(متى نفهم) السياسة لعبة المصالح

مروان سليمان*

 
لا يزال الكثيرين ينظرون إلى الأوضاع المأساوية بنظرة مثالية إلى الواقع المعاش و يخلطون ما بين السياسة و الأخلاق و يضعون لها القواعد الأخلاقية و المثالية و مع أنهم يصطدمون بالحقيقة الصعبة بأن السياسة هي عبارة عن مجموعة من القواعد لتجميع المصالح و ليست فيها أية قواعد للأخلاقيات و المثاليات التي ينادي بها الكثيرين و يرددونها ليلاً و نهاراً.
في الأزمات بين الدول تتصرف كل دولة حسب مصالحها حتى لو تعارضت مع المبادئ و القيم و الأخلاقيات و تختلف عما هي لدى الشعوب المتخلفة التي تحللها على أساس الأفراد و أمزجتهم و قد يتحول إلى حالة صراع أو خلاف و التي تسخر كل أجهزة أعلامها نحو ترويج كل ما يسئ إلى تلك الأنظمة و سلوكيات الدول غير آبهين بما يخبئه المستقبل و الدخول في حالة الإستقطاب الحاد.
عند التصرف بشكل موضوعي مع الأحداث و الإنحياز إلى الجانب الإنساني في القضية مطلوبة يجب علينا أن نعلم جيداً بأن هذه المواقف ليست لها مصالح مع هذا الطرف أو ذاك و بعيدة عن الدخول نحو الصراع و بالتالي يكون موقفها مبدئياً و محترم و لكن هذه الفئة قليلة و نادرة بالقياس مع الأحداث و المواقف التي تتبناها الدول.
صحيح نحن نحلم بعالم يعمل و يتصرف على أساس الأخلاق و المبادئ و المثل العليا و لكن هل يحق لنا أن ننتقد كل من يتصرف على أساس مصالح دوله و شعوبه؟ و هنا يجب أن نكون واقعيين بأننا لا يمكن أن نلوم دولة أو نظاماً أتخذ موقفاً داعماً لهذا الطرف و لكنه يتعارض مع رؤويتنا و مصالحنا و هنا لا بد أن نستنتج بأنه لا خلاف بحلم لا تصطدم فيه المصالح بالمبادئ و حتى إذا حدث فيجب أن تكون بطريقة معقولة و أقرب إلى الواقع.
المشكلة الكبرى في مجتمعاتنا بأن الجميع يحترفون السياسة و أخذوا منها هواية ومهنة، يتكلمون فيها و يفتون بما لا يعلمون و ليست لهم أية خبرة و يرددون الشعارات و الخطابات منذ عشرات السنين بدون أية نتائج تذكر حتى ضاع الوطن بسبب فلسفتنا الفاضية لقضاء الوقت و ملئ الفراغ منه أولاً و بسبب خلافاتنا التي ليست لها حدود و ليست لها حلول أيضاً .
سياستنا يجب أن تخدم مصالحنا و محاولة الحصول على ما نستطيعه بكل الأساليب الممكنة إنها لعبة للمواجهة و التحضير لهذه المواجهة لا بد منه بشكل جيد و التمتع بقدر عال من الدبلوماسية و المرونة في المواقف و تقديم الممكن من أجل الحصول على غير الممكن و لا يجب أن يكون هدفنا هو أخذ بما هو موجود بل العمل على الوصول إلى مكاسب جديدة.
العلاقات بين الدول تقوم على أساس المصالح المشتركة و قد تتبدل هذه المصالح و العلاقات من زمن إلى آخر و من خلال ذلك تبنى التحالفات و العلاقات الجديدة، نقاش بدون كلام و كلام بدون حروف و ممارستها لا تحتاج إلى مناقشات طويلة لأن المصالح هي التي تحرك الجيوش و الطائرات و الأساطيل للحصول على أكبر قدر من المكاسب قد تكون لصالح الشعوب أو لصالح الحكام و الأهم من كل شئ علينا أن نكون داخل اللعبة و ليست خارجها لأننا لا نستطيع معاداتهم و هذا يعني بأننا أصبحنا من الضعف بمكان يجعل التخلص منا سهلاً و بعيداً عن تلك اللعبة، و ليس من الممكن المراهنة على أنظمة استبدادية لا علاقات لها بالديمقراطية عدا الشعارات الموسمية و التي تنتهي صلاحياتها إما بالفتاوي الدينية أو بالإنقلاب على الدستور كما حصل في تركيا مع حكم أردوغان الذي لجأ إلى تشديد الإجراءات الأمنية و تقليص مساحة الحريات و الحقوق و الإبتزاز و الترهيب..
ختاماً علينا أن ندرك بأن المصالح الوطنية لا يحققها إلا أناس وطنيون و وسط زحام أصحاب المصالح يغيب الشرفاء عن الواجهة الذين وهبوا حياتهم خدمة لمجتمعهم و شعبهم و سرعان ما تم نسيانهم و أصبحوا في عيون أصحاب المصالح  الذين يتوددون و يتمسحون من أصحاب المال و الجاه طمعاً في تحقيق مآربهم مجرد أسماء لا محل لها من الإعراب.
نستخلص من هذا كله بأن أصحاب المصالح الشخصية أصبحت تتحكم في سلوك الناس و يضعونها في منزلة الحقوق مع حذف مفهوم المصلحة العامة من دفاتر الواجبات و لا يهم أن يعمل من أجل المكاسب الجماعية بل الأهم هو إستغلال الظروف و العلاقات من أجل مكاسب شخصية و هذا هو سبب وصول مجتمعاتنا إلى الفوضى و إنتشار الأنانية و الإنتهازية و حتى الإحتيال و الإنحراف و كلها أسباب أشعلت الصراعات على المناصب و يسابقون الزمن لكي ينغمسوا فيها أكثر.
*السلك التربوي- المانيا
14.02.2021
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…