إلى جنة الخُلد، وأنت تستحقها أيها الأخ الشيخ الوقور عبدالله حقي

إبراهيم محمود

 وإن كنتَ بعيداً بعيداً عني أيها الأخ الشيخ الوقور، الشيخ بأثير اسمه، بالتأكيد، عبدالله حقي، وقد نفد رصيدك الحياتي ” اليوم: الاثنين، في 1-3/ 2021 ” وقد بلغت سبعة عقود زمنية إلا سنة واحدة، لتعيش رصيدك الروحي المؤمَّن في عالَم لا علْم لي بحساباته، سوى أنك كنت أنت، والقلة القليلة مِمَّن هم أثرياء الروح، أثرياء الصوت والصورة روحياً على مقاسك أو أقل في الجوار، القريب القريب من روحي المثقَلة بالغربة، وهي تشعر ببعض من طمأنينة النفس لوجودك حيث كنت في قامشلو.
نعم، وأنت ملء السمع والبصر، حيث جمعتنا مهنة التدريس ذات يوم، وحين أضفتْ مهنة الحياة الحياة ” مكررة ” على العلاقة بيننا ما يضفي على الكلمة التدريسية ألقها وطيب مغزاها، وقد أشبِعتَ وجداناً ووداً وتواضعاً، أراك، كما لو أنك هنا، هناك، أو هناك، هنا، دون أن أزيد حرفاً يخرجك عن مقام المحبة والتقدير، كيف ذلك ، وكنا نلتقي أحياناً، فيما بعد، وأنت كما لو أنك تثمر بشاشة وجهية، وإشعاراً بالسكينة، إعلاماً بأن هناك ما يستحق البقاء كرمى إنسانية تتنفس في أناس تعرفهم، وأناس لا تعرفهم، ولكنك تقدّرهم من خلال من لم تعرفهم، كما يعلِم نبض روحك المضيئة .
هكذا أيها الأخ الإنسان، الإنسان الأخ، الأخ الإنسان الشيخ الجليل، تفارق أحبة أحبتك، ممن هم في أصل دارك، وقرارة روحك، ممن هم أهلك الأهل، وأقربائك الأقرباء، وقد اتسعت دائرتهم، دون أن تعلِم أحداً، ودون أن توقع على نهاية متوقعة لك، إشعاراً بأنها ختام حياتك، تاركاً الأمر لصاحب الأمر الكبير، وأنت المأخوذ بالمكتوب الذي تعيشه من لحظة وعيك لما تكونه أنت، وحيث تعيش أنت، وحيث تقيم أنت .
رجلٌ إنسانٌ في مقامك، كم يكون ظله روحه مديداً، كما هو ظل الذين سبقوك من استحقوا لطف خالقهم،من أهلك وأقربائك وأحبتك في مقامات شتى. إنسانٌ إنسان فيما عرِفت به، وفيما عشت به، وفيما رحلت به، لا خوف عليه، لأنه لم يكن هناك من خوف منه. وكيف يكون الخوف ممن يمنح الأخر: القريب منه، والبعيد عنه، نعمة الطمأنينة، وهدأة الوجدان والروح؟
رحلت وأنت ملؤك هدوء الجسد رغم انطفائه بشحمه ولحمه وعظمه، سوى أن روحك كانت تقول شيئاً آخر، وهذا الآخر، لا يبصره إلا من اعتاد رؤيتك، ومن ألِف مصافحتك، لا يقدّر عبق محتواه، وطيب مسعاه، إلا من عاش إشراقة النفس، أو خبِرها قليلاً بصورة ما، أو هدأة البال صحبة الآخرين. رحلتَ، ولعلك كغيرك ممن سبقوك في الرحيل العظيم، قبل أن ترحل كلياً، لأنك، كغيرك ممن أشرت إليهم، أحبة، مضيافين بودهم، جديرين بالكلام الحسن ليس إلا، كنت تعيش هذه اللحظة المفتوحة، وإن لم تخبِر عنها أحداً، إنما هو شعور داخلي عميقاً، أن الروح التي خفقت في لحظة ما، ستكف عن الخفقان في لحظة ما. وتلك بلاغة روحك.
لم يعد لي، أيها الأخ الأخ، الإنسان الإنسان، الشيخ الجميل بروحه، إلا أن أقول، ما ينبغي قوله، ليكن مثواك ما يجعل روحك أكثر إشراقة، بنسبها الجنتي، وعزائي لكل من له به، ومن لك به صلة رحم، وصلة أهلية، أو قرابة، أو معرفة فعلية: رجالاً ونساءاً طبعاً.
رحيك أمثالك أيها العالي الروح وساميها، سيجعل الحياة التي تعنينا مشوبة بالمرارة . سوى أن تجلّي خيال روحك المقدّر، والذي يتجذر في متن الروح، سيكون مؤاساة، واستمراراً في الحياة، حتى يكون هناك رحيل أبدي آخر هنا وهناك، وهكذا ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…