البرغماتية الكردية ضرورة ملحة

درويش محمى

من الحقائق التاريخية الثابتة ان الكرد كانوا اكثر المتضررين من جراء تطبيقات اتفاقية سايكس ـ بيكو المشؤومة، التي تم بموجبها تقسيم اوصال التركة العثمانية الى دول وممالك وجمهوريات، ولم يكن للكرد في تلك القسمة نصيب، سوى تقسيم موطنهم بين عدة دول، دون الاخذ بعين الاعتبار ارادة الامة الكردية ووجودها، وكون رغبة الكرد وارادتهم لم تختبر الى اليوم، يبقى حقهم في تقرير المصير حق انساني وسياسي وقانوني وتاريخي ثابت ومحفوظ، لا يحتاج الى نقاش ولا اتفاقيات ولا صفقات سياسية ولا يسقط بالتقادم، شأنهم في ذلك شأن بقية الشعوب والامم.
هذا من حيث المبدأ، اما على ارض الواقع فالكرد يجدون انفسهم اليوم و بعد مرور اكثر من 80 عاماً على اتفاقية سايكس ـ بيكو، امام حقائق ومعطيات لابد من التعامل معها ببراغماتية عالية، والحركة السياسية الكردية في سورية تميزت منذ بداياتها بالعقلانية واتباع سياسة مسؤولة ومتزنة، حيث نجحت بامتياز في الجمع بين انتمائها القومي الكردي والوطني السوري، لكن ولاسباب عدة، ظهرت على الساحة الكردية السورية مؤخراً توجهات غير واقعية وغير حكيمة لا تخدم الكرد لا من قريب ولا من بعيد، ولايمكن وصفها الا بالجهل والعبثية السياسية .
تفاعل وتعاطف كرد سوريا مع اشقائهم الكرد المضطهدين في اجزاء كردستان المقسمة، امر اكثر من طبيعي، لكن هذا لايعني ابداً تجاهل واغفال خصوصيتنا ككرد سوريين، فمن السذاجة اسقاط تجربة كردستان العراق على الحالة الكردية السورية، او الرقص على طبول حركات كردستانية لها اجندتها وظروفها الخاصة بها، او اطلاق شعارات غير واقعية لاتأخذ بعين الاعتبار المعادلات القائمة في البلد السوري ولاتنسجم والواقع والمصلحة الحقيقية لكرد سوريا، البرغماتية والواقعية السياسية ضرورة ملحة لابد للحركة السياسية الكردية من التمسك بها، وعدم التهاون مع كل من يحاول الخروج عنها، ويفترض اليوم ومن منطق السياسة الواقعية، العمل بجد وتفان على الساحة الوطنية السورية من اجل سوريا ديمقراطية حرة، يتمتع فيها الكرد مثلهم مثل غيرهم من اطياف الشعب السوري بحقوق المواطنة من الدرجة الاولى، سورية تحترم فيها الخصوصية القومية للكرد ولا تنتهك، والكل فيها سواسية.


لا شك ان الممارسات الشوفينية لنظام البعث السوري بحق الكرد، من تعريب وتهميش وحزام واحصاء وظلم قومي منظم، كانت من اقوى الاسباب وراء اضعاف الشعور الوطني لدى كرد سوريا وفقدانهم للثقة بالشراكة الوطنية، لكن لايجوز في الوقت نفسه اغفال العوامل الاخرى وتبريرها، ومن تلك الاسباب والعوامل على سبيل المثال لا الحصر، ظهور شريحة انتهازية وصولية من الكرد، تجيد ببراعة استثمار والاتجار بالشعارات والمشاعر لغايات شخصية وحزبوية ضيقة.


الحرص على المصلحة الحقيقية لكرد سوريا، لا تبنى على السياسات الاعتباطية القائمة على ردود الافعال غير المحسوبة، ولا على المواقف والسياسات الهوجاء الاستعراضية غير المتوازنة، بل تتطلب دراسة متأنية ومعرفة حقيقية بالواقع وظروفه، وفهم دقيق لنقاط الضعف و نقاط القوة على حقيقتها، كما تتطلب الاعتدال في المواقف والتوجهات، وتبني اهداف واضحة ومقبولة مبنية على معايير انسانية ووطنية عادلة، وباعتقادي ان المشاركة الحقيقية والفعالة للكرد في الانتماء لسوريا الدولة المدنية، والاحتكام الى العقل والمنطق في تحديد الاهداف والغايات، والانحياز لسياسة واقعية برغماتية هي لمصلحة الكرد اولا واخيرا .


 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…