سيرة حياة «ججو خان» قائد حركة التحرير الكوردية في خراسان

 كيهان محمدنجاد
ترجمة عبدالعزيز قاسم
 على إثر معركة جالديران سنة 1514م، بين الامبراطورتين العثمانية والصفوية تم تقسيم كوردستان لاول مرة، الى قسم تحت احتلال “الاتراك” العثمانيين وقسم آخر بقى تحت احتلال الفرس “الصفويين”، وبعد ذلك التاريخ المشؤوم، حلت كوارث عديدة على الشعب الكوردي، منها طرد وترحيل الكورد من شمال شرق كوردستان بأمر من شاه عباس الصفوي في الفترة مابين 1598 و 1602 من مناطق شمال-شرقي كوردستان إلى إقليم خراسان.
لم تنته مأساة الكورد بعد ترحليهم فقط وبعد توالي العديد من الاقوام والحكام الاخرين على حكم ايران الى حين وصول القاجاريين إلى السلطة، 
بدأت حملات غزو جديدة ضد الكورد وخاصة ضد كورد خراسان هذه المرة، وكانت لعائلة اللهوردي بك والد القائد الكوردي ججو خان موقف تاريخي مشرف في الوقوف ضد تلك الحملات وظهر ججو خان دركز نسبة الى مدينته Deregez كأحد أعظم رجال الكورد في منطقة خراسان، حيث كان يسكن في البداية في قرية “هسار” التابعة لمدينة دركز، ومن ثم انتقل مع والده للعيش في كبيكان كمرافق لوالده “اللهوردي بك” Elahwirdî Beg الذي اصبح حاكمًا لمنطقة ميانكوهي.
كان ججو خان سياسيًا ومفكرًا وباحثًا وكان يدعم حكم والده ويقف خلفه كجبل، وورث حكمه بعد وفاته، واستلم حكم والده على المنطقة، وكان إداريًا ناجحا ويحظى باحترام ورضا أهل المنطقة، وعمل على توسيع دائرة حكمه ليشمل كافة مناطق خراسان لتحرير شعبه من المحتلين.
مقابل ذلك لم يتوان القاجاريون على شن هجمات دموية عديدة على كورد خراسان والقيام بحملات ابادة وحشية، وهرب الناس من بطشهم وظلهم الى جبال وسهول خراسان، وتعالت صرخات ونداء الأطفال والنساء لزعيمهم ججو خان لنجدتهم، ولما وصلت تلك الاخبار الى مسامع ججو خان امتطى على ظهر حصانه مع بعض المسلحين الكورد وأفراد من عائلته لنجدة القرى الكوردية المحروقة وإنقاذ الاهالي وممتلكاتهم ومواشيهم من السلب والحرق، بعد قيام القاجاريين بحرق قراهم بمساعدة من الجيش الروسي لاحتلال القرى الكوردية والاستيلاء على مواشيهم وطردهم.
 وقف ججو خان بحزم ضد حملات الإبادة الجماعية بحق الكورد سواء كانت من جهة القاجاريين، او من جهة الجيش الروسي على السواء، حيث ارتكب الجيش الروسي هو الاخر العديد من المجازر واحتلال المنطقة تماما على غرار جرائم القاجاريين الاعداء، وهذا ادى الى تزايد الغضب والاستياء الشعبي وازدياد المعارضة ضد حملات الروس والقاجاريين بقيادة ججو خان الذي اخذ على عاتقه الوقوف ضد الاستبداد وإنقاذ شعبه من القهر والطغيان.
 أعد ججو خان جيشه في وقت قصير، وبدأ بثورته مع إخوته الثلاثة، أوسو خان، وإيلو خان، وميمو خان، وعدد من المحاربين الأبطال الآخرين وهاجم ببطولة ثكنات العدو، وتمكّن من إنقاذ تلك المنطقة حتى دركز وقتل المئات من جنود العدو في تلك المعارك.
 
ازدادت شعبية ججو خان في مدينة دركز والقرى المحيطة به، وانضمَّ المزيد من الشباب إلى قواته، وبهذا استطاع ان يكسر شوكة قوات منسورول مولك، أحد قادة القاجار، الذي كان يقود هجمات متكررة بجيشه المدجج بآلاف المسلحين، وفي اخر هجوم مني بهزيمة نكراء هو وجيشه على يد القائد ججو خان.
وبعد الحاق الهزيمة بالقاجاريين وسع من نفوذ حكمه، الى ان تدخلت الحكومة المركزية في طهران للحد من نفوذه ومطالبتها من الروس المساعدة لاخماد ثورة ججو خان.
 أرسلت روسيا القيصرية العديد من الجنود والفرسان لمساعدة القوات الحكومية والقاجار وهذه المرة اضطر ججو خان ان يقاتل القوات القاجارية والروسية في آن واحد. وتصدّى ببسالة لهجمات الروس والقاجار وقام بتحرير مناطق خراسان من أيدي الأعداء والعمل على إقامة حكومة كوردية مستقلة في إقليم خراسان.
 هاجمت القوات المعادية مرارًا وتكرارًا معاقل حكم ججو خان، ولكنهم في كل مرة كان يفشلون، وغدا القضاء على حكم ججو خان حلمًا للأعداء، وأعلنوا عن مكافأة مغرية لكل من يقوم على قتله او أسره.
 كانت قوات ججو خان تزداد قوة يومًا بعد يوم، وانتشرت القوات والمقاتلون الكورد في الجبال والسهول وفي جميع قرى ومدن خراسان.
 كان سكان تلك المناطق راضين عن وجود قوات ججو خان، وانضم المزيد من الشباب إلى قواته ليكونوا قادرين على الدفاع عن الأرض وشرف أمتهم.
 عزز الروس والقاجاريين من تحشداتهم وشنوا معركة كبيرة على قوات ججو خان، واندلعت في تلك الاثناء حرب قاسية في منطقة دركز، استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر حسب بعض المصادر.
 حارب البطل ججو خان المحتلين من أجل توفير حياة حرة لأبناء هذه المنطقة. قُتل العديد من قوات ججو خان في تلك المعارك على يد قوات الروسية والقاجار وتم محاصرة ججو خان مع قواته ولم يبق لديه مفر او وسيلة لإنقاذ نفسه وشعبه سوى المضي في القتال حتى الشهادة او النصر وبعد ثلاثة أشهر من المعارك الضارية سقط حصانه  في خندق واستشهد برصاص قوات الاحتلال.
 استشهد ججو خان عام 1911 على يد القوات الروسية والقاجاران، حمل الروس جثته من قوجان في تابوت مع الثلج والجليد إلى موسكو لتقديم جثته كهدية للقيصر الروسي لرؤية جثة الزعيم الكوردي.
وحسب بعض المصادر ان القيصر أمر بقطع رأسه والتمثيل بجثته والاحتفال بشرب النبيذ على نخب قتل ججو خان.
وقف ججو خان وعائلته والشعب الكوردي في خراسان، وقفة شرف وعز وناضلوا ضد المحتلين لسنوات عديدة في سهول وجبال خراسان وقدموا الالاف من الشهداء.
 وبقيت ذكرى هؤلاء الابطال والشهداء في خراسان وكوردستان والى يومنا على ألسنة الكورد وعلى صفحات التاريخ بأحرف من الذهب بتخليد ذكراهم وامجادهم في الأغاني والقصائد والموسيقا الكوردية الى يومنا هذا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…