نتائج مواقف المعارضة السورية العربية

د. محمود عباس

ماذا تحتاج المعارضة السورية لتكون وطنية، وتتحرر من الترسبات العنصرية التي غرزتها الأنظمة السابقة في المجتمع السوري؟ 
 متى ستدرك أنه بدون المصداقية تتجه وتجر معها البقية الباقية من المجتمع السوري نحو الكارثة، بشكل مشابه لما فعلته سلطة بشار الأسد؟ 
 ماذا تحتاج لتنتبه أنها لو استمرت في علاقاتها مع الدول الإقليمية بالمنحى الموجود، ولم تضع حدا لعداوتها للحراك الكوردي، ستزيد ليس فقط الشرخ بين الشعبين الكوردي والعربي، بل ستدفعهما إلى كارثة لا يعرف عقباها، قد تكون مشابهة لما فعلته سلطة بشار الأسد بالمجتمع السوري. وربما على نفس السياق الذي أدى إلى سعير الحرب الأهلية؟ 
ماذا تحتاج لتقف مع الكورد في الصراعات الجارية لوضع حدا لاحتمالات تقسيم سوريا، ويجابها معا أدوات السلطة والمرتزقة الإيرانيين؛ على سبيل المثال ما يسمون بقوات الدفاع الوطني على أطراف قامشلو؟ المدينة التي أصبحت تثار فيها الفتن، بين فينة وأخرى، وزوابع عنصرية كارثية كالتي تجري في هذه الأيام؟
   متى ستقتنع على أن الإيرانيين المتواجدين في المنطقة الكوردية، لم تعد تشاور السلطة في إدارة أدواتها، جلهم أيتام البعث من أبناء القبائل العربية؟ مثلما تركيا تدعم منظمات دون أخرى ليس حبا بهم بل لتثبيت مسيرة احتلالها لأجزاء من جغرافية سوريا.
  إيران وعلى خلفية المشاكل الجارية في قامشلو، مع الصمت التركي والتي تعكس الرضى، بدأت تجمع إلى جانب ما تم ذكره، شخصيات مغمورة ومنبوذة من تلك القبائل، وتدفع بهم لإصدار بيانات ضد القوى الكوردية. لا شك ندرك أن أغلبية رؤساء القبائل ترفض نبرة العداء التي تنشر، وجلهم براء من تلك الوجوه. لأنهم يدركون أن قادة هذا الفصيل أصبحوا مرتزقة بامتياز، تدفع لهم إيران وتزج بهم في الأعمال التخريبية بعدما تمدهم بالأسلحة. ومن بين مهماتهم الإخلال بالأمن والأمان في المنطقة.
  وهنا فإن صمت المعارضة المريب حتى اللحظة حيال ما يجري في قامشلو، تعكس التأييد غير المباشر لأدوات النظام والإيرانيين، فقط لأنهم يعادون الكورد، وهو ما تتلاءم وتركيا الداعمة لهم والتي من مصلحتها أن تتوسع الخلافات بين أبناء المنطقة الكوردية. وهنا المفارقة الغريبة أكثر من واضحة ما بين الوطنية الصادقة والنفاق باسمها.
  وكدراية مسبقة لما قد ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، نهيم بالنخبة من المعارضة السورية العربية دراسة ذاتها، لتتمكن من معالجة الترسبات العالقة في ثقافتها من الماضي المأزوم، وتدرك أنها لا تزال أسيرة مفاهيم الأنظمة الشمولية، والتي تقيدها، وتبقيها تائهة، ومترددة أو عديمة الجرأة في أخذ موقف وطني من مجريات الأحداث في المنطقة، وتصحح من الأحكام التي تملى عليها حول القضية الكوردية.
 وإلا فما الذي يعرقلها لإصدار القرارات الصائبة، والتي كثيرا ما أصبحت مقتنعة بها، ولماذا لا تزال تتلكأ ما بين انعداميه التفكير المنهجي والادعاءات، وتتخبط ما بين الإلهام حول ما ستأتي به دولة المواطنة وبين المخطط السليم المنطقي الذي يجب أن تكون عليه سوريا القادمة؟
  لماذا تحجب الشريحة المتنفذة من قياداتها الحقائق عن الشعب، على أن الحراك الكوردي بنشاطاته ومقترحاته هم منقذو سوريا من التقسيم الحتمي؛ وأن التوطين الإيراني، كالاحتلال التركي، وكلاهما مشابه لما كانت عليه لواء اسكندرونه، وما آلت إليها قبرص؟
  متى ستقتنع على أنه لا بد من حوارات جادة مع الكورد مبنية على الاعتراف المسبق بحقوقهم كشعب يعيش على أرضه التاريخية، والتنديد بالتغيرات الديمغرافية الكارثية التي جرت للمنطقة خلال القرن الماضي.
