أين هم الشرفاء في سوريا

د. محمود عباس

الواقع الحنظلي، ومجاري الدماء، والدمار الكارثي، جعلت من سوريا منبع الأوبئة، ومستنقع اختلط فيه كل الشرائح والأطياف، النزيهة والفاجرة، الخائنة والوطنية، الفاسدة والنقية، وولدت القيادات المنافقة المتلاعبة بمصير الأمة على كل المستويات، لا شك هذا هو نتاج الحروب الأهلية في التاريخ، لكنها هنا أنعدم الإحساس بالضمير، وتحورت الأحاسيس الإنسانية، التي أعدمتها ثقافة النظام الشمولي الدكتاتوري على مدى العقود الطويلة الماضية.
  لم يعد الناس يبحثون عن القيم والكرامة، ومن النادر من يقف على الجريمة، أو يلتفت إلى موت عائلة، أو تؤثر فيهم مشاهدة طفل تائه بين الأنقاض يبحث عن لقمة العيش، فالواقع الكارثي تجاوز حدود عرضها كجدلية مؤلمة، إلى درجة بدأ الإنسان السوري يبحث عن الزوايا المنسية التي لم تصلها الفساد والنفاق والإجرام الممنهج، عله يجد بعض الأمان لنهاية هادئة. 
القيادات الفاجرة المتحكمة بسوريا، من النظام إلى قيادات معظم المنظمات المدرجة تحت اسم المعارضة والذين جلهم من أيتام ثقافة البعث أو خريجي مؤسسات سلطة الأسدين، سخروا الشعب لأقذر مأربهم، لوحوا بمآسي سوريا في المحافل الدولية للارتزاق وجلب الأموال إلى ساحاتهم لنهبها. 
  فكما نعلم سوريا بأكملها تحترق، والحديث عن زاوية من الجهنم شبه سذاجة. خاصة وأن المسألة تتعلق بنهب أموال الشعب المرسلة لهم عن طريق المساعدات الدولية، إلى جانب أننا سنعرضها على عمومياتها، لأن التفاصيل فيها عالم ملئ بالتشعبات والخدع والنفاق والكوارث، تشترك فيها المافيا الدولية ومنظمات تجار الحروب الذين يحركون القادة السياسيين والمنظمات العسكرية كأدوات لمأربهم.
 ومن المؤسف أنها طالت منابع الدستور ومخططي كتابة صفحاته التي يجب أن تكتب بأيدي نقية، لكن تقبل أعضاء لجان كتابة الدستور السوري، البالغ عددهم 150 فرداً، الرواتب على مدى قرابة سنة مع ركود الحوارات، تدرج ضمن مسيرة خداع الشعب، ومن الغرابة أن الوطنيين الشرفاء منجرفون حتى اللحظة مع تيارات الانتهازيين وناهبي الشعب، وبينهم من يؤمل منهم إنقاذ المعارضة النزيه من الضياع، وإعادة رفع راية أسقاط النظام. 
لكن رغم ما تغوص فيه لجان الدستور إلا أنها لم تصل إلى سوية بشاعة قيادة الائتلاف، والحكومة المؤقتة، والهيئة العليا للمفاوضات، ولجان التنسيق بمختلف مهماتها، بسرقة أموال الشعب مقابل أعمال تزيد من عنجهية الفسادين، وهناك من يماثلهم في الداخل بدءً من قيادات التنظيمات العسكرية التكفيرية أو المرتزقة المدرجين تحت عباءة المعارضة، وجلها تكاد لا تختلف عما أمتصه سلطتي الأسد والبعث ونهبوه عن طريق الإجرام أو النفاق. معظم هؤلاء يعيشون في رفاهية تركيا وقطر والإمارات، والدول الأوروبية، تصلهم رواتبهم وهم ينعمون في تلك الدول، وليس بينهم من يعيش في المخيمات الملقية على أطراف جغرافية سوريا، ليروا ويتلمسوا ما يعانيه الشعب السوري وأطفالهم من الويلات، وكيف يصارعون الحياة، حيث غياب أدنى متطلبات المعيشة. 
تستثنى منهم اللجان الثقافية والطبية والمهتمة بقضايا المهاجرين، والمخيمات، والمعنية بالشؤون الإنسانية بكل أنواعها، وبينهم الشريحة الوطنية التي غيبت عن الساحة. 
