قليلة هي تلك الحوارات التي تسلط الضوء على العمل الاهلي الخيري التطوعي في بلد كبير مثل سوريا، وقليل من القائمين على هذا العمل أو المهتمين به مايضعون النقاط على الحروف بصراحة وجرأة مادامت تخدم العمل التطوعي الاهلي والمدني وتزيح الغبار عنه ومن هؤلاء القلة المحامي والحقوقي النشط رديف مصطفى الذي فتح صدره لمندوب المركز الدولي للدراسات والابحاث ( مداد) وأجاب بوضوح عن كل الأسئلة المطروحة بدون مواربة أو خجل في هذا الحوار الخاص سنقترب أكثر من ميدان العمل التطوعي السوري وهل هو فعلا عمل أهلي بغطاء حكومي، هامشي لم يتوغل بعد في قاع المجتمع.
تغيير المنظور الحكومي وتقديم التبرعات والتمويل غير المشروط..جسور عبور الجمعيات للمستقبل
نعم العمل الخيري عندنا عمل هامشي حكومي بغطاء أهلي
الجمعيات الأهلية المرخصة أدوات حكومية، والمستقلة لم تمنح الترخيص
الجمعيات فصول متقلبة..وقوانين جيدة حاضرة وتطبيقات غائبة
تعديلات قانون الجمعيات سيدفع بعمل الجمعيات إلى الأمام شريطة التطبيق
اعتبر المحامي والناشط الحقوقي رديف مصطفى أن العمل الأهلي في سوريا هامشي جدا ، وهو مجرد عمل حكومي بغطاء أهلي ، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن العمل المدني لا يزدهر إلا بالتعاون مع الحكومة ،وأن إحدى أهم أركان الدولة الحديثة هي الجمعيات والمنظمات الأهلية والمدنية .
وأشار المحامي مصطفى ، في حوار مع ” مداد ” ، إلى أن الجمعيات الخيرية والمنظمات الأهلية والمدنية في سوريا تعيش واقعا صعبا، مؤكدا على أن تغيير واقعها ، والانطلاق نحو الأمام يقتضي تغييرا في المنظور الحكومي إلى العمل
الأهلي والمدني ، وتشجيع رجال الأعمال على تقديم المساعدات والتبرعات ، وقبول التمويل غير المشروط.
تعديلات قانون الجمعيات سيدفع بعمل الجمعيات إلى الأمام ، شريطة التطبيق االواقعي
س1: كمحامي وناشط في حقل حقوق الإنسان كيف تقرأ واقع العمل الأهلي التطوعي في سوريا ؟
أود الإشارة ابتداءً وقبل الإجابة على هذا السؤال إلى أهمية التمييز بين العمل المدني والعمل الأهلي واللذان يشتركان في الجانب التطوعي ، وأعتقد بأن الفرق شاسع بين العملين من الناحية المعرفية من حيث المدلولات التي يشير إليها كل
منهما ، المجتمع المدني كمفهوم, رغم أن المفاهيم هي جميعها بنت التاريخ وتتطور بتطور الحياة وتخضع للمتغيرات الكونية التي ثابتها الوحيد هو التغير نفسه ,هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فمفهوم المجتمع المدني بالأساس ينتمي إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية أي أنه بمعنى آخر انه لا يكتسب الدقة العلمية كالرياضيات مثلاً وهو تاريخاً ومعرفياً أرتبط بمفاهيم أساسية كـ( الدولة المواطنة – الفرد- الملكية الخاصة
حقوق الإنسان – الأحزاب – الجمعيات – النقابات – العلمانية – سيادة القانون استقلال القضاء – المساواة – الديمقراطية ) بينما المجتمع الأهلي يشير إلى المحلية- المناطقية والعشيرة والأسرة والقبيلة والطائفة والمذهب (انطولوجياً) ويقوم على أساس التمييز والقرابة حتى .
بينما العمل المدني يقوم أساسا على مبدأ المواطنة والمساواة والمنافسة على قاعدة مبدأ تكافؤ الفرص وتبادل المصالح والمنافع يقوم على مبدأ الحقوق و الواجبات في ظل دولة الحق والقانون والدولة الديمقراطية 0 وربما يشترك العملان في إنهما من المفترض أن يكونا مستقلين عن العمل الحكومي وكلاهما يتوخى النفع العام بشكل نسبي .
بالعودة إلى سؤالكم فالعمل الأهلي التطوعي في سوريا هامشي جداً وحتى بالكاد تستطيع تلمسه وهذا يعود بشكل أساسي إلى التضييق الحكومي عليه بشكل منهجي وبشكل عام على كل عمل مستقل يمكن أن يخرج عن الإيقاع المحدد والمضبوط سلفاً ممارسة للنهج الشمولي التدخلي للحكومة .
