تَكمنْ مشكلة السوريين في ارتباطها بطبيعة الدولة التي حَكمتهم لعقود، واخلالِها بالعقد الاجتماعي (الدستور) فبدلاً من ان تحمي هذهالدولة حقوق الناس والمصالح الوطنية العليا، حكمتهم بالاستبداد والفساد وحكم الفرد وغياب القانون، واستخدام كافة اساليب القهروالبلطجة وسلبْ الحقْ في المواطنة المتساوية والمشاركة واختيار ممثليهم في الحكم، ما دفع الناس للنزول الى الساحات والمطالبة برحيلالنظام واسقاط رموزهِ ومرتكزاتهِ بكل فساده وظلمه ولا وطنيته.
لقد حصلت خلال الفترة المنصرمة الكثير من الاحداث سواء على صعيد المعارضة ام على صعيد تموضعات القوى السياسية المتصارعة فيسوريا وعلى سوريا، فالقوى الاقليمية تحاول ان تتموضع من جديد حسب موقع السياسة الامريكية الجديدة في ادارة الصراع ، لان الكلبانتظار اعلان هذه السياسة التي باتت تُثير لديهم الكثير من الحساسيات، بسبب عدم رضى الادارة الامريكية الجديدة على سياسة تركيافي سوريا ، وتجاه روسيا وايران ايضاً، اضافة الى محاولات الدخول على خط الصراع من محور الخليج- السعودية – التطبيع مع اسرائيل.
ان عملية خلط الاوراق التي تمت عقب فوز جو بايدن بالرئاسة الامريكية دفعت الى ظهور تموضعات جديدة ، وفرضت على الاطراف المحليةان تشحذ قواها وترتب اوضاعها استعداداً للمرحلة الجديدة .
اذاً نحن امام لحظة من انفجار الصراع وانكشاف المعارضة السورية واطرها وخاصة تلك التي تعاني من خلل بنيوي ومن ارتهانات اقليميةاو دولية، وقد تكون كعب اخيل قد يودي بها.
الرسالة المقدمة من منصات هيئة التفاوض الى المبعوث الدولي غير بيدرسون والقرار السعودي بإيقاف رواتب موظفي الهيئة ومحاولات دورروسي جديد يحاول ان يستنهض نفسه ويفرض واقعاً عنيداً في سوريا ، ما هو الا خلط للأوراق بمواصفات جديدة ، وانفجار للصراع الخفيالعلني ، ولمعاناة السوريين اللامحدودة .
روسيا حريصة على تعويم النظام من خلال ثلاثي استانا بكل الوسائل والطرق لضمان مصالحها، ، فقد وقعت مع النظام عشرات العقودوالاتفاقيات وتعاملت معه كطرف شرعي ، رغم كل ما فعله بحق سوريا وابنائها ، لكن مصالح روسيا والاسد تبدو متحدة اليوم ، وكما نعلمفان الدول تتعامل بالمصالح لا بالعواطف والمبادئ.
ورغم ذلك فقد شهد العام المنصرم مستوى اقل من العنف مقارنة مع ما سبقه من سنوات الحرب في سوريا ، اضافة الى استفحال انتهاكاتحقوق الانسان وخاصة في مناطق عفرين وكري سبي وسري كانيه ، وتفاقم الازمة الاقتصادية الناتجة عن انخفاض سعر الليرة وخلقالازمات (الخبز…المحروقات …)، وسيطرة اقتصاديات الحرب والسمسرة ، وغياب الانتاج ، وهي امور دفعت الى استمرار حالة عدمالاستقرار، وتمسك المجموعات المسلحة بمطالبها ومناطق سيطرتها ، بما فيها السلطة السورية التي باتت تسيطر هي الاخرى على رقعةمحدودة كباقي المجموعات الاخرى ، ولم يعد بوسعها السيطرة والاستمرار في تقديم الخدمات الضرورية ، وتأمين الحد الادنى من العيشللسوريين ، نتيجة الهوة الواسعة بين الاسعار والاجور، وغياب القطاعات الانتاجية ، وتفكك المجتمع وتقويض ركائزه الاجتماعية والاخلاقية ،وهي علامات على تحول سوريا الى دولة فاشلة بكل المعايير ، وانها لن تستعيد عافيتها لسنوات وربما لعقود.
ان استمرار المسار الحالي سيؤدي الى مزيد من التعفن والاستنقاع وزيادة معاناة الشعب السوري، وانتشار التطرف والارهاب على نطاق واسع، والى نشوء موجة لجوء جديدة باتجاه الدول الاوربية.
