السياسات اللا أخلاقية في سوريا

عزالدين ملا

معروف في جميع القوانين والأعراف الدولية أن انظمة الحكم تتغير حسب الظروف والوقائع، ولكن أن يتغير الشعب بأكمله هذا ما لم يحدث عبر التاريخ وما لا يقبله العقل والمنطق، وقد حصل أو يحصل لمجموعة أو أقلية في دولة ما، كما حدث إبان حكم ستالين عندما هجَّر الكورد من مناطقهم في ناغورني كرباخ وتشتيتهم في معظم ولايات الإتحاد السوفييتي آنذاك، وأيضا خلال مجزرة الأرمن في تركيا حيث تمَّ قتل وتهجير الملايين من الأرمن، وفي الهجرة المليونية للكورد في عهد النظام العراقي البائد، ولكن أن يحدث هذا التغيير لدولة بأكملها، يبيد ويهجِّر نظام حكم لشعبه هذا لم يحدث من قبل.
ما حدث ويحدث في سوريا يفوق الخيال والتوقعات، الذي تغير هم الشعب السوري بمعظمه الذين تمَّ هجرهم عنوةً أو مجبرين وتشتيتهم إلى دول الجوار وإلى معظم دول العالم، وتم تبديلهم بميليشيات وفصائل وعناصر إرهابية تمَّ جلبهم من مناطق مختلفة في العالم وغالبية هؤلاء من سَفَلَة الشعوب ومنحطيها.
هذه الثورة التي بدأت قبل عقد من الزمن ضد نظام الأسد الدكتاتوري الذي حكم البلد بقبضةٍ من حديد، جعلت من سوريا حديقة خاصة لعائلة الأسد الحاكمة ورجالاتها. الثورة التي كانت منفذ الشعب السوري للخلاص من كم الأفواه والظلم وقيود الإستبداد، خرجوا إلى الشوارع بروح من التفاؤل والأمل، غرفوا الهِمَمَ والمعنويات العالية من الشعارات الرنانة التي نادت بها الدول الكبرى من الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن لم يكن يعلمون أن هذه الشعارات ستصبح وبالا ثقيلا على كاهلهم، يؤدي بهم إلى الهلاك.
مرت شهور وسنوات وتحولت تلك الثورة السلمية إلى صراع مسلح، وتحولت سوريا إلى ساحة صراع دولية وبؤرة إرهاب عالمية، اجتمع فيها معظم إرهابيي العالم وانضمت إلى ميليشيات وفصائل مسلحة وتحت مسميات عديدة، حوّلوا سوريا إلى مستنقع مرعب، تحوم حوله أشباح، أرضٌ إحتوت- رغم مساوئ النظام وجبروته- شعبُ مسالم يعيش على الحب والتسامح والعيش المشترك، وخوفهم على بعضهم البعض من الذلِّ والهوان، هذا ما كُنا نحسُّ بها آنذاك، هذا كله كان إحساس الشعب السوري، وما يحدث الآن من إقصاء الآخر والتهميش هم ليسوا الشعب السوري بل هم مَنْ كانوا مع النظام المجرم ويقتاتون على موائده وهم من بائعي الوطن.
هذه الظروف والأهوال وجبروت النظام وحلفائه وبموافقة ضمنية من قبل دول العالم عَرَّضَ الشعب السوري إلى القتل والتشريد والهجرة والنزوح، أكثر من ثلثي سكان سوريا يعيشون خارج حدود وطنهم، بينما النظام المجرم الذي تفنن في قتل شعبه بقيَّ داخل سوريا يسرح يمرح دون أن يكون له رادع يوقفه أو يردعه عن القيام بجرائمه وممارساته البشعة.
من أجل حفنة من المرتزقة والفاسدين واللصوص ومجرمين يضطر معظم الشعب السوري المسالم إلى التشتت والتسول في جميع بقاع العالم ويقبلون ذلك على أنفسهم بدل أن يكونوا أدوات وأعوان لهؤلاء المرتزقة والعملاء لأنهم تربوا على القيم النبيلة والعزة والكرامة وحب الآخرين. ورغم كل هذه الجرائم التي حصلت ولازالت تحصل يبقى المجرم بشار وأعوانه في هرم نظامه الفاسد ويأخذ شرعيته من الدول أصحاب الشعارات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ويطالبون بمفاوضته لبقائه هو ونظامه الفاسد، ولكن لا العقل ولا الضمير يقبل أن يتم التفاوض مع مجرم استخدم أبشع الممارسات اللا إنسانية واللا أخلاقية ضد شعبه.
سابقة لا أخلاقية من منظمة الأمم المتحدة والدول الكبرى- الذين طالما نادوا بالوقوف إلى جانب الشعوب المقهورة والمظلومة- بأن يرعوا مفاوضات بين النظام المجرم الذي بقيَّ في الداخل والمعارضة على حساب الشعب السوري مشتتين في الداخل والخارج. الذين في الداخل ذاقوا مرارة الخوف والجوع والموت، والذين في الخارج ذاقوا مرارة الغربة والتسوِّل وتمنن.
لولا التخاذل والتماطل والسياسة المصالحية من قبل منظمة الأمم المتحدة والدول الكبرى لمّا تمادى نظام الأسد في طغيانه وجبروته.
بعد مرور هذه السنوات من أهوال القهر والظلم والحرمان مازال الشعب السوري في ترقب وانتظار لأنْ يأتيَّ ذاك اليوم الذي يسقط فيه النظام الفاسد، ويعودون إلى وطنهم وأرضهم ليس ثقة بدول الأنظمة العالمية التي خذلتهم ولكن بسبب إيمانهم بالله وثقتهم بأنَّ الشرَ مهما طال سيبقى هناك فتحة أمل وفرج، وسينتصر الحق ويزهق الباطل، يذوب الظالم والمستبد في لعنة التاريخ والإنسانية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…