2- في الواقع السوري كيف تقرأ العلاقة بين العمل الأهلي والعمل الحكومي ؟
في الواقع السوري العمل الحكومي يهيمن على كافة مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية عبر نظام شمولي تدخلي منطقة السياسي هو الاستبداد وهو ينسحب على العمل الأهلي والمدني في حالات كثيرة يكون العمل الأهلي هو مجرد عمل حكومي بغطاء أهلي ويتضمن أهداف وغايات سياسية ، عموماً في ظل حالة الطوارئ المفروضة منذ أكثر من 44 عاماً وفي ظل المادة الثامنة من الدستور التي تخول الحزب الحاكم قائداً للدولة والمجتمع يصعب الحديث عن عمل أهلي ومدني مستقل لا يكون هدفاً للتضييق الحكومي ، بل أن البعض يرى بأن العمل المدني والأهلي المستقل والغير مؤمم حكوميا يشكل خطراً على ديمومة الشمولية على الرغم من أن العمل المدني لا يزدهر إلا بالتعاون الحكومي نفسه.
3- إذا كانت الجمعيات الأهلية في سورياً تنشأ بمبادرة ذاتية وتتوخى النفع العام فكيف يمكن تشجيع المواطنين على دعم الجمعيات والانخراط فيها؟
بداية أؤكد بأن المجتمع الأهلي والعمل الأهلي ليس طارئاً على مجتمعاتنا فقد عرفت مجتمعاتنا هذا العمل منذ أيام الحكم العثماني فوجود جمعيات أهلية ومدنية تعكس مصالح مختلف تعبيرات المجتمع بكل إبعاده يعبر عن الحالة الطبيعية لأي
مجتمع في سيرورته التاريخية وأنا أعتقد بأن الجمعيات التي انتشرت في سوريا كالفطر بعد خطاب القسم كانت نتاج حراك سياسي واجتماعي لاقى رواجاً جيداً من قبل المواطنين وانخرطوا فيها ودعموها ولكن الشتاء القارس بعد ربيع دمشق جعل هذا الموضوع محفوفاً بالكثير من المخاطر وربما يكون للإعلام المستقل دورا هاما في التشجيع على هكذا أعمال علما بأنه شبه مغيب في سوريا.
4- هنالك رأي سائد في سوريا هو أن الجمعيات الأهلية في سوريا تدور في فلك السلطة إلى أي مدى يتمتع هذا الرأي بالمصداقية ؟
نعم هذا صحيح بالنسبة للجمعيات المرخصة فطبيعة النظام الشمولية في سوريا كانت سبباً أساسياً في اختزال الجمعيات كلها وضمها إلى هيكليته حيث تحولت إلى أدوات يستخدمها في إدارة المجتمع ومراقبته وقولبته بما يتوافق مع نهجه السياسي والفكري بمرور الزمن باتت هذه الجمعيات خاوية من كل الدلالات الاجتماعية والأخلاقية وحتى المهنية ، أما بالنسبة للجمعيات المستقلة فهي لم تمنح الترخيص وتعرض أنصارها عموماً للمضايقة الأمنية والاعتقال من ناحية و من ناحية أخرى استخدمت السلطة سياسية التجيش الأيديولوجي ضدها معتمدة على المخيال الديني والقومي عبر اتهامها باالا وطنية والارتباط بالخارج بغية تهميشها وإقصائها نهائياًبالاضافة إلى المحاولة لاخترقها امنيا .
5- أليست متطلبات الواقع والتطورات الحاصلة حولنا تدفع إلى تبني رؤية جديدة لوعي أهمية دور الجمعيات الأهلية في بناء المجتمع بأبعاده كلها ؟
بالتأكيد نحن بحاجة إلى رؤية جديدة في ظل العولمة وتكنولوجياً المعلومات وفي ظل اعتماد آليات اقتصاد السوق لاسيما وأن هناك واقع جديد على الصعيد العالمي يقوم على دعوات وممارسات قوية وجدية تعمل على الحد من العمل الحكومي لصالح العمل المدني وترك المجالات للمبادرات الفردية والأهلية لصالح المجتمع لكننا في الحالة السورية أمام دولة رعوية ( بطريركية ) بمعنى أن المجتمع وثقافته يستمدان مشروعيتهما من الدولة وليس العكس 0 أنا أعتقد بأن الدولة الحديثة ينبغي أن تقام على ثلاثة أضلع ضلع هو الحكومات الضلع الثاني هو المؤسسات الوسيطة الضلع الثالث هي الجمعيات والمنظمات الأهلية والمدنية عندها فقط يمكن أن يتطور العمل الأهلي والمدني.
