فرحان كلش
بين فينة وأخرى يخرج علينا حامل صفة دكتور أو مفكر أو ضابط أو حتى حرامي من جلباب نمط علاقات إنتاج متخلفة، وتحديداً من الدول الأربع العاملة كدرك على بوابة التاريخ الكردي تشوهه وتنكره وتفتت أواصره ليلقي في البئر الكردي حجراً، عله يدون اسماً كمناضل في دفاتر العاهات الفكرية والأخلاقية كمعارض للمشروع التي يحلم به الكردي، يقدم نفسه كمهشم لإمكانية أن يضحى الكردي متحرراً من الطلاسم الفكرية لثوار من خشب.
منذ فترة يظهر علينا الدكتور كمال اللبواني بكثافة على وسائل التواصل الإجتماعي ليضيف شكلاً مستحدثاً لعملية إنكار الوجود الكردي وأحقيته في التحرر من سلسلة أحقاب الظلم التي تواترت عليه.
خطابه يحتوي على مضامين كل من سبقه في إنكار وجود الكرد، ويتميز عنهم بالدوغمائية والكثير من المفردات المنمقة التي تشكل الإطار المضلل لجوهر خطابه، وآخر ما أتحفنا به توصيفه للوجود الموضوعي للكرد كنمط انتاج زراعي -رعوي- بدوي، والذي أعرفه أن كل الشعوب جزء منهم يعمل بالزراعة وجزء بالرعي وهناك بداوة والكرد ربما من أقلهم في هذا، و ينسى أن الكرد كغيرهم طبقات وفئات اجتماعية لا يصلح فيهم هكذا توصيف شمولي وعام وقطعي، وليس هناك شعب ليس نمط إنتاج ما وهذا ليس نقيصة ولا يجب البناء عليه لإنكار حالة جمعية قومية لشعب ما،ولم يكتف بذلك بل وصفهم ببدو الجبال وبدو الزراعة، حقيقة مدهش هذا الدكتور خاصة وهو يتفلسف بمفاهيم غريبة كبدو الزراعة، و لم يوضح الرابط بين البداوة والزراعة، وكيف تعيش البداوة في الزراعة، ويغوص في التحليل المضلل و يسبق الشوفينية التركية، حيث قارب توصيفها للكرد (أتراك الجبال)، حينما أعادنا الدكتور الحداثوي المنفتح حد بلع الحقيقة دون رشفة شك إلى مصدر التركي ذاته ولكن كأركيولوجي هذه المرة، حيث يشخص بحقد بيّن بأن من طُرد من الكرد(دون أن يكلف خاطره ويقول من هم الذين طردوه ومن أين) إلى الجبال هم أكراد والذين سكنوا المدن صاروا قوميات أخرى.
يعني ذلك أن الدكتور لا يعترف إلا بكرد الجبال، أما الذين يسكنون المدن فهم أُستعربوا وأُستتركوا وتفرسوا ،قاصداً بذلك نزع صفة القومية عنهم، ضارباً بعرض رأسه كل مقومات القومية التي يمتلكها الكرد ،وإدخالهم حقبة ما قبل تشكل القومية، والتعامل معهم على أساس هم مجرد نمط إنتاج متخلف،ومن الطبيعي أن يتعاطى الدكتور كمشخص إنساني النزعة مع هذه الحالة ويحاول تغيير هذا النمط وإدخاله في نمط انتاج أرقى أو دمجه وجوديا وإقتصاديا في المحيط والذي من المفروض قد دخل الرأسمالية والحداثة وما بعدها كتشكيلة اقتصادية-اجتماعية.
ولكن هل سأل الدكتور نفسه أهم سؤالين من الممكن أن يُطرحا عليه،أولهما هل العرب أيضاً مجرد نمط إنتاج رعوي-عشائري ولم تتشكل القومية العربية بعد، فضلاً عن الأمة؟
والثاني ألا يعتقد الدكتور أن الأكثريات المتخلفة الرعوية والعشائرية التي تكبل الكرد تحت مسميات مختلفة وضمن أطر جغرافية مصطنعة هي المسبب الرئيس في تحديد المستوى الإقتصادي-الإجتماعي للكرد وعرقلة تطورهم الطبيعي والموضوعي؟
إذاً في كل الأحوال، من المنطق أن يفكر الكرد بالنجاة من مركبة تُشد نحو الخلف، مركبة سوريا التي أغلب مفكروها وثوارها لا يقبلون بالكردي إلا بقوانين أحقية الأكثرية كحاكمة والأقلية كرعية، عقلية الوصي المفكر والمتلقي الجاهل بالحقيقة، والعراق الغارق في حرب الطوائف وتحلم بديكتاتورها كي يعيدهم إلى حكم الرجل القومي البطل، وتركيا وإيران سيدتا التدمير الطائفي بامتياز السنّي والشيعي توالياً.
