أحمد موسى
في هذا الشهر تحديداً، وفي يومه الخامس، قبل خمساً وأربعون عاماً، أجرت الحكومة السورية إحصاءً سكانياً، جرد من خلالها الألوف من الأكراد السوريون من مواطنيتهم السورية فمازالوا لليوم، يعيشون « أجانب » في وطنهم، الذي ولدوا فيه ومن قبلهم آباؤهم وأجدادهم .
وباتوا لا يحملون شيئاً تدل على أنهم ينتمون لأي بقعة في هذا الكوكب الكبير مثل باقي شعوب العالم .
سوى ورقة حمراء، وأخرى بيضاء « مكتومين » واعتبرت الحكومة هذه الدفعة الأخيرة من حاملي هذه الورقة الأخيرة «لاجئين »، ولكن هذه المرة في وطنهم .
وما من مرة في أي حديث يجري مع المسؤولين عن هذا الظلم فيعتبروا على الدوام تلك الورقتين بمثابة مكرمة لهؤلاء الأكراد الوافدين من دول الجوار .
في هذا الشهر تحديداً، وفي يومه الخامس، قبل خمساً وأربعون عاماً، أجرت الحكومة السورية إحصاءً سكانياً، جرد من خلالها الألوف من الأكراد السوريون من مواطنيتهم السورية فمازالوا لليوم، يعيشون « أجانب » في وطنهم، الذي ولدوا فيه ومن قبلهم آباؤهم وأجدادهم .
وباتوا لا يحملون شيئاً تدل على أنهم ينتمون لأي بقعة في هذا الكوكب الكبير مثل باقي شعوب العالم .
سوى ورقة حمراء، وأخرى بيضاء « مكتومين » واعتبرت الحكومة هذه الدفعة الأخيرة من حاملي هذه الورقة الأخيرة «لاجئين »، ولكن هذه المرة في وطنهم .
وما من مرة في أي حديث يجري مع المسؤولين عن هذا الظلم فيعتبروا على الدوام تلك الورقتين بمثابة مكرمة لهؤلاء الأكراد الوافدين من دول الجوار .
شهدت سورية، كغيرها من بلدان المشرق العربي، في بداية الستينيات من القرن المنصرم صناعة النزعة القومية، المتمثلة بالعروبة المنتفخة.
وتجلى ذلك في سلطة تبنت الفكر الشوفيني لمنظرين قوميين غالوا في الذهاب مذهب التعصب العرقي إلى حد أشبه بالخرافة .
أخذ هذا الغلو يزداد بشكل مضطرد في النزوع القومي إلى ما فوق العنصرية التي مجّدت ذاتها وأنزلت على الآخرين، من الشعوب غير العربية بمطرقة السحق المميت.
أحداث 12 آذار 2004 (نموذجاً ).
هذا الجو العروبي القوموي الذي طفح فيه الغلو، أنتجت شخصيات حاقدة، على الشعب الكردي .
فكانت للضابط البعثي السوري طلة فريدة هذه المرة ويدعى محمد طلب هلال، والذي حمل في جعبته مشروعاً « حاسماً » لحل القضية الكردية في سورية.
حيث قدّم مشروعاً متكاملاً إلى السلطة القائمة وقتذاك، والتي هي بدورها رأت فيه علاجاً « ذهبياً » لمشكلة مستعصية .
وتمثل العلاج في سحب الجنسية السورية من الأكراد وإنشاء مستوطنات عربية في المناطق الكردية .
استقدمتهم السلطة قسرياً من محافظة الرقة وحلب بحجة أن قراهم قد غمرتها المياه، على غرار المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين (والكلام منسوب للضابط نفسه )، ومنع الأكراد التكلم بلغتهم الأم، ناهيك الدراسة بها، وتم التضييق على السكان الأكراد في عيشهم ومناطق سكناهم في المدن والقرى لدفعهم وتشجيعهم إلى الرحيل، وتفريغ المناطق من العنصر الغريب حسب تعبير الضابط السيئ الصيت، وذلك بمصادرة أراضيهم وتحويلها إلى مزارع دولة، ولم تكتفي إلى هذا، فقد تم تعريب أسماء الكرد من الجنسين وأسماء المدن والقرى الكردية بحيث صارت تربسبي، مثلاً، القحطانية وتحولت هيمو إلى أم الهنادي .
