هيڤي قجو
بحسب أسطورة الخلق ” آدم وحواء” يقال إنّ آدم كان يعاني من الوحدة فقد ضجر من البقاء وحيداً في الجنة، لذا كان من الضروري أن يشاركه هذه الحياة كائن آخر، الذي تمثل آنذاك بـ”حواء” الأنثى المختلفة عنه جنسياً، بغضّ النظر عن عملية خلقها، هل كانت من ضلع آدم أم جاءت إلى الحياة كما جاء آدم، فالأمر سيان. ما يهمُّنا هنا هو النظر إلى هذه الحالة: فقد كان من الصعوبة بمكان أن يُؤتى بكائن شبيه جنسياً بـ”آدم” لمشاركته الحياة هناك في الجنة، كان لابد أن يكون هذا الكائن من نوع آخر، نوع يمهّد لحياة أجمل وربما لتكوين حيوات أخرى تتكلل بها هذه العلاقة التي تبدأ بالأنس والجنس وتنتهي بأمور أخرى تضاهي غريزة البقاء في الأهمية.
هذا التمهيد هو من أجل تبيان أمر واحد وهو أن الحياة تشاركية بين الرجل والمرأة ومن يحاول عزل أحد الطرفين عن الآخر فإنما سيقع في المستقبل بأخطاء شتى وسيزرع أفكاراً خاطئة في نفوس هؤلاء الناس الذين/اللواتي يخضع(و)ن بحكم الحاجة لمثل هذه الأحكام. إن تجليات مثل: قرية النساء” JIN WAR “في مدينة الدرباسية في شمال شرقي سوريا، إذاعة المرأة، قناة المرأة وكافي أو قهوة المرأة، التي مهدت الإدارة الذاتية هناك لتأسيسها، إنما ضرب من الأفكار الخاطئة إذ تهدف إلى عزل المرأة عن المجتمع وإبقائها في قوقعة بعيدة عن الاحتكاك بما يحيط بها. وهذا ما سيؤدي إلى عدم تقبّل المرأة للرجل في حياتها وعدم قدرتها على التعاطي مع الرجال لاحقاً، ويعزلها شيئاً فشيئاً عن المجتمع الذي هي أحد قطبيه الرئيسين.
مؤسسات الإدارة الذاتية في الشمال السوري، التي عوّلت على المرأة في بداية تسلّمها للسلطة كانت تلفت أنظار العالم إلى أهمية حضور المرأة على جميع الأصعدة، وكسرت تلك القاعدة التي كانت تجعل من المرأة المسؤولة عن البيت والأطفال فقط، سواء من خلال الحياة العسكرية، التي كان الهدف منها تأسيس جيش من النساء وهذا كان سيضفي بعداً أسطورياً على هذا الحضور الأنثوي لو فُسح المجال للمرأة أن تختار برغبة منها الانضمام إلى هذا الجيش دون اللجوء إلى وسائل التلاعب بعقول الصبيان والصبايا وجذبهم/ن إليها.
إنّ مشاركة المرأة في السياسة والقضايا المجتمعية الأخرى كافةً أمر في غاية الأهمية وهذا الأمر يشكّل فارقاً بالنسبة للمجتمع، حين ينظر المرء إلى مجتمع م فإن رأيه يتكوّن عنه إن كان حضارياً أو غير ذلك من خلال وجود نساء في أروقته السياسية. لكن الإدارة تقع في فخ كبير حين تُعول على الأعراف والتقاليد وتعود لترسيخها مجدداً في المجتمع.
إنّ عزل المرأة بحسب إيديولوجيات الإدارة الذاتية ستقود إلى زعزعة المجتمع وفقدانه لهويته إذ سيؤدي فيما بعد إلى تقوقع المرأة على ذاتها وعدم قدرتها على التواصل مع الجنس الآخر الذي لا تستمر الحياة إلا مشاركته. ويمكن القول فإنه لن يكون باستطاعة الإدارة الذاتية إيجاد مبرر لهذه الإيديولوجية لأنها ستؤدي في النهاية إلى وجود تناقض كبير في أقوالها وأفعالها، فهي تنادي بالتحرّر من العادات والتقاليد البالية تارة وتلجأ لهذه العادات والتقاليد تارة أخرى؛ لتمرر بذلك إيديولوجبة ما! هذا التناقض الذي تقع فيه يجعلها تمارس عنفاً من نوع آخر على المرأة، عنف تحتسيه المرأة ببطء وتمسي مع مرور الوقت ثقافة قائمة بحد ذاتها ولا تتقبل حاملاتها ما يناقضها. إنه استغلال للمرأة بكل ما في الكلمة من معنى، إنه بعد إيديولوجي آخر تتهيأ الإدارة إلى تبينه وتباركه رويداً رويداً لتحكم من خلاله على مفاصل الحياة كافة. إن ما نحاول إثباته منذ دهر هو أن المرأة والرجل طرفان مكمّلان لبعضهما تكتمل بهما الحياة لكن ترسيخ فكرة عزل المرأة عن المجتمع سيمهد الطريق إلى أمور أخرى كنا نعتقد أننا في نهاية الطريق للخلاص منها.