  تذبذب أغلبية الحراك الوطني العربي في مواقفه، والبحث عن بديل يحل مكان طرح الحراك الكوردي، دلالة على أن ترسبات ثقافة الأنظمة الشمولية لا تزال مهيمنة، وهو ما يؤدي إلى خلل واضح ما بين الحدس والمعرفة، وأن الصور النمطية المشوهة عن الكورد لا تزال مسيطرة على ذهنية المثقف السوري وسياسييها عامة، بينهم شريحة غير قليلة من المعارضة الوطنية، إلى درجة أن قدرة التحرر من الأحكام المسبقة ضعيفة، وحتى الذين انتبهوا للمسألة وأصبحت لديهم رؤية واضحة؛ تنقصهم الجرأة، إما رهبة من المجتمع العربي الذي لا يزال أغلبه محتل فكريا، أو لا يريدون التنازل عن منطق الاستعلاء الذي حصلوا عليه خلال القرون الماضية، ورسختها الأنظمة العروبية الشمولية.
في الواقع صعوبة تقبل أن الحكمة هي ما يعرضه الكورد، تكمن في كثيره من رهبة التنازل عن منطق السيادة والموالي، مثلما رهبة الانتقال من السيطرة الشمولية إلى حيث المنطق والتعامل الوطني، تؤثر على سويات انتقاداتهم لطرح الحراك الكوردي، إلى درجة أصبحنا نسمع تحذيرات من بعض النخبة للمحاورين الكورد، بعدم السقوط في المستنقع الذي عاشوه طوال العقود الماضية، وانجرارهم وراء مفاهيم الأنظمة الشمولية، من التعصب القومي، إلى التحكم في الجغرافيات، ومنهجية الاستعلاء، وغيرها من الأوبئة التي سادت العالم العربي، لكن لا نرى مقابل هذا التحذير أو الوصايا خطوات عملية للتحرر من الثقافة والمفاهيم التي يطالبون الكورد بعدم الانجرار إليها، فهم وحتى اللحظة يقدمون الحلول للقضية الكوردية والأمازيغية، من منطقهم وبالأساليب التي تتلاءم ومنهجيتهم، من تكوين الدولة القادمة، إلى مفهوم الوطن، في الوقت الذي يتوجب عليهم الاستماع إلى ما يريده الكورد، كيف يرون الوطن القادم الذي يجب أن يكون عليه، الوطن الذي سيجمع الكل تحت سقفه دون أن يشعروا أنهم يخسرون حريتهم. 
   متى ستتحرر من الشكوك الداخلية، وستقتنع الحركة العربية المعارضة، الثقافية والسياسية، أن رفضهم للنظام اللا مركزي والدولة الفيدرالية هي نتيجة الاعتلال الذي لا يزال يسيطر على مفاهيمهم، والذي يدفع بأغلبيتهم، بالبحث عن بديل يلائمهم، وأنهم خرجوا بمفهوم دولة المواطنة بديلهم لسوريا القادمة، لم عن قناعة على أنها الأفضل، وأنها ستشرع الديمقراطية بين المجتمع السوري المنعدم الثقة بينهم، وستدرك أن الطرح طوباوي، لا يختلف عن طوباوية جمهورية أفلاطون، وأن المفهوم ظهر ليس لأن الفيدرالية كما يروجون بداية التقسيم، وهي الأكثر ملائمة لقادم الشعوب السورية، بل لأن النظام اللا مركزي يضع نهاية لذهنية الاستعلاء المترسخة فيهم على مدى القرون الطويلة الماضية أصبحت كصور نمطية ثابتة، ولا يريدون لها بديلا.
  وللتغطية على التردد في قبول الحقيقة، وعدم الجرأة في أخذ الموقف الوطني، يقدمون التبريرات والحجج والتأويلات حول ملائمة دولة المواطنة لواقع شعوبنا والجغرافيات التي لعبت السلطات الشمولية بديمغرافيتها، وخلقت الكوارث من ورائها. متناسين أن الفيدرالية أعلى مراحل الدول الديمقراطية، وأن 70% من دول العالم وأكبر 10 دول تطبق النظام الفيدرالي اللامركزي. 
 نتائج الاستمرارية على المنهجية التي أدت بهم إلى السقوط في مستنقع السلطة، وحيث الحرب الأهلية التي أفتعلها النظام لأنقاد ذاته من السقوط الحتمي، قد تؤدي بهم إلى كارثة مماثلة، وهذه المرة ستكون على حساب جغرافية سوريا، حيث التقسيم، ما بينها وبين أركان النظام، والاحتلال التركي، والتوطين الإيراني. 
 وبالتالي يظل الحراك الكوردي قادة التوجه الوطني، فهم كانوا حملتها منذ الستينات والسبعينات يوم كان المد القومي العربي العنصري في أوجه، واليوم عندما يتم تقديم النظام الفيدرالي لسوريا عامة وللمنطقة الكوردستانية، تعني الرؤية الأوضح لما هو قادم عليه سوريا، وليس كما يحللها بعض الإخوة من الكتاب العرب على أنها الأيديولوجية المشابهة التي أوقعت الأنظمة الشمولية الشعب العربي فيه، بل هذه لإنقاد الشعب العربي قبل الكوردي من كوارث الأيديولوجية العنصرية. 
الولايات المتحدة الأمريكية
24/4/2021م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…