أنفسهم، ومن دون أن يستغرق في أية تمحورات طارئة، لا أن يذكيها، ويكون مصدر فتنة، وإن كان هذا لا يعفيه من الوقوف في وجه أية أخطاء تتم، شريطة أن يكون منصفاً، غيرمتخندق، ولايمكن لهذا أن يتحقق من دون اتفاق الإعلاميين – كما الكتاب- على كلمة سواء، تاركين مسافة أمان بينهم والسياسي، وهذا جد صعب، في واقع يمنح فيه السياسي أجر عمل كل من حوله، شريطة أن ينفذوا رؤاه،  وهذا – تحديداً- ما صنع هذه الهوَّات بين إعلاميينا.
وإذا كنت أتحدث – الآن- عن الإعلامي مكتمل الأدوات والقدرات، وهو إما من كان إعلاميا قبل العام 2011، أو من تخرج نتيجة ظروف وحالة الحرب- على بلادنا، وبات له حضوره، إذ إننا بتنا نجد آلاف الإعلاميين، ومنهم المئات، الذين أثبتوا حضورهم، وقدموا ما لم نتمكن من تقديمه، نتيجة تخلصهم من الكثير من – الخطوط الحمراء- التي كانت تواجهنا، ولطالما كنا نتحايل عليها هنا، أو نخترقها هناك، غير آبهين، لندفع ثمن ذلك، من خلال تهميشنا، وغير ذلك، من دون أن أتناسى أن هؤلاء الإعلاميين الجدد هم أيضاً أمام تحديات مستحدثة. أمام سياستي: الجذب والنَّبذ، وثمة خطوط حمراء لطالما وجدناها في السنوات الماضية، بل ثمة ما لاحظناه أثناء أزمة – حي الطي- حيث سمح لبعض المقربين بالتغطيات الإعلامية وتم تهميش أو منع آخرين، لاعتبارات معروفة!
لست في إطار الاستغراق -هنا- وإن كانت الإشارة جد ضرورية، ولابد من تسليط الضوء عليها، إلا أن هناك من يرتدي- قميص الإعلامي- ويتزيا بزيه، في ظل اللحظة الفارقة. لحظة الانفلات. لحظة ولادة أعظم إعلام كوني، وإلى جانبه مسخ قزم، طحلبي، متطفل، سرطاني” ونحن هنا في مواجهة تسمية الشذاذ تخصيصاً لا تعميماً لأنه ما أكثر بواسل وشجعان الإعلام الافتراضي” يفتك بالجسد العام من خلال إشعال أوَّار الفتنة، والزجّ بالكرد في محرقة – التهالك- الذاتي، بما يريح العدو الذي يجد وكلاء يعملون عنه، يفتكون بالجسد الكردي، يضرمون فيه ألهبة النار، منشغلين عن المهمات الكبرى في ظل: احتلال مكانهم من قبل تركيا-حالياً، وانتهاك فصائلها بحق أهلنا هناك، والاعتداء على بعض الحرات، واغتصابهن وخطفهن، كما جاء في أكثر من تقرير للمنظمات الحقوقية المختصة “منظمة عفرين” مثلاً، ناهيك عن تفاصيل: الاحتلال. تفاصيل المؤامرات من قبل الدول المحتلة: جمعاً ومفرداً. كل منها على حدة!
الحلقة المقبلة:
إعلام مابعد حداثي
وافتراءات عصر مستحاثي
يتبع!

ملحوظة:

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…