غزالة خليل
نتائج البحث الذي قام به ثلاثة عشر عالِماً من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروپا وأستراليا ونيوزيلندا والتي تم نشرها في المجلة العلمية الأمريكية (SCIENCE)، تُشير إلى أن كوردستان هي منبع اللغات الهندو-أوروپية، حيث أنّ اللغة إنتشرت من كوردستان إلى مناطق الشعوب الناطقة باللغات الهندو-أوروپية حالياً، مع التوسع الزراعي في كوردستان الذي بدأ بين سنة 7500 وسنة 6000 قبل الميلاد. هذا الاكتشاف هو ثورة كبرى في التاريخ الكوردي ويُظهِر عراقة الشعب الكوردي والدور المحوري الذي لعبه أسلافه في لغات وثقافات شعوب العالَم.
في بحث آخر، نُشر في المجلة العلمية (Nature Ecology and Evolution)، والذي تمّ إجراؤه بإستخدام تقنية الحمض النووي، توصّل الباحثون الى الأصل الكوردي لِبُناة موقع “ستونهينگ Stonehenge ” الأثري الذي يبعد ثلاثة كيلومترات عن مدينة (Amesbury) في مقاطعة (ويلتشاير Wiltshire) في جنوب غربي إنگلترا. يذكر الباحثون أن الناس قد سافروا من كوردستان بإتجاه الغرب عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أيبيريا (إسپانيا والپرتغال) قبل أن يعرجوا شمالاً، حيث أنهم وصلوا إلى بريطانيا في حوالي 4000 سنة قبل الميلاد. كانت الهجرة إلى بريطانيا عبارة عن مجرد جزء من توسع عام هائل لسكان كوردستان في الألفية السادسة قبل الميلاد، حيث أدخل المهاجرون الكوردستانيون الزراعة إلى أوروپا. بالإضافة إلى الزراعة، فأنّ المهاجرين الكوردستانيين الذين هاجروا إلى بريطانيا خلال العصر الحجري الحديث، قد أدخلوا أيضاً تقليد بناء الآثار بإستخدام الأحجار الكبيرة المعروفة باسم “مگليث”، وما مَعْلَم “ستونهينگ” إلا جزء من هذا التقليد. من الجدير بالذكر أن هذا الموقع الأثري يحتوي على حلقة من أحجار واقفة، علو كل حجر هو حوالي أربعة أمتار وعُرضه 2.1 متراً ويزن حوالي 25 طن.
نتائج الأبحاث السابقة الذكر، تتطابق مع إكتشافات عالِم الآثار الأمريكي الپروفيسور (روبرت جون بريدوود Robert John Braidwood) الذي يذكر أنّ الإنتقال من حياة الصيد الى حياة الزراعة حدث في كوردستان في حوالي عام (6000 – 10000) قبل الميلاد. كما أنه يضيف بأن الشعب الكوردي كان من أوائل الشعوب التي طوّرت الزراعة والصناعة ومن أوائل الشعوب التي تركت الكهوف لتعيش في منازل بها أدوات منزلية متطورة للإستعمال اليومي وأن الزراعة وتطوير المحاصيل قد وجدتا في كوردستان منذ (12) ألف سنة، إنتشرت منها إلى ميزوپوتاميا السفلى، ثم إلى غرب الأناضول ثم إلى الهضبة الإيرانية ووصلت منذ ثمانية آلاف سنة إلى شمال أفريقيا ثم أوروبا والهند. يضيف هذا العالِم الأمريكي بأن الكثير من المحاصيل التي نعرفها الآن، كالقمح والذرة والشعير قد إنطلقت من كوردستان. حول الصناعة، يؤكد الپروفيسور المذكور بأن الموقع الأثري “چيانو” الواقع في شمال كوردستان يمكن أن يُطلق عليه إسم أقدم مدينة صناعية في العالَم، حيث يُستخرج منه النحاس إلى يومنا هذا، كما عُثر فيه على صلصال دُوّن عليه التبادل التجاري.
كما أن نتائج الأبحاث أعلاه، تُفسّر كون أكثر من 50% من الكلمات الإنگليزية مأخوذة من لغة أسلاف الكورد السومريين، الذي أشار إليه العالِم اللغوي البريطاني الپروفيسور (Wadell) في مقدمة قاموسه السومري – الآري الذي ألّفه في سنة 1927 ميلادية.
قام أسلاف الكورد الخوريون (الهوريون) بإبتكار الحروف لأول مرة في تاريخ البشرية، حيث أنه في مدينة (أوگاريت) التي تقع شمال مدينة اللاذقية بِحوالي 12 كيلومتر، تم العثور في سنة 1933 ميلادية، على رُقيم فخاري صغير، طوله 5.5 سنتيمتر وعرضه 1.3 سنتيمتر والموجود حالياً في متحف دمشق الوطني. يحوي هذا الرُقيم (30) ثلاثين حرفاً مسمارياً، التي كانت عبارة عن حروف أبجدية لم يُعرف لها نظير في العالَم من قبل، حيث أنها أول ابتكار للأبجدية في تاريخ البشرية والتي تمّ ابتكارها في حوالي سنة 1500 قبل الميلاد. هذا النظام للكتابة الأبجدية المسمارية كان نظام كتابة مسماري سهل التعلم والإستخدام، مقارنةً بالكتابة السومرية والأكادية المقطعية. هذا النظام هو أقدم نظام كتابي أبجدي مسماري في العالم الذي إمتلك نظاماً قواعدياً متكاملاً، وكان يُكتب من اليسار إلى اليمين. كانت الحروف السبعة والعشرون الأولى هي حروف ساكنة والأحرف الثلاث الباقية هي حروف صوتية، أي حروف علّة. إن إبتكار الأبجدية كان حدثاً هاماً جداً لا يمكن مقارنته بأي حدث آخر في تاريخ الجنس البشري، وهو أعظم من إبتكار الطباعة، إذ أن تحليل الكلام وإرجاعه إلى عناصره الأولية يحتاج إلى عمل فكري عظيم.
كما أن الخوريين إبتكروا أول نوطه موسيقية في العالَم، في حوالي عام 1400 قبل الميلاد والتي مكتوبة باللغة الخورية وبالكتابة المسمارية. الأنشودة الخورية هي عبارة عن ابتهال ديني باللغة الخورية ومحتواها تدور حول حكاية زواج لم ينتج أطفالاً، فنتج عنها أنشودة لرثاء حال الإلهة (نيگال) زوجة إله القمر، التي كانت عاقرة لا تنجب أطفالاً. في الأنشودة تسأل الإلهة (نيگال) زوجها عن سبب عقمها وتلومه على ذلك، حيث أنه كان الإله الذي يمنح الأطفال للأزواج، بينما ترك زوجته عاقرة، لا تنجب.
هذه الاكتشافات تؤكد على عراقة الشعب الكوردي وكونهم الروّاد الأوائل في ابتكار الزراعة والكتابة والأرقام والفن والصناعة والموسيقى وتدجين الحيوانات وإنشاء المدنية وتبرهن أنّ كوردستان هي مهد البشرية ومنبع اللغات الهندو-أوروپية.