بهزاد عجمو
في أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما زرت العاصمة اللبنانية بيروت كان سعر صرف الدولار يقابل ثلاث ليرات لبنانية و يقابل أربع ليرات سورية ، بينما الآن فإن سعر صرف الدولار قد وصل إلى عشرة آلاف ليرة لبنانية فهذا مؤشر خطير بالنسبة لليرة السورية ، و يؤثر تأثيراً سلبياً عليها لأن العالم قد أصبح قرية كونية صغيرة و خاصة بالنسبة لسوريا و لبنان ، حيث هناك تداخل اقتصادي و مالي و سياسي و اجتماعي بين البلدين و لم تعد هناك حدود سياسية بين البلدين ، وكل منهما تحت وصاية إيران ، مع العلم أن الوضع الاقتصادي اللبناني أفضل من الاقتصاد السوري ، حيث لا توجد عقوبات اقتصادية مفروضة على لبنان و يوجد في البنك المركزي اللبناني أكثر من مئة مليار دولار احتياطي ، أربعون مليار دوار منها محتجز للتجار السوريين المرتبطين بالنظام السوري ،
كما أن هناك أربعة عشر مليون لبناني مغترب يرسلون هبات إلى أهاليهم في لبنان ، مع أن دخل الفرد في لبنان يتجاوز خمسة و ستون دولاراً في الشهر، أي أن دخلهم فوق خط الفقر مع العلم أن خط الفقر هو دولارين في اليوم ، ومع هذا فقد وصل سعر الصرف بالنسبة للدولار قد وصل إلى عشر آلاف ليرة لبنانية .
فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا سيكون سعر صرف الليرة السورية في المستقبل القريب ، هل سيصل إلى مستوى سعر صرف الليرة اللبنانية، كل شيء محتمل و متوقع و خاصة حتى الآن لا يوجد بصيص ضوء في النفق المظلم و لا يوجد في المدى المنظور أية بوادر حل للأزمة السورية ، و لا يوجد انفراج في العلاقات الأمريكية الإيرانية ، حيث أن النظام يستقوي بإيران و روسيا ، فنرى بأن الضغوطات الأمريكية تزداد عليهما و حتى إن أراد بايدن التوصل إلى حل مع إيران فإنه لا يستطيع ، لأن شبح ترامب يلاحقه حتى في المنام و مواقف ترامب المتشددة السابقة تقوض كل اتفاقاته الاستسلامية و إن اللوبي اليهودي قوي حتى في حزبه الديمقراطي و كل اتفاقية للبرنامج النووي الإيراني ستفشل في الكونغرس لأن الجمهوريين يسيطرون على نصف المقاعد مع العلم إن أي اتفاق مع إيران بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس ، هنا دخلنا قليلاً في السياسة لأننا لا نستطيع أن نفصل بين الاقتصاد و السياسة ، لأن الاقتصاد هو مفتاح بوابة السياسة ، رغم أني كنت أود أن أدع السياسة للسياسيين الكرد لأنه لا يُشقُ لهم غبار و لكن ليس في السياسة و إنما في الفساد ، لذا أعود ثانية إلى الاقتصاد فعندما تدخل دولة ما في أزمة اقتصادية و مالية ، فإن أمامها عدة حلول ، الحل الأول : أن تقوم بالاقتراض من صندوق النقد الدولي و هذا الصندوق لا يمنح القروض إلا بشروط معينة ، و سوريا لا تستطيع أن تلبي تلك الشروط ، ثم أن هناك عقوبات على سوريا .
الحل الثاني : إصدار سندات حكومية و رفع نسبة الفائدة أي بالاقتراض من السوق الداخلي و هذا ما فعلته أمريكا عام 1856 أبان الحرب الأهلية بين الشمال و الجنوب ، فقامت حكومة الشمال المركزية بالاقتراض من الشعب و المصارف الخاصة مثل مصرف مورغان و غيرها من المصارف و لكن في سوريا لا أحد يثق بالبنك المركزي .
أما الحل الثالث : هو أن تقوم الدولة بأخذ القروض من بعض الدول الصديقة لها و لكن لم يعد للنظام السوري أصدقاء سوى روسيا و إيران و هاتين الدولتين لهما ديون بمليارات الدولارات على النظام السوري و هي عاجزة عن الدفع ، ثم أن هاتين الدولتين تمران بأوضاع اقتصادية صعبة ، و عندما سدت كل هذه الطرق أمام النظام ، فلجأت إلى الحل الرابع و هنا كانت الطامة الكبرى و ذلك بطباعة العملة بكثرة و بدون رصيد و غطاء و هذا يعتبر انتحار اقتصادي بطيء فبدأ سعر صرف الليرة السورية يهبط يوماً بعد يوم و قد لجأ النظام إلى هذا الحل على أمل أن تصل أمريكا و إيران إلى اتفاق حول البرنامج النووي في عهد بايدن و أن ترفع الحظر إدارة بايدن عن المئة و العشرين مليار دولار التي تعود لإيران المحتجزة في البنوك الأمريكية و تدفعها لإيران ، ثم تمنح بضع مليارات للنظام السوري و لكن هذا الحل حتى الآن يعد بعيد المنال و هناك أكثر من عائق حتى و إن أرادت إدارة بايدن أن تفعلها ، و حتى نبتعد عن الأحلام الوردية و نكون أكثر واقعية فهناك أشهر صعبة قادمة بالنسبة للاقتصاد السوري و الشعب السوري يعاني الأمرين و بدأ الشرخ الاجتماعي يظهر رويداً و أصبح هناك طبقتين ، طبقة تتمتع بغنى فاحش من أمراء الحروب و تجار الحروب سواء في مناطق النظام أمثال قاطرجي و غيره ، أو مناطق الإدارة الذاتية أمثال فؤاد جميل ( أبو دلو ) ومن يقفون خلفه من بعض المسؤولين في الإدارة الذاتية ، فهذه الطبقة تزداد غنى يوماً بعد يوم ، أما الطبقة الثانية المسحوقة من عامة الشعب فيزدادون فقراً .
أكثر ما أخشاه أن تستفحل الأزمة ويصل سعر صرف الليرة إلى أرقام قياسية فلا يستطيع البعض شراء ربطة الخبز لإطعام أطفاله الجياع و عندما يكون الفرد جائعاً و يرى أمام عينيه أطفاله يتضورون جوعاً ، ينكسر حاجز الخوف لديه و ينزل إلى الشارع لينضم إلى ثورة الجياع ، و أتمنى من بعض المسؤولين سواء في النظام أو الإدارة الذاتية ألّا يقولوا جملة ملكة بريطانيا قبل أكثر من مئة عام عند تظاهر الشعب الجائع أمام قصرها فقالت لأحد المقربين ” ليأكل هؤلاء المتظاهرين الكاتو ” فرد أحد أفراد حاشيتها يا جلالة الملكة إنهم لا يستطيعون شراء الخبز فكيف سيشترون الكاتو .
و قبل أن أختم أود أن أقول بأن هناك قانون اقتصادي درسناه عندما كنا طلاباً في كلية الاقتصاد هذا القانون يقول ( إن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق ) ، أي بمعنى كلما كثرت طباعة العملة السورية التي أصبحت الآن رديئة و قيمتها تقل شيئاً فشيئاً فتقل العملة الجيدة مثل الدولار و اليورو ،و نستطيع أن نطبق هذا القانون في السياسة أيضاً لأن الاقتصاد و السياسة توأمان حيث أن الطبقة السياسية الرديئة قد طردت الطبقة السياسية الجيدة من الساحة السياسية و فهمكم كفاية .