مرّ هذا المشروع الذي قدمه الضابط ونفذتها السلطة، مروراً يسيراً.
ولم ينتبه أحد إلى طابعه العنصري في المستقبل .
ولم يكن الأمر سوى وضعاً عادياً لا يستدعي المراجعة، دون أن يشجب ويستنكر.
ولم يرتفع أي صوت من قبل الشيوعيين والأحزاب اليسارية العربية في سوريا، بل رحبت أكثر هؤلاء الأحزاب بالعرب المستقدمين اللذين وطنتهم السلطة البعثية في المناطق الكردية وبلغة مكتوبة « هؤلاء أخواننا من العمال والفلاحين العرب » .
وتم البدء بتحويل الأفكار إلى أعمال على أرض الواقع .
والغريب بأنه لم ينتبه أحد أيضاً إلى أنهم ضحايا في لعبة شوفينية قذرة، ولم يفكروا في الآثار المدمّرة التي ستلحق بالقادمين وعلى القادمين إليهم .
من حيث تأصيل العداوة والكراهية المتبادلة .
جرد مائة ألف كردي من جنسيتهم فلم يخلق هذا القرار أي ردّ فعل.
لا في الداخل ولا في الخارج.
وهذا الصمت زادت السلطة من مشوارها الجنوني مع العروبة المنتفخة التي ملئت المنطقة زعيقاً عن الأمة العربية والرسالة الخالدة والوحدة العربية .
بينما بقي الأكراد السوريون في الزاوية المهملة من أقصى الشمال .
ويعيش على الجانب الآخر من الحدود أكراد العراق وتركيا .
وفي كل مرة وحقبة بدوا هؤلاء الأكراد في مناطق سكناهم بمثابة حقلا لتجارب النزعة العنصرية بحقهم .
الأنفال في العراق ضد الأكراد مثالاً .
وارتفع مستوى التطهير العرقي في أيام المقبور صدام حسين من مستوى تبديل أسماء البشر والقرى والمدن، والترحيل، إلى الإبادات الجماعية بكل الأدوات والوسائل، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية).
الأكراد كانوا ضعفاء والسلطة كانت قوية .
فباشرت السلطة بلعبة القوي الذي لا يملك الرحمة إطلاقاً .
والضعيف الذي لم يجد السند.
فخلقت السلطة مناخاً استئصالياً ضد الكرد العزل كانت أشبه بالجحيم .
الأكراد يفتقدون إلى السند كعادتهم، بل وكان الجميع ضدّهم وضد وجودهم .
وما أن تحركوا حتى كان ثمة من يطاردهم ويلاحقهم وأخيراً يعالجهم بالموت.
في سورية والعراق وتركيا وإيران .
القائمون على السلطة صيادون أقوياء والكرد ضحية غلب على أمرها .
الكرد السوريون، كما في غيرها، من البلدان التي تقاسمت كردستان عبر اتفاقية سايكس بيكو بقوا مادة سهلة لتجريب أسوأ نزوات العنف السلطوي ضدهم، فلم يكن هناك من القوى الكبرى من يحاسب هذه السلطة على النزعة الاستئصالية .
ولم يرتجف قلب السلطة من بكاء ضحاياها.
بل على الدوام كانت تخاف شيئاً واحداً وهو، حينما يصطدم عنفها بعنف مضاد أو حين تدرك أن سلطة أقوى منها ستمدّ يد العون للكرد الضحية .
لكن الكرد افتقدوا يد العون وكذلك إلى العدل والأخلاق.
وفي نفس الوقت الجميع كانوا ينادون بضرورة إنصاف الفلسطينيين والالتفات إلى حقوقهم واعترض الجميع على ممارسة التعسف العنصري بحقهم .
