قراءة أولية في مآلات تطور الوضع السوري
بعيداً عن اطلاق الأحكام القطْعيّة ، والتوقعات اليقينيّة ، التي لا تسمح بها مسار الأحداث وتطوراتها ، في عالم متغير وسريع ، وارتباطالوضع السوري بأوضاع أخرى، ذات طبيعة صراعية إقليميّة ودوليّة متعددة ، وتعارض مصالح القوى المُتدخلة في سوريا ، وفاعلية العواملالغير مرئية فيها ، يحاول تيار مستقبل كردستان سوريا ان يتلمّس الأحداث والوقائع من منظور سياسي وتاريخي ، والاقتراب منها ،والغوص في تفاصيلها ، وتفكيك بنيتها الداخلية ، واستنباط الخلاصات العملية منها ، وقراءة المواقف في صيرورة التطور العياني الملموس ،وتناول القضية الكردية في سوريا من منظور وطني سوري ، حيث انخرط في العمل السوري المعارض منذ اللحظات الاولى لتأسيسه ( اعلانبيروت – دمشق )، وفي المراحل اللاحقة أيضاً ، وصولًا إلى الانخراط التام في الثورة السورية ، في وقت كان التردد وعدم المشاركة هو السمةالغالبة لأغلب القوى الكردية.
لا بد ان نقر بدايةً ، بان حل القضية السورية هو دولي- اقليمي بامتياز ، وتحديداً عبر الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية ، وهذاالحل غير متاح في المدى المنظور، فروسيا لا تستطيع ان تُقدّم حلاً يرضي امريكا ، بسبب موقف النظام الذي يطمح بالعودة الى ما قبل2011 وحسم بعض الملفات الاخرى ، ولذلك تلعب روسيا على عامل الوقت ، وتستفرد بوهم حلول ، يُخرِجْ امريكا من المعادلة (سوتشي – استانا – مؤتمر اللاجئين )، رغم الاهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط والجزء الشرقي من سوريا (كردستان سوريا ) بالنسبة للولاياتالمتحدة الامريكية ، لإعادة السيطرة على العراق ومحاصرة الوجود الايراني فيها .
امريكا لم تفكر يوماً بإسقاط النظام ( اوباما- ترامب) ، بل كانت تحاول عبر الضغوط ، دفعه الى تغيير سلوكه ، بما يحقق بعض التغيراتالداخلية المتعلقة بفتح المجال لمزيد من الحريات وقليل من القمع ، إضافة إلى الهدف الرئيسي وهو التطبيع مع اسرائيل وانهاء الصراعالعربي الاسرائيلي .
يعتقد تيار مستقبل كردستان سوريا ، بان الوضع السوري سيتأرجح بين المزيد من التعفّن والانهيارات الأخلاقية والاقتصادية والمجتمعية ،وبين التسوية السياسية التي تقوم على قاعدة الاتفاق بين إرادات جزئية ما دون وطنية مدّعومة بتفاهم اقليمي- دولي في حدها الاحسن ،فالحل السياسي الوطني ، القائم على فكرة الوطنية السورية والفضاء العام ، غير متوفر في المدى المنظور، بسبب وجود ثلاث مناطق نفوذ- مجموعات عسكرية – تمتلك إرادة القوة والسيطرة ، وعلى الأرجح ستخرج التسوية من بين هذه القوى ، وهي : مجموعة السلطة والمجموعاتالداخلية والخارجية التي تدور في فلكها ، ومجموعة الفصائل الإسلامية في ادلب ومناطق الاحتلال التركي ، إضافة إلى قوات سورياالديمقراطية في الجزيرة ، وبين داعميها الاقليميين والدوليين.
