عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
بالتزامن مع محاكمة ثلاثة إرهابيين لنظام الملالي بتاریخ 27 نوفمبر 2020 في محکمة بلجیکیة، حيث قُدِّم لأول مرة دبلوماسي إرهابي للنظام الحاكم في إيران يُدعى “أسد الله أسدي” إلى العدالة في أوروبا وسط ترقب واهتمام عالمي، تردد صدى خبر اغتیال الحرسي محسن فخري زاده المعروف بـ “أبو القنبلة النووية الإیرانیة”، في جميع أنحاء العالم بما یشبه دوي انفجار قنبلة هائل.
ورغم أن أصابع الاتهام فيما یتعلق بجریمة التخطیط لتفجیر التجمع السنوي الکبیر للمقاومة الإیرانیة في عام 2017 بالقرب من باریس، قد توجهت إلی نظام الملالي برمته وإلی جهازه الاستخباراتي بقیادة روحاني وخامنئي، إلا أن وقع خبر اغتیال کبیر العلماء النوویین الإیرانیین، محسن فخري زادة، کان أشد وأقوی علی النظام، لدرجة أن کبار قادة النظام ووسائل إعلامه اعترفوا بالضربة “الثقیلة” و”القاضیة” التي تلقاها النظام!
وقد رأی البعض أن الحرسي فخري زاده یعادل الحرسي المجرم قاسم سليماني مکانة ومنزلة لدی النظام معتبرین اغتیاله في حد اغتیال سلیماني، بینما رآه البعض أقل مکانة منه أو حتی أکثر.
لکن بین هذا وذاك، فإن ردود فعل قادة النظام على حادثة اغتیال فخري زادة تظهر أنه كان من أبرز الوجوه وأهمها في البرنامج النووي الإیراني الذي کشفت عنه المقاومة الإيرانية منذ عدة سنوات.
مع انتشار أولی الأخبار المتعلقة بحادث الاغتیال، بدء الصحفیون ووسائل الإعلام حول العالم في عزف سمفونية غير متوازنة حول ما حدث؛ ماذا؟ من؟ متی؟ أين؟ كيف؟ لماذا و….؟ ولا تزال هذه السمفونية مستمرة!
وکما الحال بالنسبة لخبر هلاك قاسم سليماني، فإن خبر اغتیال فخري زادة هو الآخر قد قسم وجهات النظر بین سعیدة وحزینة وغیر مکترثة بشکل تلقائي. فکانت الفرحة المفرطة من نصیب أولئك الذین يعتبرون النظام الحاكم في إيران معادياً للشعب ويريدون إسقاطه کما یرید الشعب الإيراني! بینما اختار البعض الصمت إزاء الحادث، الذي أحزن البعض الآخر ودفعه إلی وصفه “بالإرهاب” وإدانته! (عارعليهم)
أما کاتب هذا المقال، وهو من أسعد الناس بما حدث، لا تعنیه حالياً الأطياف المختلفة لهؤلاء الأشخاص. ما کان وما سیکون تم تسجيله في التاريخ وسيكون للأجيال القادمة الكثير لتقوله عنه!
لذلك، فإن اقتراحي للباحثين عن منفذ الاغتیال هو أنه بدلاً من البحث عن هویة الفاعل وکیفیة ارتکابه للعملیة وبقیة التفاصیل، أن یفکروا ویرکزوا على المسار الصحيح لسقوط أفظع وأشرس نظام دیكتاتوري شهده القرن! في هذه الحالة فقط، سیساعدهم ضیاء غیر قابل للوصف على رؤية التطورات ودراستها بشکل صحیح والخروج منها باستنتاجات ناجعة.
دفن العالم النووي والدفاعي الإیراني محسن فخري زاده، يوم الاثنين 30 نوفمبر 2020، في شمال طهران بمشاركة مجموعة من القيادات العسكرية والسیاسیة لنظام الملالي الآیل للسقوط.
وعلى هامش دفن جثة فخري زاده، أعاد علي شمخاني، أمين سر المجلس الأعلی للأمن الوطني الإیراني، الکشف عن العقد النفسیة التي یعاني منها قادة النظام جراء سلسلة الفضح للبرنامج النووي الإیراني لتصنیع قنبلة نوویة من قبل مجاهدي خلق، قائلاً:
«لدینا معلومات مهمة بشأن الاغتیال، کما أننا نعلم من یقف وراء هذه المؤامرة وما هو تاريخه. بالتأکید منظمة مجاهدي خلق متورطة في الهجوم».