بينما على الجانب الآخر كانت أحوال الأكراد المأسوية تقابل بالصمت، بل بالازدراء.
وتجلى ذلك في سلطة تبنت الفكر الشوفيني لمنظرين قوميين غالوا في الذهاب مذهب التعصب العرقي إلى حد أشبه بالخرافة .
أخذ هذا الغلو يزداد بشكل مضطرد في النزوع القومي إلى ما فوق العنصرية التي مجّدت ذاتها وأنزلت على الآخرين، من الشعوب غير العربية بمطرقة السحق المميت.
أحداث 12 آذار 2004 (نموذجاً ).
هذا الجو العروبي القوموي الذي طفح فيه الغلو، أنتجت شخصيات حاقدة، على الشعب الكردي .
فكانت للضابط البعثي السوري طلة فريدة هذه المرة ويدعى محمد طلب هلال، والذي حمل في جعبته مشروعاً « حاسماً » لحل القضية الكردية في سورية.
حيث قدّم مشروعاً متكاملاً إلى السلطة القائمة وقتذاك، والتي هي بدورها رأت فيه علاجاً « ذهبياً » لمشكلة مستعصية .
وتمثل العلاج في سحب الجنسية السورية من الأكراد وإنشاء مستوطنات عربية في المناطق الكردية .
استقدمتهم السلطة قسرياً من محافظة الرقة وحلب بحجة أن قراهم قد غمرتها المياه، على غرار المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين (والكلام منسوب للضابط نفسه )، ومنع الأكراد التكلم بلغتهم الأم، ناهيك الدراسة بها، وتم التضييق على السكان الأكراد في عيشهم ومناطق سكناهم في المدن والقرى لدفعهم وتشجيعهم إلى الرحيل، وتفريغ المناطق من العنصر الغريب حسب تعبير الضابط السيئ الصيت، وذلك بمصادرة أراضيهم وتحويلها إلى مزارع دولة، ولم تكتفي إلى هذا، فقد تم تعريب أسماء الكرد من الجنسين وأسماء المدن والقرى الكردية بحيث صارت تربسبي، مثلاً، القحطانية وتحولت هيمو إلى أم الهنادي .
مرّ هذا المشروع الذي قدمه الضابط ونفذتها السلطة، مروراً يسيراً.
ولم ينتبه أحد إلى طابعه العنصري في المستقبل .
ولم يكن الأمر سوى وضعاً عادياً لا يستدعي المراجعة، دون أن يشجب ويستنكر.
ولم يرتفع أي صوت من قبل الشيوعيين والأحزاب اليسارية العربية في سوريا، بل رحبت أكثر هؤلاء الأحزاب بالعرب المستقدمين اللذين وطنتهم السلطة البعثية في المناطق الكردية وبلغة مكتوبة « هؤلاء أخواننا من العمال والفلاحين العرب » .
وتم البدء بتحويل الأفكار إلى أعمال على أرض الواقع .
والغريب بأنه لم ينتبه أحد أيضاً إلى أنهم ضحايا في لعبة شوفينية قذرة، ولم يفكروا في الآثار المدمّرة التي ستلحق بالقادمين وعلى القادمين إليهم .
من حيث تأصيل العداوة والكراهية المتبادلة .
جرد مائة ألف كردي من جنسيتهم فلم يخلق هذا القرار أي ردّ فعل.
لا في الداخل ولا في الخارج.
وهذا الصمت زادت السلطة من مشوارها الجنوني مع العروبة المنتفخة التي ملئت المنطقة زعيقاً عن الأمة العربية والرسالة الخالدة والوحدة العربية .
بينما بقي الأكراد السوريون في الزاوية المهملة من أقصى الشمال .
ويعيش على الجانب الآخر من الحدود أكراد العراق وتركيا .
وفي كل مرة وحقبة بدوا هؤلاء الأكراد في مناطق سكناهم بمثابة حقلا لتجارب النزعة العنصرية بحقهم .
الأنفال في العراق ضد الأكراد مثالاً .
