إبراهيم اليوسف
1-
“أي فيروس فتك بك، إذاً؟ أهو فيروس الغربة؟ أم فيروس الخوف على مصير أهل ومدينة على مفترق الحرب والسلم؟”
2-
لم أكن أعلم، أن ذلك اللقاء بيني ود. عبدالوهاب حاجي سيكون الأخير، عندما زارنا في ألمانيا، ورفيقة دربه د. هداية ديركي سيكون الأخير. التقينا مرتين. إحداها في بيت كرم يوسف، في إيسن كان هو ورفيقة دربه، لننطلق معاً إلى بوخم بعد ذلك، يزور بيت صديقه: صديق شرنخي، وأدعه هناك، قاصداً لحضور إحدى الندوات، ثم أعود إليه عصراً، بعد أن أنهي عملي ونمضي به إلى بيت ابنته. أودعه، على أمل أن يأتي في العام المقبل،
إلا أن جائحة كورونا منعته من أن ينفذ موعده السنوي، ويبقى بيننا ذلك التواصل الذي كانت أرومته في قامشلي. في اللقاءات والندوات والزيارات الخاصة لعيادته وهويدعوني لشرب الشاي بحضور جاره الراحل وصديقنا المشترك د. طه ملا محمود، وأحياناً، في محل الورد الذي كان يديره عبدالباقي حسيني في السبع بحرات، وهوركان مكتبنا جميعاً. وهو ود. طه والشهيد مشعل وعدد من الأصدقاء الذين نلتقي على موعد، أو من دون ذلك!
في اللقاء الأخيرالمطول الذي تم في منزل كرم، وألححت عليه أن يخصص يوماً آخرليكون ضيفي فاعتذر بسبب كثرة مواعده والتزاماته واعداً أن يحل ضيفاً علي هذه المرة، وكان ذلك في رأس قائمة جدول مواعد انتظارنا أنا وأم العيال. تقول لي:
هذه المرة لن ندعو الدكتورة والدكتور من دون أن نستضيفهما
وأنتظر.أجل. في هذا اللقاء تحدثنا طويلاً عن قضايا كثيرة: السياسة التي كانت رؤانا تختلف. الثقافة. الغربة. المستقبل، ويمضي بنا الحديث عن “قامشلو” التي تستغرق الكثير من الحديث: أنعود إليها يوماً ما؟ يقول، وأردُّ عليه: كل خططنا مؤجلة إلى أن تعود مدينتنا هذه إلينا، ونعود إليها، لاسيما بعد أن غدا كل منا في- سن التقاعد- الذي يمنح المرء المجال للعمل أكثر.
عرفت د. عبدالوهاب مثقفاً شاملاً يعمل بصمت. يكتب بلغته الأم، وباسم مستعار، إلى وقت ما، ثم يوقع بعض ما يتركه من أثر بتوقيعه الرسمي، أو الاسمي. في اللقاء الأخير الذي تم بيننا، تحدث عن الكثير من ذكرياته. تاريخه الحزبي. بعض رفاقه. إشاداته ببعض منهم، يأسه من الحركة الكردية – التقليدية- تعويله على تجربة- روج آفايي كردستان- مع نقده أو تقبله لنقد جوانب من عمل أولي الأمر، ومن دون نسيان الدور التاريخي للحركة الكردية ودعوته إلى وحدة الصف الكردي، فلقد كان واحداً من قلة قليلة من الذين صادقتهم وكانت لهم مواقف خاصة، هنا أو هناك، متقبلين ما أقول، مركزين على نقاط الالتقاء، وكان من بين كل ذلك حديثه عن شخصية كرد سوريا. لقد كنت أتلمس مدى الحرص الكبير من لدنه وهو يناقشني، متقبلاً آرائي، وأنا أحتد في النقاش، لأراجع نفسي قائلاً:
أنت أمام أنموذج خاص من الأصدقاء المختلفين الذين يحترمون الاختلاف!
اكتب مذكراتك. أرجوك أقول له:
وهو ما أقوله لكل من ألتقيهم من ذوي الماضي والنضال
سأفعل
كتبت رؤوس أقلام وسأواصل الكتابة!؟
عندما لجأت إلى الإمارات أواخر العام 2008، فقد كان من عداد الأصدقاء الذين تواصلوا معي، وخططنا للكثير، بل إنني وهو وآخرين عقدنا الكثير من اللقاءات الافتراضية على برنامج – السكايب- لاسيما مع بدايات “الثورة” السورية، وكانت له آراؤه الدقيقة التي يغوص في سرد تفاصيلها، على ضوء حكمته، وحنكته، وتجربته الحزبية، وعلاقاته مع المشتغلين في السياسة من أهله الكرد، ناهيك عن حديثه في المجال الثقافي، والكتابة في مجال اللغة والطب، وعندما عرضت عليه أن يكون عضواً في رابطة الكتاب والصحفيين فلقد استجاب، وحين دعوناه في العام 2016 إلى مؤتمر الرابطة فقد كتب إلينا برقية ركز خلالها على وحدة صفوف الكتاب، كامتداد لنصائحه لي:
كونوا المبادرين لتقبل أندادكم المثقفين فلا جدران بينكم في الحقيقة!