وفي إشارة إلى حقيقة أن منظمة مجاهدي خلق هي التي كشفت لأول مرة دور فخري زاده في البرامج النووية لنظام الملالي، قال: «للأسف نجح العدو وتمکن من الوصول إلی هدفه بعد 20 عاماً».
وزعم قائد فيلق القدس الإرهابي، الحرسي إسماعيل قاآني، في اليوم التالي لاغتیال فخري زاده أن أيادي الاستکبار العالمي خرجت برصاص أمريكي من أکمام (مجاهدي خلق) مرة أخرى!
وکتب موقع عصر إیران الحکومي: في عام 2004، خلال مؤتمر صحفي، نشر مجاهدو خلق بعض المزاعم حول الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية، وذکروا محسن فخري زاده كمسؤول كبير في وزارة الدفاع والبرنامج النووي للنظام.
وقد اعترف الملالي بأن مقتل الحرسي فخري زاده، یعتبر ضربة قاضیة تعرض لها النظام: «تربیة هکذا شخصية تستغرق 50 عاماً، واکتناز رأسمال بهذه الخصائص والمواصفات له طابع استراتيجي (بالنسبة للنظام)» (صحیفة كيهان المحسوبة علی خامنئي، 29 نوفمبر 2020). و«کان لدی فخري زاده مکانة خاصة في النظام» (المعمم موسوي تبريزي، المدعي العام المجرم لخميني، 29 نوفمبر 2020).
وبهذا ترون أنه في أعقاب مقتل عميد حرس محسن فخري زاده، الرجل رقم واحد في المجال النووي وتصنیع القنبلة في نظام الملالي، أذعن قادة النظام والحرس وفیلق القدس الإرهابي ومجلس شوری الملالي وكذلك الإذاعة والتلفزيون الرسمي، بالضربة القاضیة التي تلقاها النظام کاشفین عما یحملونه من حقد وضغینة وعقد نفسیة تجاة منظمة مجاهدي خلق لفضحها البرنامج النووي الإیراني.
وقد قال اللواء موسوي، قائد الجيش الإیراني المؤتمر بأمر ولاية الفقيه، إن: «يد الولايات المتحدة والکیان الصهیوني ومجاهدي خلق تقف بوضوح خلف عملیة اعتیال العالم فخري زادة». وقال حاتمي، وزير الدفاع الإیراني، إن «إسرائيل والولايات المتحدة، وخاصة مجاهدي خلق، قد استخدموا على الدوام أداة الإرهاب ضد النظام».
وقال رضا زاده، عضو مجلس إدارة لجنة الأمن في مجلس شوری الملالي إن «هذا العمل نفذ من قبل مجاهدي خلق وعناصر معادية للثورة تدعمها الولايات المتحدة واسرائيل. إنهم يعتزمون إثارة الخوف والهلع».
وصرح شهريار حيدري، عضو آخر في اللجنة، أن اغتيال العلماء النوويين تم بالتعاون مع مجاهدي خلق.
وكتبت وكالة أنباء قوات الحرس إن «رغم أن اغتيال العلماء النوويين تمّ من خلال الموساد، لكن منذ حوالي شهر، زعم مجاهدو خلق في ألبانیا في مؤتمر صحفي أنهم اكتشفوا موقعاً نووياً جديداً في سرخة حصار. اعتبر مجاهدو خلق الموقع المكتشف حديثًاً موقعاً لتنفیذ مشروعات إيران النووية السرية، واعتبروا محسن فخري زاده الشخصية الرئيسية في هذه المنشأة، وحاولوا الشکف عن معلومات سریة تتعلق بشخصية هذا العالم».
خلاصة القول
إن المسار الهادف الذي تضمن 42 عاماً من النضال الدموي المتواصل، على وشك أن يؤتي ثماره. أولئك الذين ينظرون إلى أحداث هذا المسار بنظرة ملتوية أو غامضة أو حتى مریبة ويبحثون عن إجابات للأسئلة التي تدور في أذهانهم، من الأفضل ألا يشكوا في الحقيقة الواضحة التي تقول «الطريق سیخبرك عما علیك فعله!». آمنوا بأن نظام الملالي على وشك الانهيار والسقوط!
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.