من هنا فان صعوبة الحل الوطني السوري يكّمن في الصورة السلبية التي تشكلت للعالم وللسوريين انفسهم (منصات- ميليشيات- فصائل – مرتزقة …الخ ) وقد كان للإسلام السياسي ولتركيا دور رئيسي في خلق هذه الصورة ، اضافة الى بنى الحرب التي تشكلت نتيجة إطالة امدالازمة ، وما تلاها من خلق مجموعات “حربجية” لها مصلحة اساسية في استمرار الصراع وتأجيجه ، عبر ارتباطات إقليمية عابرة للحدود ،بحيث اصبحت هذه المجموعات احدى أدوات الممانعة في وجه انجاز اية حلول سياسية ذات طبيعة تاريخية ، فالنظام اليوم يتموضع فيالجناح الشيعي من الاسلام ، في حين تتموضع المعارضة في الجناح السني منه ، وهذا ما يؤدي الى مزيد من التعقيد ، وصعوبة في السيرعلى طريق الحل الوطني ، لأن طبيعة هذا الحل تتطلب طرد الاسلام السياسي من المجال العام بوصفه – إرادة خاصة – ورفضاً لمبدأ تسيسالدين والتموضع في المحاور.
في ضوء ما تقدم يمكن ان نحدد بعض العلامات الاساسية في المسار السياسي السوري ، وفي المقدمة منها يأتي موقف الولايات المتحدةالامريكية من التسوية السياسية في سوريا ، واستناداً الى هذا الدور ، يرتسم دور القوى الاقليمية ، ودور النظام السوري ، اضافة الىالوجود الايراني والروسي والتركي ، وارتباطات الملف السوري بملفات اساسية اخرى بالمنطقة ، وعدم قدرة المجتمع السوري التعبير عن ذاتهمن خلال قوى ومنظمات حقيقية تستطيع تبني تطلعات كل السوريين ، وتساهم في مسار الحل السوري.
يعتقد تيار مستقبل كردستان سوريا بأن مسار الأحداث في سوريا سيتجه : اما إلى الجمود والمراوحة واستمرار تعفّن الوضع القائم ،وبالتالي إلى مزيد من التشظي والتفسخ ، وهو احتمال مرجح ، في ظل غياب التوافق الاقليمي والدولي ، وعدم وجود قوى سورية فاعلة . واماإلى الاعتراف المؤقت بمناطق النفوذ القائمة فعلياً ، والانتقال بها إلى درجات أعلى ، للوصول إلى تسوية مؤقتة ، تسمح بانسحاب تدريجيللقوى الخارجية ضمن اتفاق اقليمي ودولي إلى حين نضوج حل سياسي او بروز تسوية أفضل، لكن في عالم السياسة هناك مفاجآت غيرمنظورة قد تحدث ، بحيث لا يمكن لأحد ان يحيط بالواقع احاطة كاملة بسبب استحالتها .
إن عدم مقاربة المسألة القومية، وخاصة الكردية، بوصفها جزءًا من الثورة الوطنية والديمقراطية في سورية ، بعيدًا عن الارتهانات الإقليمية،والتزامًا بحل المسألة الكردية والقومية الخاصة ببقية مكونات الجماعات الوطنية السورية حلاً عادلاً، يضمن الاعتراف بحقوق المواطنةالمتساوية للكرد كأفراد، وبحقوقهم الجمعية والقومية كشعب ، في إطار الوطن السوري وإلغاء جميع السياسات والمراسيم والإجراءاتالتمييزية المطبقة بحق جميع المواطنين ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين، وإعلان القطيعة النهائية مع الإجراءات العنصريّةوالسياسات الإنكارية تجاه الكرد وغيرهم، وإعادة بناء الثقافة والهوية الوطنيتين على أسس ديمقراطية، و إنتاج مبدأ المواطنة في العلاقاتالاجتماعية والسياسية.
ان تيار مستقبل كردستان سوريا يتحفظ على ورقة هيئة التفاوض السورية والتي قُدِمَتْ في ختام الجولة الرابعة للجنة الدستورية والتي كانتخلاصة مداخلات اعضاء اللجنة ، ورغم الجهود الكبيرة التي بُذِلَتْ من قبل ممثل المجلس الوطني الكردي في اللجنة الدستورية ، لكن هذهالورقة لم تكن في مستوى الحل الوطني للقضية الكردية في سوريا ، لأنها تصر على فرض هوية جديدة للمجتمع السوري عبر صهرالجميع ، دون أي اعتراف فعلي بحقوق مكوناتها المتعددة ، ناهيك عن عدم اعترافها بحقوق الشعب الكردي ، وبالواقع الذى جرى بحقه منانتهاكات وممارسات ، والنظر اليه – فقط – في اطار حقوق المواطنة ، رغم ان القضية الكردية في سوريا ليست قضية – اقلية قومية – اومهاجرة – ولا يمكن ان تجتزأ أو تختزل بقضية المواطنة وبعض الحقوق الثقافية . فالشعب الكردي في سوريا يعيش على ارضه وفي وطنه ،ومن حقه ان يقرر مصيره وفق العهود والمواثيق الدولية .