ولكي نفهم التاريخ حقيقة علينا أن نعترف بانماط إنتاج مختلفة، مرتكزاها قوى الإنتاج والتي هي الأدوات والوسائل بمعناها المادي بما فيها قوة العمل، ومجموعة المهارات والمعارف التي بلغها الإنسان، وعلاقات إنتاج كمجموعة روابط محددة في المجتمع وفق توزيع وتقسيم العمل وخلق السلع، وهذان العاملان هما محددا نمط الإنتاج بالأخير،وهذا ليس خاصية كردية فقط إنما خاصية مجتمعية شاملة، وهذا لا يعيق بزوغ الروح القومية لدى مجموعات بشرية نتيجة جملة عوامل تدفعهم صوب الإلتجاء إلى حالتهم الخاصة والمميزة، ففكرة القومية العربية مثلاً انبثقت من نمط انتاج بدوي-عشائري في صحاري شبه جزيرتهم القاحلة، واستطاع رجل واحد النبي محمد(ص) أن يحولهم إلى دولة وإمبراطورية مترامية الأطراف، ثم انبرى منظروا القومية العربية لاحقاً في اعتبار كل من يتكلم اللغة العربية فهو عربي وإن تطلب ذلك استعمال العنف والضم القسري، متجاوزين الأوائل منهم الذين كان لديهم تصنيفات أرقى قياساً بالتباين التاريخي من التي نشهدها الآن، فكانوا يقولون مثلاً بالعرب والعجم، للتفريق بين الجماعات البشرية المتعايشة بالجوار، وهنا يستمد الدكتور مفهومه عن الانصهار القومي من هذه الفزلكة الفكرة بالذات الرافضة لكوننا شعوباً تحتاج التعايش معاً، ليضع نفسه ضمن رهط منكري الوجود الكردي بالعموم، و الدكتور يعرف أن الأنظمة فرملت التطور الموضوعي للمجتمع وأقامت علاقات إنتاج مشوهة وقسرية كي لا تعبّر موضوعياً عن نمط الإنتاج القائم، ومن هنا فإن المجتمعات لا تتحمل المسؤولية إلا بعدم وعيها للواقع ولهذا أيضاً مسبباته، ثم أنه سورياً يمكنني القول بوجود عدة علاقات إنتاج كأساس مكون لنمط الإنتاج ذاته تعمل معاً في المجتمع الكردي، وبالتأكيد (البداوة الزراعية) ليست منها، فلا عبودية بالمعنى الكلاسيكي للفكرة، ولا وجود إلا على نطاق محدد اقطاعية في الريف الكردي، فقط تتواجد جملة علاقات تعاقدية رأسمالية مشوهة، تهدف ربط نمط الإنتاج القائم بمصالح البرجوازية البيروقراطية والطفيلية للدولة المنهوبة، ومما ينبثق عن ذلك من علاقات إنتاج لا تعيق بالتأكيد ظهور الفكر القومي، بل ساهمت في تبلوره كردياً.
أن تفصيل الواقع وفق هوى السياسة مشكلة يعاني منها المفكرون العرب بجلّهم، وهذا يدل بسطوع على أنهم لم يتخلصوا بعد من العفلقية والأرسوزية العنصرية ومازالوا يعيشون ضمن علاقات إنتاج متخلفة، ورغم الصورة الديمقراطية التي يلفون أحاديثهم بها ولكنهم يبقون أبناء عصر ماقبل قيم الديمقراطية، بل يعطوها لبوس بدائي وينظرون إليها من منظور حرية المملوك في البقاء على قيد القوة كي يخدم سيده، ويسحبون هذا سياسياً على علاقتهم بمجموعة بشرية (كرد) مختلفة عرقياً ولغوياً وتاريخياً عنهم، ويجبرونهم على الخضوع لحكم عشيرتهم وطائفتهم.
إن الدكتور اللبواني مهما زار أمريكا أم الديمقراطية وإسرائيل زرعة ديمقراطية الشرق كما يصف البعض، لن يستطيع أن يتخلص من عقلية التملك والسيطرة التي ورثها عن مجتمعه.
أن الواقع الكردي يشير بوضوح إلى تشكل وعي قومي واضح الدلالات لديه، وشعور بالانتماء لجماعة إلى أرض ولغة وتاريخ، وما عشرات الثورات التي قام بها هؤلاء الكرد إلا تعبير عن اكتمال روح القومية لديهم، ولكن يحاول اللبواني كأخطر من تناول الواقع الكردي أن يأخذ القضية الكردية دائماً منحى مشوش، وأن يضع ممحاته على كل الحقائق التي تفحمه وسواه بالوجود الكردي الموضوعي رغم تضليله كما عمل ويعمل على ذلك الكثير غيره.