6- كثيراً ما يدور الحديث حول صعوبات وعوائق لإشهار الجمعيات وقبول المساعدات والتبرعات من الخارج والداخل ؟ هل هذا صحيح وما هي مبرراته وأين تكمن الحلول؟
نعم هذا صحيح فجمعيات حقوق الإنسان في سوريا جميعها غير مرخص مثلاً ومبرراته من المنظور السلطوي هو الهاجس الأمني والسياسي 0 وفي ظل الخوف وضعف التمويل تعاني الجمعيات السورية عموماً من نقص التمويل .
وأنا أعتقد بأن الحلول تكمن أولاً في تغيير المنظور الحكومي إلى العمل الأهلي والمدني ومنح جمعياته التراخيص القانونية ثانياً: تشجيع رجال الأعمال السوريين لتقديم الدعم والتبرعات لهذا الجمعيات ثالثاً: قبول التمويل الغير مشروط من جهات غير حكومية حتى ولو كانت خارجية.
7- تعتمد الجمعيات الأهلية في سوريا على تبرع عرضي من المحسنين وأهل الخير فكيف يمكن لهذه الجمعيات تأمين إيراد ثابت إيراد ثابت يساهم في تطوير عمل هذه الجمعيات وبالتالي قيامها بمشاريع ومبادرات تنعكس على المجتمع بشكل إيجابي ؟
لا أعتقد في ظل الظروف الراهنة بأن الجمعيات السورية قادرة على تأمين إيراد ثابت والذي يشكل عنصراً أساسياً وجوهرياً في تطوير عمل أي جمعية ، ولكن بهذه التبرعات والمساعدات التي تقدم من المحسنين وأهل الخير يمكن القيام ببعض الأشياء التي تنعكس إيجابياً على المجتمع شريطة الاهتمام المنهي بالكادر المدير بمعنى إجراء عملية التأهيل المهني للكادر القائم على إدارة هذه الجمعيات من المنظور الاقتصادي .
8- يقال إن حركة الجمعيات الأهلية في سوريا مرتبطة بشكل أو بآخر بمدى اقتراب القانون السوري من حاجاتها 0 كيف تقرأ ذلك ؟
أنا أعتقد بأن هذا أمر طبيعي بمعنى إذا كان القانون قريباً من حاجة الجمعيات المدنية والأهلية فإن العمل المدني سيكسب دفعاً قوياً مع ملاحظة وجود الكثير من القوانين الجيدة في سوريا ولكنها تعاني من مشكلة عدم التطبيق أو عدم المساواة
في التطبيق بين المواطنين وفق مبدأ سيادة القانون.
9- هل تعتقد إن إجراء تعديلات على قانون الجمعيات السورية سيدفع بعملها إلى الأمام أم أن واقع الجمعيات بحاجة إلى قانون جديد ؟
لا شك بأن قانون الجمعيات السوري بحاجة إلى تعديلات وإجراء هذه التعديلات سيدفع بعمل هذه الجمعيات إلى الأمام شريطة تطبيق القانون والعمل بمبدأ سيادة القانون ثم أن هذه الموضوع يتعلق بضمان استقلالية القضاء ونزاهته وهذه أيضا مشكلة في سوريا في ظل تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية.
10- يقال أن العمل الأهلي التطوعي في المجتمع السوري هو مجرد تقليد اجتماعي لم يصل حتى الآن إلى مفهوم العمل المؤسساتي كيف تقرأ ذلك ؟
المشكلة هي أنه ليست في سوريا عقلية مؤسساتية بشكل عام وبالتالي فإن معظم الأنشطة يندرج في إطار المبادرات الفردية ، والجمعيات الأهلية والمدنية في سوريا تحمل عموما طابع ثقافتنا السياسية والاجتماعية والتي تميزت بعقود من
الاستبداد ومنع التعدد والاختلاف واعتبار الذات المصدر الوحيد للحقيقة خصوصا وان موروثنا الثقافي غير مشجع كثيرا لذلك يجب أن لا نتوهم بأن يكون العمل المؤسساتي هو الطابع المميز لهذه الجمعيات وربما نحتاج إلى وقت غير قصير للتحرر من مخلفات الماضي والانطلاق من جديد فالديمقراطية ليست مجرد شعار بل هي ممارسة و تجربة وتربية وثقافة.
وشكراً لكم سوريا – كوباني