وارتفع مستوى التطهير العرقي في أيام المقبور صدام حسين من مستوى تبديل أسماء البشر والقرى والمدن، والترحيل، إلى الإبادات الجماعية بكل الأدوات والوسائل، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية).
الأكراد كانوا ضعفاء والسلطة كانت قوية .
فباشرت السلطة بلعبة القوي الذي لا يملك الرحمة إطلاقاً .
والضعيف الذي لم يجد السند.
فخلقت السلطة مناخاً استئصالياً ضد الكرد العزل كانت أشبه بالجحيم .
الأكراد يفتقدون إلى السند كعادتهم، بل وكان الجميع ضدّهم وضد وجودهم .
وما أن تحركوا حتى كان ثمة من يطاردهم ويلاحقهم وأخيراً يعالجهم بالموت.
في سورية والعراق وتركيا وإيران .
القائمون على السلطة صيادون أقوياء والكرد ضحية غلب على أمرها .
الكرد السوريون، كما في غيرها، من البلدان التي تقاسمت كردستان عبر اتفاقية سايكس بيكو بقوا مادة سهلة لتجريب أسوأ نزوات العنف السلطوي ضدهم، فلم يكن هناك من القوى الكبرى من يحاسب هذه السلطة على النزعة الاستئصالية .
ولم يرتجف قلب السلطة من بكاء ضحاياها.
بل على الدوام كانت تخاف شيئاً واحداً وهو، حينما يصطدم عنفها بعنف مضاد أو حين تدرك أن سلطة أقوى منها ستمدّ يد العون للكرد الضحية .
لكن الكرد افتقدوا يد العون وكذلك إلى العدل والأخلاق.
وفي نفس الوقت الجميع كانوا ينادون بضرورة إنصاف الفلسطينيين والالتفات إلى حقوقهم واعترض الجميع على ممارسة التعسف العنصري بحقهم .
بينما على الجانب الآخر كانت أحوال الأكراد المأسوية تقابل بالصمت، بل بالازدراء.
وأخيراً وجد الكرد السوريون بعد أحداث 12 آذار من يهتم بهم .
ونهض هذا الانتباه من واقعهم حيث شرعوا يظهرون للعالم والملأ ما تختزنه نفوسهم من قهر وظلم يومي، الفتها خلال يومياتهم المأساوية رغم مرارتها .
لم يأتي هذا الشروع إلا نتيجة سنوات طويلة من الكبت والقمع والإهمال، والذي فجرّ آذاراً دامياً .
ترك على جبين الحاقدين وصمة عار بارزة .
أمل الأكراد السوريون ألا يكون الاهتمام موسمياً، ينتهي بانتهاء المسببات فيطوى ملفهم ويلفهم النسيان مرة أخرى كما حدث أكثر من مرة.
كما أنهم يأملون ألا يختزل قضيتهم العادلة كله في إعادة للبعض ممن سحبت منهم الجنسية .
فالمسألة أكبر من ذلك إنها قضية أرض وشعب يعيش على أرضه التاريخية، ومسألة الحقوق القومية لشعب حرم منها على الدوام .
ونهض هذا الانتباه من واقعهم حيث شرعوا يظهرون للعالم والملأ ما تختزنه نفوسهم من قهر وظلم يومي، الفتها خلال يومياتهم المأساوية رغم مرارتها .
لم يأتي هذا الشروع إلا نتيجة سنوات طويلة من الكبت والقمع والإهمال، والذي فجرّ آذاراً دامياً .
ترك على جبين الحاقدين وصمة عار بارزة .
أمل الأكراد السوريون ألا يكون الاهتمام موسمياً، ينتهي بانتهاء المسببات فيطوى ملفهم ويلفهم النسيان مرة أخرى كما حدث أكثر من مرة.
كما أنهم يأملون ألا يختزل قضيتهم العادلة كله في إعادة للبعض ممن سحبت منهم الجنسية .
فالمسألة أكبر من ذلك إنها قضية أرض وشعب يعيش على أرضه التاريخية، ومسألة الحقوق القومية لشعب حرم منها على الدوام .