جان كورد
ارتسمت الخطوط العريضة للميثاق الوطني في مؤتمر أرضروم (22 يوليو – 7 أغسطس 1919) ومؤتمر سيواس (4-11 سبتمبر 1919) لمجلس المبعوثان التركي، أي في شمال كوردستان، وناقش المجلس (البرلمان) موضوع الميثاق المللي في جلسته المنعقدة في اسطنبول في 12 من يناير عام 1920 بعد اختيار هيئته الإدارية مباشرةً، ثم انعقدت جلسة مغلقة في 28 يناير 1920 ليتم إقرار “بيان نامه ميثاقى مللي” بناء على اقتراح من مبعوث أدرنة السيد شرف بك في الجلسة السابقة، وتم نشر البيان نامه بعد ذلك في الصحافة.
لو ألقينا نظرة عابرة على خريطة وحدود منطقة الميثاق المللي لرأينا أنها تضم نصف بلغاريا وأجزاء واسعة من اليونان والعديد من الجزر اليونانية وكل قبرص وولاية اسكندرون السورية، مع المنطقة الكوردية في شمال سوريا وولاية الموصل، أي جنوب كوردستان، إضافة إلى تركيا.
بمعنى أن الأتـراك يعتبرون حتى الآن هذه المنطقة الواسعة “وطن القوم التركي”، على الرغم من أن قرناً كاملاً من الزمن قد مرّ على توقيع ونشر ذلك الميثاق المللي وأنّ ثمة قوميات عديدة تعيش في تلك الخريطة، لا علاقة لها بالعنصر التركي لغوياً وعرقياً وثقافياً، وهم البلغار واليونان والكورد والعرب والأرمن وأقليات قومية ودينية أخرى.
نعم، بعد قرنٍ كامل لا زال الأـتراك يصرون على ضرورة تحقيق حلمهم في التوسّع والتمدد على حساب الشعوب، ويضعون ميزانية رمزية للولايات التي يجب ضمها لتركيا، كما يعطونها أرقام بريدية وكأنها أجزاء فعلية من الأرض التركية، التي استولى عليها الطورانيون بحد السيف بعدما جاؤوا غزاةً أو نازحين من آسيا الوسطى، ولقد أثبت التدخل العسكري التركي في سوريا منذ فترة وجيزة أن رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية (أردوغان) ورئيس الحزب القومي التركي (باغجلي) يجدان في تحركات جيشهم فرصتهم التاريخية التي لا مثيل لها لتحقيق ما فشلت الحكومات التركية السابقة في هذا المجال طوال قرنٍ كامل. والسيد باغجلي يلوم حليفه في الحكومة على التقصير في استخدام القوة العسكرية للسير حتى إلى مدينة كركوك مهما كان الثمن غالياً، في حين أن السيد أردوغان يقول ما معناه: ” في أي أرضٍ تسيل دماء جنودنا الأتراك فهناك وطننا.” بل إنه يجد في ليبيا إرثاً تاريخياً لأجداده العثمانيين ويدعم آذربايجان بدافع قومي عنصري في الحرب على أرمينيا، وليس بدافع ديني كما يزعم أتباعه من المتطرفين دينياً في الشرق الأوسط.
إلاّ أن العالم قد تغيّر بعلاقاته الدولية ومواثيقه المتعلقة باحترام سيادة الدول وعدم المساس بالحدود الوطنية لكل الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، ولذا فإن سعي الأتراك الطورانيين قد خاب على الدوام وفشلوا في احتلال تلك المناطق الواسعة عن طريق التدخل العسكري وفرض الأمر الواقع تحت أسنة الحراب كما تقول العرب. فلا بد من حجج وذرائع للتدخل، سواءً عن طريق دعوة، مثلما وجّه نظام الأسد الدعوة للروس للتدخّل في الحرب السورية أو كما حدث لشمال قبرص في عهد رئيس الوزراء التركي بولند أجاويد، أو كما وجه رئيس الوزراء الليبي فائز السراج الدعوة لتركيا لمساعدته في الحرب ضد الجيش الوطني الليبي. فمن يساعد الأتراك في إيجاد الحجة الملائمة بل الضرورية للهجوم على شمال سوريا والعراق (جنوب وغرب كوردستان – حسب تعريفنا الكوردي)؟
هذه الحجة البسيطة قدّمها حزب العمال الأوجلاني (ونقول الأوجلاني لأنه أسقط الكفاح من أجل كوردستان من برنامج عمله، وكوادره المتقدمون يرفضون القول بأنه حزب كوردستاني). فإن كل السياسات التي ينتهجها والممارسات التي يمارسها هذا الحزب منذ سنواتٍ طويلة وعديدة ليست إلاّ لخلق الذريعة التي يريدها الطورانيون لاحتلال مناطق واسعة من بلدان الجيران.
عقد الأتراك مع نظام صدام حسين إتفاقاً يستطيعون به اجتياز الحدود الدولية بين العراق وتركيا بعمق عشرات الكيلومترات بذريعة القيام بحملات عسكرية ضد “الإرهاب” الذي تصف به الحكومة التركية العمليات القتالية التي يقوم بها حزب السيد أوجلان في المنطقة. ولكن بعد سقوط نظام صدام حسين كان لا بد من شحذ هذا السلاح من جديد، فالقوات التركية تصول وتجول في مناطق واسعة من اقليم جنوب كوردستان وذريعة الحكومة التركية هي ذاتها (محاربة الإرهاب)، وبالحجة ذاتها غزت القوات التركية عدة مناطق من غرب كوردستان. أفلا يتحمّل الحزب الأوجلاني نصيبه من اختلاق هذه الحجة للحكومة التركية؟ ولماذا إعلاء صورٍ كبيرة الحجم من رئيس الحزب على الحدود في منطقة عفرين قبيل الغزو التركي أو قريباً من الحدود في منطقة كوباني وما بين القامشلي ونصيبين وغيرها؟ أليس منح الأتراك ذريعة مساهمة في الغزو؟ ألم تكن تهديدات السيد مراد قره يلان الشخصية والمهينة أخلاقياً ضد أردوغان دعوةً صريحةً له واستفزازاً مقصوداً له للتمدد والغزو؟ أم كان الرجل يمزح مع ثاني قوة عسكرية في حلف النيتو الكبير؟
قد يفكّر الآبوجيون بهذه الطريقة: كلما اتسعت رقعة الحرب التركية في سوريا والعراق فإن هذا يعطي حزبنا مجالاً أفضل للمقاومة ضد الجيش التركي. إلا أن هذا التفكير فد ساهم بقوة في تعزيز الحكومة التركية لوجودها العسكري في كلٍ من جنوب وغرب كوردستان، وبالتالي مساعدتها في تحقيق حلمها عن (الميثاق المللي).
إلتقيت بالعديد من مثقفينا الكورد الوطنيين، غير الملتزمين بالأحزاب، وكلهم دون استثناء أثاروا الشبهة بصدد العلاقة الجدلية بين السياسة التي يمارسها الحزب الأوجلاني والتقدّم التركي الواضح على طريق تحقيق الميثاق المللي على أكتاف الكورد. فهل يكف العقلاء في صفوف هذا الحزب عن دعمهم لهذا الاتجاه الذي يصب في مصلحة الحكومة التركية عوضاً عن مصلحة الشعب الكوردي؟
14.11.2020