في ظل الوقائع العنيدة السابقة، وعدم القدرة على تنفيذ الحل السياسي عبر القرار 2254 وامام تعنت السلطة وروسيا ومن خلفهما ايران، واحتلال تركيا لأراض سوريا، تحاول هذه القوى ضمان مصالحها، وعقد صفقات سياسية واقتصادية ، مما يعقد المسالة السورية ، ويغلقالباب امام أي حل وطني سوري ، التكتيك الدائم للنظام هو كسب المزيد من الوقت لخلق وقائع واحداث جديدة ، تمكنه من الوصول الىالانتخابات الرئاسية، من دون تحولات قد تدفعه الى تقديم تنازلات حقيقية، وهو التكتيك الذي يلجأ له من خلال وضع عقبات في وجه سيرمناقشة المضامين الدستورية ، وطرح نقاط خلافية على جدول اعمال اللجنة الدستورية في كل جولة جديدة، وبالتالي فإننا لا نرى اية جدوىمن استمرار عمل اللجنة الدستورية دون العودة الى مناقشة هذه المضامين.
في المقابل يتأمل السوريون من الادارة الامريكية الجديدة مزيدا من الدعم والتدخل للإسراع في التسوية السياسية ، ودعم المناطق التيتراجع فيها العنف وباتت تعيش نوعا من الامن والاستقرار، وصيانة البنى التحتية واصلاح شبكات المياه والكهرباء والمواصلات، والبدءبعملية اعادة الاعمار، واعادة المهجرين الى ديارهم وبالأخص من تركيا وكردستان العراق.
لا يمكن لهياكل المعارضة القائمة ان تحقق الحد الادنى من طموح الشعب السوري، لان البعض منها مصاب بنوع من انعدام الوطنيةالسورية ، فهي بنى مختلة، تعتمد على ردات الفعل ، وتتماهى مع الاملاءات الاقليمية والدولية، وترتبط بهما وظيفياً ، في ظل غياب الرؤىوتقاسم الصفقات والركض وراء بعض المكاسب.
كردياً: فان استمرار المفاوضات واعتبارها جزء اساسي من العملية السياسية الاوسع بموجب القرار 2254 وتأمين مستقبل اكثر اشراقاللسوريين، يعتبر تحولاً وتجذيراً للموقف الامريكي تجاه القضية الكردية السورية ، رغم توقفها “مؤقتاً” بسبب بعض الممارسات (حرقالمكاتب – الاعتقالات ..) والتصريحات بحق لشكري روج من قبل رئيس وفد التفاوض في احزاب الوحدة الوطنية – مدانة في كل الاحوال – ،واخيراً اعتقال مدرسي عامودا وكركي لكي والتي لا تخدم القضية الكردية ، ولا سبل الاتفاق والعمل المشترك.
ان تيار مستقبل كردستان سوريا يؤكد على المهام المستعجلة لجدول اعمال الكرد السوريين وقواهم الوطنية والديمقراطية والتي يمكنتلخيصها في النقاط التالية :
1. تمتين التنسيق مع الجانب الامريكي كقوة عظمى ومهيمنة ، وذات تأثير مباشر في الوضع السوري عامة وفي مناطق شمال شرق سورياخاصة .
2. التمسك بالمفاوضات الكردية ووقف الممارسات والحملات الاعلامية بحق المجلس الوطني الكردي وتشكيل المرجعية الكردية بعد اعلانالاتفاق النهائي .
3. فتح قنوات حقيقية للحوار والعمل مع المعارضة السورية الرسمية ، والمجتمع الدولي عموما ، وخاصة اوروبا.
4. مشاركة كافة المكونات ومنظمات المجتمع المدني في اتخاذ القرار وفي كل ما يخص مستقبل المنطقة.
5. تعزيز العلاقة مع الجماهير من خلال الحوار والتفاعل ، ومحاولة جذبها واشراكها في العمل السياسي ، وفي اللعبة الديمقراطية .
6.”التحليل الملموس للواقع الملموس “، وجدولة بنك الاهداف و بما يتوافق مع موازين القوى والوقائع العنيدة ، وبناء علاقات طبيعية مع دولالجوار .
7. التأكيد على وطنية القضية الكردية في سوريا ، لأنها جزء اساسي من القضية الديمقراطية فيها ، فلا ديمقراطية ولا وطنية في سوريادون الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي فيها.
ان تيار مستقبل كردستان سوريا يؤكد انه لا بديل عن الحوار والتوافق والعمل المشترك، وتشكيل جبهة سورية عريضة على اساس الاعترافالمتبادل والمشاركة الواسعة ، لبناء دولة تعددية ديمقراطية حديثة ، تصون حقوق الانسان وتعتمد المواطنة المتساوية اساسا في علاقاتها معمواطنيها، دون تمييز بسبب اللون او العرق او الجنس او الدين .
تيار مستقبل كردستان سوريا
الهيئة التنفيذية
قامشلو 8-2-2021