نوري بريمو
معظم الوقائع الميدانية تشير إلى إستمرار مسلسل المؤامرات الإقليمية التي تستهدف حاضر ومستقبل الكرد وكردستان، ولعلّ أبرزها تجلّى بالغزوات الداعشية للاقليم وشنكال وكوباني وغيرها، وبعدها غزوات الحشد الشعبي لكركوك والمناطق الكردستانية المشمولة بالقرار 104 من الدستور العراقي، وتلتها فيما بعد صفقات عفرين وسري كانية وكري سبي وأخواتها، وقد كان آخرها وليس أخيرها التهديدات العسكرية التي أطلقها ويطلقها حزب العمال (PKK) ضد إقليم كردستان الهادفة لتعريضه للقصوفات التركية ولتعكير صفوة أمنه وإستقراره، إذ تحاول وتخطط تلك الجهات المعادية لشعبنا مداهمة كردستان وتفكيكها مرّة أخرى من غربها إلى شرقها ومن أقصى شمالها إلى أدنى جنوبها، حيث يبدو أنّ هنالك خيوط مخفيّة توحي إلى ديمومة وجود ثمة طبخات مسمومة مضادة للكرد وخاصة لإقليم كردستان لمحاولة إلغاء كيانه الفدرالي وكسر إرادته وإفشال المشروع القومي الكردي الذي يقوده الزعيم مسعود بارزاني السائر عن نهج البارزاني الخالد الحاضن والراعي للكردايتي.
فبعد أنْ تمكّن إقليم كردستان من مواجه مختلف الغزات العسكرية والمؤامرات والدسائس التي حيكت ضده واستهدفت شرعيته الدستورية العراقية وإعترافه الدولي خلال السنوات الماضية، برزت على السطح مؤامرة جديدة ومفضوحة قامت بتحريض وتكليف بعض الكتل البرلمانية العراقية (شيعية وسنية) تابعة لجهات اقليمية لتمرير مشروع شوفيني يستهدف إقليم كوردستان حكومة وشعباً ويقضي بحرمان موظفي الاقليم من رواتبهم الشهرية فيما إذا لم تستسلم أربيل للأمر الواقع وتسلّم نفسها قلباً وقالباً وبلا أية شروط لبغداد التي يبدو أنها بالمرصاد وينوي البعض من مسؤوليها ان يضربوا بنود الدستور والقانون والإتفاقيات المبرَمة بين الطرفين سابقاً بعرض الحائط ويطالبون بإستلاب كافة خيرات وواردات الإقليم وبدون أي وجه حق.
ولكنّ السحر قد ينقلب على الساحر في هذه المرة أيضاً وقد يفشل المتآمرون كما فشلوا في كل مرة أمام الأسوار المنيعة لإقليم كردستان الذي سيجتاز هذه المحنة بنجاح وبفضل الحكمة والحنكة الإدارية والدبلوماسية التي تنتهجها القيادة البارزانية التي تستمد قوتها ومشروعيتها من شعب كردستان ومن حلفائها في العراق والعالم، وفي الغالب قد تؤول الأوضاع صوب حصول تدخلات وضغوط ومساعي عراقية ودولية لم تكن في حسبان مَنْ كانوا ومايزالون يتربصون بالإقليم من وراء الكواليس، وقد تسير الأمور لجهة الإحتكام لجادة صواب العودة للحوار بين بغداد وأربيل على طريق توفير استحقاقت الإقليم المالية والإدارية وحمايته من أي مجهول آخر قد يداهم دياره، ولكن وللأسف فإنّ فشلهم قد يجعلهم يعاودون الكرّة مرّات أخرى وبأشكال أخرى وقد يبقى الحبل على الجرار.
ولدى البحث عمّن يقف وراء هذه المؤامرات التي استهدفت وتستهدف القضية الكردية مراراً وتكراراً، نجد بأن هنالك ثمة جهات إقليمية غاصبة لكردستان كانت وستبقى تستخدم بعض عملائها وتعتمد عليهم في تنفيذ مثل هذه المخططات الرامية إلى إلغاء الكرد من الوجود وصهرهم في بطون الآخرين، ولكنْ ولولا صمود بنات وأبناء شعبنا وخاصة البيشمركة البواسل وتقديمهم لمختلف التضحيات في كل المراحل العصيبة، ولولا إخلاص وتفاني القيادة البارزانية في قيادة وتنظيم وتوجيه الحراك التحرري الكردي صوب الخيار القومي السليم، ولولا توسُّع دائرة أصدقاء شعبنا المضطهَد في كل مكان، لإستطاع الطامعون تحقيق مراميهم البغيضة.
وبهذا الصدد ورغم سوء الأحوال الحالية يمكننا القول بأنّ موازين القوى في معادلة الصراع في منطقتنا، قد تتغيّر ومن المتوقع أن تسير الأمور نحو مسارات لم تكن بحسبان الطغاة وتقلب الآية بالضد من مصالحهم، وقد تتوسّع دائرة الأزمات وتمتد وتطال معظم بلدان شرق أوسطنا بما فيها الدول الغاصبة لكردستان، خاصة وأنّ طبول الحروب ماتزال تُقرَع في الأفق الشرق الأوسطي الملبّد بمختلف الغيوم، وأنّ منطقتنا باتت حبلى بالمفاجئات التي قد تكون سارة للبعض ومزعجة للبعض الآخر، وفي المحصلة فقد تخلّف هذه المتناقضات والحروب والأزمات خارطة جديدة لشرق أوسط جديد في إطار تقسيم جديد يلغي دولاً ويُنشئ أخرى على مركوب مصلحة الطرف الدولي الذي سينتصر بالمحصّلة وسيلغي خرائط قديمة ويستبدلها بجديدة.
(20-11-2020)