  الاختلافات بين المنظمات المنوهة إليهم ضحلة: الشريحة الأولى تحصل على رواتبها الشهرية بشكل سلمي وبقوانين دولية، مع ذلك فتقبلهم ديمومة واقع الجمود في مسيرة الدستور، على خلفية الحوار مع النظام، جريمة بحق المجتمع السوري، لذا يتطلب منهم إعادة النظر فيما عليه مسيرة كتابة الدستور، وعملية الركود، والرواتب التي يحصلون عليها، أو المصاريف التي تنفق من حصص الشعب المعاني للبحث في إشكالية من شبه المستحيل إنجازه، مع وجود النظام الإجرامي في دمشق، والمنظمات الإسلامية التكفيرية.
 أما معظم الثانية، فهي الوجه الأخر للنظام المجرم، تقطع رواتبها من المساعدات الدولية للسوريين، وبعضها من دماء الشعب مباشرة، ومن جرائم النهب واغتصاب الممتلكات كالتي تحصل في عفرين والمناطق المحتلة تركيا. والثانية أي سلطة بشار الأسد، فجرائمها اكثر من معروفة، تنهب الوطن وتحرق المجتمع لتعيش في الرخاء، وهي أبعد من أن تعرف للعوز معنى، تبتذل متابعة الإعلام وواقع الشارع السوري، ولا يستبعد أن تكون شريحة مريضة نفسيا، وهو ما أصبح يدرج في الأوساط الطبية عن بشار الأسد، يتلذذ عند مشاهدة الشعب وهو يعاني الويلات ويصارع الموت جوعا.   
  لجنتي الدستور، المعارضة أو المحايدة، تشترك في الجريمة بشكل غير مباشر، بتقبلها الحوار مع السلطة الإجرامية، أي كانت المبررات. وهي بطريقة أو أخرى، تعطي بمشاركتها الشرعية للنظام، وتضع قيادة الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات وقادة المنظمات العسكرية على منصة ممثلي الشعب السوري، على الأقل أمام الدول والقوى التي تقدم المساعدات الإنسانية للسوريين، وبالتالي يسهلون لهم طرق نهب الشعب السوري وامتصاص دمهم. 
 لكن يا حسرة، كيف يمكن أقناعهم على أن ديمومة اللجان بقاء اللجان رغم ركود كتابة الدستور، وخاصة انتخابات السلطة على الأبواب؛ جريمة بحق الأمة. وللأسف، ليس سهلا للفرد الذي تعود على أن يجد كل شهر كمية من الأموال في حسابه، التخلي عنها لبعد وطني وهو يرى كيف أن الجميع من حوله ينهبون، فالأموال المتدفقة عليهم وهو جالسون في بيوتهم نعمة! وعلى الذين يقضون الأيام في المنتجعات كبعض قادة المعارضة الذين نشرت صورهم على الإعلام مصاريف سياحة أو أتعاب ما كتبوه من مواد الدستور! أما قادة الائتلاف الذين يبتزون أموال الشعب مع وجاهة، واعتبارات، حتى التفكير في تغييره تحتاج إلى قوة وضمير حي، وللأسف الخاصيتين انعدمتا منذ سنوات، كانعدام الإنسانية عند شريحة النظام.
  ويبقى بشار الأسد وحاشيته وشريحة سلطته، عرابو هذا النهب والإجرام وبكل المقاييس، يتحملون مسؤولية الدمار الكارثي في سوريا، وكل ما يتم امتصاصه من دم الشعب، ولا شك سيكون خريجي مؤسساتهم على نفس المنهجية حتى ولو تم تغطيتهم بكل عباءات المعارضة، وبالضبط كانت هذه من أحد أهم البنى التي استندت عليها السلطة للانتصار حتى الأن. 
 لذلك تظل عملية إزالة النظام وخاصة سلطة بشار الأسد، صمام الحل، ونهاية الكوارث، ووضع حد للخيانات والتجاوزات الجارية، وزوال المنظمات المدعية بالوطنية والمعارضة. وربما، بعدها، سيعود الأمل إلى الشعوب السورية للبدء بإعادة بناء جغرافية جيوسياسية على أنقاض ما تم تدميره وبمواصفات حضارية ديمقراطية. 
الولايات المتحدة الأمريكية
14/4/2021م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…