لقد تحاشت الورقة الحديث عن شكل الدولة السورية القادمة والتي نقترح أن تكون اتحادية(فدرالية) او أي شكل أخر – سياسي – لامركزي – يضمن ويصون حقوق الجميع ، ويفسح لهم باب المشاركة. فالسوريون لم يجنوا من الدولة المركزية سوى الويلات والكوارث وهي من انتجتالاستبداد والقمع والهيمنة والاستئثار .
لا بد ان تتضمن أوراق هيئة التفاوض السورية ، اعترافا صريحا بالشعب الكردي في سوريا حين كتابة الدستور السوري الجديد ، اضافةالى حقوق باقي المكونات القومية واعتبار لغاتهم وثقافاتهم لغات وثقافات وطنية .
ان الهجوم على مكاتب المجلس الوطني من قبل مجموعات مسلحة تابعة للأجهزة الامنية لحزب الاتحاد الديمقراطي في الدرباسية والحسكةوعامودا ، ومحاولات إحراق سيارة نائب رئيس المجلس المحلي في الدرباسية ، وتهديد عوائل بشمركة روج ، وغيرها من الممارسات – هي محلادانة واستنكار – وتهدف إلى وضع المفخخات والعراقيل في وجه المفاوضات الكردية التي باتت اقرب الى التنجيم منها الى الواقع ، بسببالصعوبات والمواقف المتشنجة ، والتي لا تنسجم مع طبيعة المفاوضات التي يدعمها المجلس الوطني الكردي .
لقد اثبتت تركيا فشلها، في إدارة المناطق التي سيطرت عليها، في انتهاكها للحريات ، ونمط الخطاب المستند إلى مضامين دينية وطائفيةمتعصبة واقصائية.
وفي عفرين وماباتا وصوفان وكري سبي وسري كانية ، لا زالت مجموعات ما يسمى بـ “الجيش الوطني” التابعة للائتلاف ترتكب ابشعالانتهاكات بحق اهالي المنطقة ، وتمارس التغيير الديمغرافي ، وتفرض الاتاوات ، وتستبيح الاملاك وتقطع اشجار الزيتون ، تحت انظارومسامع الدولة التركية والمجتمع الدولي دون أي حسيب او رقيب .
ان تيار مستقبل كردستان سوريا يشجب ويدين هذه الممارسات بحق سكان هذه المناطق ، ويدعو تركيا والمجتمع الدولي الى اخراج هذهالمجموعات ، وتسليم المنطقة الى ادارة منتخبة من اهاليها ، بعد وضعها تحت رعاية وحماية الامم المتحدة . كما يستنكر قصف المدنيينوتهجيرهم في عين عيسى ، نتيجة الهجمات المتواصلة منذ عدة ايام .
تعتبر جائحة كورونا بتداعياتها السياسية والاقتصادية والحياتية الحدث الابرز بحيث ادى انتشارها الى تسريع عدد من التحولات فيالعلاقات الدولية (امريكا- الصين) وتشكل الجائحة تحدياً حقيقياً للأنظمة الديمقراطية ، لان مكافحة الوباء يدفع بالضرورة الى فرض المزيدمن القيود على الحريات الفردية والعامة .
اخيراً يتقدم تيار مستقبل كردستان سوريا بأحر التهاني والتبريكات إلى كل السوريين وبالأخص الاخوات والاخوة المسيحيين في سورياوالعالم بمناسبة حلول اعياد الميلاد المجيدة، ويتمنى ان يكون 2021 عام سلام ومحبة وحرية لجميع السوريين .
تيار مستقبل كردستان سوريا
الهيئة التنفيذية
قامشلو 26-12- 2020