قهرمان مرعان آغا
وفقاً لسيرورة انقلابات العسكر والعسس في الشرق الأوسط وسوء فال وطالع السوريين وقَدَرهم في الابتلاء بحكم الحثالة والمجرمين ، الذين تجبّروا في السيطرة والاستبداد على الناس ، هؤلاء هم أنفسهم لفظتهم مجتمعاتهم من القاع وعلى حين غفلة تسيدوا على الهويات الاجتماعية السورية وتجبروا ومارسوا أسوء أشكال الحكم ، لكتم أنفاس السوريين خلال خمسين عاماً من الانقلاب العسكري (1970ـ2021) تمثلت بدكتاتورية الثالوث الشرير ، الأب والابن وحاشية الأم ، فهل اكتملت الدورة الزمنية لحكم العائلة وستصبح غيومها السوداء التي تغطي سماء سوريا بالانقشاع حسب نواميس الكون وظواهر الطبيعة ، يبدوا لم يعد يجدي عويل حاخامات حائط المبكى ولا تراتيل سجن صيدنايا و لا فتاوى أئمة ولي النّقمة على المنابر ولا اللطم في المزارات و المراقد ، فقدرة {الله} تعالى على الامتحان قد أُنجز ، فجاء الاختبار الأكبر للأخّيار من أبناء و بنات الشعب السوري وهم يواجهون وحدهم المأساة ، بعد مضي عقد من الزمن على ثورتهم المنتصرة ، ليزدادوا أكثر إيماناً بفكرة الحرية وترسيخاً لموضوعها.
يحاول حلف الأشرار المكون من روسيا وإيران وتركيا ، فصل المقدمات عن المآلات والنتائج عن الأسباب ، بإدعاء الحفاظ على وحدة سوريا ، فمجموع أعداد (آستانا و سوتشي) جاء لقطع طريق الحل الأممي للأزمة السورية ، بقصد إعادة تدوير خردة الاستبداد والإجرام وتجاوز تبعاتها السياسية والقانونية بما يسمى بالمصالحة الغير انتقالية بدلاً من العدالة الانتقالية و بالتالي منع السوريين للارتقاء بنظامهم السياسي بما يضمن وحدتهم مستقبلاً ، لهذا تم رفع وتيرة التصعيد في مناطق كوردستان ـ سوريا ، لدفع تركيا ومرتزقتها من احتلال مزيد من المناطق ، فعندما يُعقد مؤتمرات الأعمار بوصاية المافيا الروسية ، ترسم السياسات على توجيه الأنظار إلى مسالة البناء ، حيث تلعب ديماغوجيا الأعلام الدور المدمِّر لذاكرة الناس ، بحيث لم يعد باهتمامهم التفكير و الالتفاتة إلى الخلف ، بأن من تسبّب في دمار البلد فوق ساكنيه الآمنين هم أنفسهم الداعيين للأعمار ، فالصور التي يحملها خرائط (غوغل ) للمدن والبلدات والقرى الممسوحة بالأرض لا تميزّها من آثار الحضارات التي سادت في فترة من الزمن ، ثم بادت ، ناهيك عن مخزون الصور في الوسائط المختلفة ، وأن الغاية الأساسية هي التغيير الديموغرافي حسب واقع الحال و حسب تموضع تلك القوى الشريرة ، وكذلك يتم ذكر ( قانون قيصر) الأمريكي ، عندما يتعلق الأمر بالوضع الاقتصادي المنهار ، الذي تسبب به النظام المجرم و داعميه وأعوانه و الذي أصبح ينعكس بأسوأ صوره على معيشة الناس و بشكلٍ لم يعد يحتمل في الحياة العامة للغالبية العظمى من السوريين ، إنهم يحاولون بكل صفاقة ، مسح الصورة الموثقة بآلامها وأوجاعها من مخيلة السوريين ، فإنَّ (55) ألف صورة لـ (11)ألف شهيد فقط ، من ضحايا التعذيب في السجون لغاية 2014 ، لا تشكل سوى جزء يسير من أطنان الوثائق والصور والفيديوهات خلال (10) سنوات من عمر الثورة السورية ، وهي أدلة مادية دامغة بالدم لا تقبل الشك في إدانة نظام الأسد ، بما فيه استخدام السلاح الكيماوي ، بقصد إبادة الجنس البشري ، فإن أسلوب المقايضة السياسية وتبييض الجريمة (إذا صح التعبير) التي تمارسها روسيا وإيران وتركيا لم تعد تنطلي على أحد ، فالمجتمع الدولي أصبح أمام أزمة أخلاقية وقيَمية ، لتحمّل مسؤولياته المؤجلة بحق السوريين وفي اقل تقديراتها هي العمل على إزاحة عائلة الأسد من حكم سوريا ، وكذلك الأمر فيما يتعلق بمرور أكثر من خمس سنوات على قرار مجلس الأمن 2254لعام 2015 وحصر عملية الانتقال السياسي باللجنة الدستورية ، التي أصبحت عنواناً للمماطلة والتسويف وهي في كل الأحوال عبارة عن مسودة ومبادئ عامة تتقاذفها اللجان لحين الاستفتاء عليها وبالتالي وضع بنود دستور العهد الشوفيني القديم تحت مجهر الوطنية والسيادة الكاذبة و الحَؤول دون تضمين ما يتعلق بحقوق مكونات الشعب السوري القومية والدينية على قاعدة العيش المشترك و تضييق تطبيقه من حيث التفسير والتأويل ، كأن جرائم الدكتاتور حافظ أسد لم تقع تحت ظل الدستور وتعديلاته التي أوصلت وريثه للحكم ، كما أنَّ الدستور الذي وضعوه لأنفسهم ، أباح و شرعن القتل والتدمير والتدخل الروسي والإيراني وعصاباتهما في سوريا ، لهذا جاء الاهتمام الغربي بتحريك ملف استخدام السلاح الكيماوي لمحاسبة النظام ، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي وفق البند السابع 2118 لعام 2013 كجردة حساب دفاتر قديمة لتاجر يهودي بحثاً عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يدعي تأسيس حضارته المعاصرة عليها ، فقبل عام وفي مثل هذا الوقت ، أي في نيسان 2020 خلص تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيمائية ، تحميل النظام السوري بشكل أساسي ومباشر باستخدام السلاح الكيماوي وإن استخدام الحيل للإفلات من العقاب لم تعد تجدي و من الممكن ومن المفيد عرض التقارير التي استمرت العمل بها لأكثر من سبع سنوات على الجمعية العامة للأمم المتحدة ، تفادياً للفيتو الروسي ، فرغم سكوت المجتمع الدولي على أفظع الانتهاكات التي طالت الإنسان والطبيعة والعمران وفي أبشع صورها ، إلا إنّ موجبات صراع الدول الغربية مع روسيا ستجرها إلى الدفع بهذه القضية لإصدار قرار ملزم بإدانة و محاكمة رموز النظام بسبب ارتكابهم جرائم حرب و جرائم إبادة جماعية ، كما حدث لمثيله نظام البعث الصدامي في العراق عند سقوط بغداد .
* نشر المقال في صحيفة كوردستان – ١٧ نيسان 2021