ثنائية تعطيل المسار الدستوري السوري

موسى موسى

منذ الدورة الأولى لجلسات اللجنة الدستورية التي بدأت في نهاية تشرين الأول٢٠١٩، والتي توضحت فيها السلوك المعطل لوفد الحكومة لسير الجلسات بسلاسة ويُسُر، كانت المبررات جاهزة لدى الجميع بأنه ولربما تتغير رؤية المجتمع الدولي ونظرتها للأزمة السورية، ويدفعوا بالمسار الدستوري نحو نتائج إيجابية من خلال بعض الضغوطات على النظام للقبول على السير في المسار الدستوري، وخاصة أن اثنين من حلفائه، ايران وروسيا- من ضامني مسار استانا التي تعتبر سلة الدستور إحدى مخرجاته في مؤتمر سوتشي. 
ولكن المبررات لا تنتج نفسها الى مالا نهاية، حيث تكررت الى الحد الذي يصبح فيه تكرار المتكرر ذو نتائج سلبية، بل قاتلة، وخاصة عندما يصل تماهي وفد المعارضة وتماشيها مع التعطيل- الذي يمارسه وفد النظام- الى الحد الذي يضرُّ به، لأن عملية التعطيل هذه هي لتمرير الوقت لصالح النظام لذلك هي بالنسبة له تعطيلاً ايجابياً، أما بالنسبة للشعب السوري فهي تعطيلٌ سلبي، وهذا ما يمارسه وفد المعارضة، وان ملامة وفد المعارضة لوفد الحكومة بالتعطيل يستوجب عليه أن يضع حداً لعملية التعطيل لا أن يسير على خطاه.
بانتهاء الدورة الخامسة التي بدأت الاثنين ٢٥ كانون الثاني ٢٠٢١ ويتكرر نفس المواضيع من الطرفين دون مخرج ايجابي، بل دون مناقشة مبدئ واحد من المبادئ الأساسية التي كان قد تم الاتفاق على مناقشته منذ الدورة الرابعة، لذلك عبّرت المعارضة بأن هذه الدورة ستكون الحاسمة، وستكون بمثابة الدخول الى بوابة الدستور ومناقشة مضامينه بدءً من المبادئ الأساسية، ولكن نفس المواضيع لا زالت تتكرر منذ الدورة الاولى، من شكل الدولة، ونظام الحكم، والفصل بين السلطات، والدين والدولة، وقضايا الحريات، والعدالة الانتقالية، والسلطات، الى الأحكام الانتقالية، هذا الخلط الغريب والعجيب ومحاولة عرض مواد دستور كامل في جلسة واحدة يبعث على الاشمئزاز لدى فقهاء القانون الدستوري والمتعمقين فيه بما له دلالة على الجهل بأبسط قواعد كتابة مسودة دستور لدولة فاقت ضحاياها المليون، ونصف الشعب بين تهجير ونزوح.
ربما، بل من المؤكد ان وفد الحكومة هو سبب إثارة تلك الزوبعة من الغبار لتغطية عيون الطرف الآخر بغشاوة بحيث يفقده بصرٌ وبصيرة، ولكن هذا لا يستدعي مراعاةً ولا استجداء ولا تعاطف ولا طبطبة على كتفه لاحتوائه، فهو ثعلب لا يُحتوى، ومكرهُ ليس دهاءً بقدر ما هو مؤكدّ بأنه قادر على جرّ وفد المعارضة خلفه الى حيث يريد في ظل ممانعة المجتمع الدولي والإقليمي من انسحاب أو تعليق مشاركة المعارضة في الجلسات.
وتشير كافة النوايا بأن عملية التعطيل الإيجابي والسلبي ستتكرر في الدورات القادمة ايضاً ويكون الخاسر الوحيد هو الشعب السوري كما في تعطيل وإجهاض العملية التفاوضية في جنيف منذ عام ٢٠١٢، هذا الواقع الأليم لمسارات الحل السوري سيفرز وضعاً آخر في تجديد عملية استانا دون أن يكون لمعارضة يدٌ فيها ما دام هي بعيدة عن الفعل تجاه كل ما يحدث، ولإنقاذ ما يمكن انقاذه هو أن تبادر المعارضة بوضع حد للمسار الدستوري -حيث كانت الآمال معقودة عليه- بتعليق المشاركة في دوراته القادمة بعد أن تكشفت نوايا وفد الحكومة بالتعطيل اللامتناهي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…