أعترف، أن ظروف الغربة التي بعثرتنا، ووزعت ذوينا وأصدقاءنا مابين الوطن وخارجه أثرت كثيراً على تواصلي مع بعض الأصدقاء، ولقد عدت إلى حواراتنا عبر- المسنجر- فوجدت أنني انقطعت عنه منذ أشهر، من دون أن أتواصل، وكان ينبغي علي إعلامه بأمر ما، إلا أن كثرة الضغوط اليومية. كثرة المشاغل. الأصدقاء والزملاء المقربين جعلتني كما كثيرين من أمثالي نخفق فيما هومطلوب منا!
وما دمت في حضرة اسم هذا الصديق النبيل، المتواضع، البسيط، الطيب، الوفي. النبيل، الصلب في الموقف أمام الخصوم، فإنه لابد من أن أذكر بروح اتصالاته المفاجئة أحياناً، من قبيل:
لقد تم كذا في الوطن، فماذا نحن فاعلون؟
ما الذي نقوم به من أجل كذا لنصرة أهلنا
ثمة مؤامرة، فما المطلوب منا لمواجهتها
تعال، نخترعدداً من أسماء الأصدقاء ونتواصل كما كنا أيام بدايات “الثورة” إلى آخرمبادراته التي كنت أنصت إليها، وأحاول ما استطعت أن أفعل شيئاً، وإن ضمن حدود قناعاتي، أو ما هو مشترك ومتفق عليه!
ما هو مؤلم، أن د. عبدالوهاب. الصديق، الذي وجدته أنموذج المناضل المرتبط إلى أهله، وقضيته، ومستقبل إنسانه، قد تذوق، بالإضافة، إلى مرارة الغربة اللئيمة. المهجر، إن لم أقل المنفى، آلام فيروس كوفيد- وهو الناصح لي ولأمثالي طبياً فقد كان أحد مراجعي كما قلة من المقربين من أمثاله- واجتاز محنة هذه المكابدة الشرسة، ونجا منها، وتلقى التطعيم المطلوب، للحماية من غزوة كورونية أخرى، ونام ليلته، ليستيقظ في الثالثة – موعد السحور- يشارك رفيقة دربه ماتيسرمن شراب أو مأكل عاجل، ليعود مستكملاً نومه، الذي لم يل باستيقاظ، ومن دون أن يعرف أنها نومة الدقائق أو الساعات الأخيرة من حياته التي توزعت بين: القرية- قامشلي- أوربا- الخليج، ومن ثم بريطانيا التي قصدتها. نومته الأبدية، بعد أن عاش، مع أهله. ككل أهله، داخل الوطن وخارجه، مخاوف اقتتال أهلي، بعد أن تم إعداد وقود هذه الحرب، وشراراته، والأصابع الخفية والعلنية لإيقادها. إضرام النار في مهاده، وإن كان هناك ثمة – مشفى- قد تركه وراءه، ليستفيد منه الآلاف، منذ أن غادر قامشليته، بل أثر عيادة، في – دوار السبع بحرات- يذكر باسمه، وخطواته!
*أنشر فيما يلي رسالته المرسلة إلى المؤتمر كما وردتني:
رساله تهنئه الى مؤتمر رابطة الكتاب والصحفيين الكورد في سوريه والمنعقد في مدينة أيسن الألمانيه .
الاخوه الاعزاء , بمناسبة انعقاد مؤتمر الرابطه اتقدم اليكم فردا فردا بالتحبه والسلام متمنيا للمؤتمرين التوفيق والنجاح في اعمالهم, واتمنى ان يكون اعمال المؤتمر وتوجهاته المستقبليه متجه نحو اعادة وحدة صف الكتاب الكورد, الذي يعاني هذه الايام حالة الانقسام ان كان ذلك في الوطن او في المهجر, الكتاب والشعراء والروائيين والصحفيين هم دعائم وبوصلة الشعوب ايام النضال, ايام البحث عن الحريه, ايام المحن, ايام المخاطر المحدقه بالوطن والمجتمع, كلنا يكتب, كلنا يرسم, كلنا يغني, وكلنا يئن ويتألم لمرض عضال عاصف بمجتمعنا الكوردي, الا وهو الشرخ الذي يزداد عمقا واتساعا, واخشى ان يستفحل المرض ونصل الى درجة ان يقتل الاخ اخاه, وبما ان الكاتب والشاعر و هم مرآة شعوبهم, اراكم جميعا ان تكونوا النموذج الذي يقتدى بكم ايها الاخوه, اتمنى ان تدخلوا في حوار جدي لإعادة توحيد كلمتكم مع الطرف الآخر من الاخوه الكتاب ان كانوا في الوطن او في المهجر. لكم مني الف تحيه وتهنئه مره اخرى , التوفيق لكم جميعا .
الدكتور عبد الوهاب حاجي
15.4,2016 مانشيستر- بريطانيا
** يشير في آخر الرسالة أنه أرسلها لنا الثلاثة: خورشيد شوزي- عبدالباقي حسيني- أنا