المشاريع والقوانين العنصرية هي سياسة شوفينية متكاملة, في الخامس من تشرين الأول مرور 45 سنة على الإحصاء الاستثنائي

افتتاحية جريدة آزادي (*)
بقلم : رئيس التحرير

      في الخامس من شهر تشرين الأول عام 1962 أجرت السلطات إحصاء استثنائياً خاصاً بمحافظة الجزيرة (الحسكة) تحت حجج وذرائع واهية ذو أهداف ومرامي سياسية، توضحت بجلاء في نتائجه المجحفة، حيث تم تجريد عشرات الآلاف من العوائل الكردية من جنسيتها السورية بهدف حرمانها من جميع الحقوق المدنية والقانونية، وتغيير الطبيعة الديموغرافية والتركيبية السكانية في المحافظة، خاصة وأن مشروع ـ الحزام العربي ـ الذي أعقب تنفيذه أثبت صحة ما نذهب إليه.

وهكذا بدأ الشعب الكردي يدخل في أسر العقليات الشوفينية ويعاني الأمرين، الحرمان ومشاريع الصهر والتذويب بالإضافة إلى سياسات الضغط والاضطهاد التي أثقلت كاهله باستمرار رغم تعاقب الأنظمة والحكومات على دست السلطات في البلاد، ورغم التبدلات التي طرأت على مختلف الأوضاع إلا أن الموقف من الشعب الكردي وقضيته ووجوده بقي على ما هو عليه، لا بل ازداد سوءً وتعقيداً خاصة بعد أن أضيفت إلى تلك المشاريع والقوانين العنصرية التي تهدد واقع وجوده ممارسات عملية أكثر شوفينية بحقه..

 

واليوم وبعد مرور 45 عاماً على هذا الإحصاء العنصري وما نتج عنه من تبعات وإجراءات، ورغم الدعوات المتكررة  والمطالبات  المستمرة، ورغم الوعود المتكررة التي وعد بها المسؤولون بمن فيهم رئيس الجمهورية وقد ذهبت كلها سدى ، إذ مازال الاضطهاد قائما ونتائج الإحصاء جاثمة على الصدور والنفوس ، في حين يعلم الجميع أن هذه السياسة الشوفينية بدأت تسئ إلى القومية السائدة وإلى النظام قبل أن تضر بأبناء الشعب الكردي وحياتهم و تضفي على البلاد انطباع التخلف عن ركب الحضارة والمدنية ولا تخدم بشكل من الأشكال مستقبلها ، كما لا تخدم مستقبل التعايش ولا تساهم في توطيد الوشائج التاريخية بين الشعبين العربي والكردي التي نحن بأمس الحاجة إليها، هذا وقد تعرض للمزيد من صنوف الاضطهاد وعانى كثيرا من المحاولات الرامية إلى طمس معالمه وصهره وإذابته بالمساعي القسرية لتشويه هويته و تاريخه وقد تسخرت من أجل ذلك العديد من الأقلام المزيفة واستغلت الادعاءات الباطلة بحقه..

وفسح المجال أكثر فأكثر للعقلية الشوفينية لتمارس دورها المشين في ثوب الحرص على مصلحة البلاد ومستقلها، حيث اتخذت الأنظمة والحكومات المتتالية منهجها في هذا الشأن الدراسة المشينة السيئة الصيت التي أعدها ضابط الأمن محمد طلب هلال منذ مطلع ستينيات القرن الماضي والتي لم يدخر فيها وسعا لوضع مشروع  مدروس ومتكامل يهدف إلى إنهاء الوضع الكردي في سوريا وذلك بضرب  مرتكزاته  البنيوية الأساسية لغة ومجتمعا وسياسة وتفكيك أوصاله وتشريده وتجويعه وقد غدت تلك الدراسة مصدرا أساسيا لكل هذه المشاريع الشوفينية الظالمة والقوانين العنصرية الاستثنائية الجائرة ، واستكمالا لقانون الإحصاء الجائر ذاك فقد تبعته المشاريع والإجراءات منها:
– وضع مشروع الحزام العربي في ذاك العهد، وبدأ تطبيقه منذ مطلع السبعينات وذلك بجلب آلاف العوائل العربية من محافظة الرقة وحلب وإسكانها في مناطق واسعة من أراضي محافظة الحسكة ذات الغالبية الكردية بطول 375كم وعرض متوسطه 15كم وبمحاذاة حدود سوريا مع كل من تركيا والعراق، بغية تغيير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة، وفصل أكراد سوريا عن أكراد العراق وتركيا، إضافة إلى أن هذه المساحات الزراعية الواسعة قد استثمرت على حساب حرمان الفلاحين الكرد الأصليين في المنطقة، حيث أحدث هذا الإجراء شرخاً واسعاً في الصف الوطني وأساء إساءة صارخة إلى علاقات التآخي والتعايش بين أبناء المجتمع الواحد، لدرجة أحس كل كردي ذي نفس وطني مخلص بالتفرقة والتمييز القومي، ورسخ في ذهنه ووجدانه انطباعاً سلبياً تجاه الواقع المؤلم الذي يمر به أبناء شعبه ومجتمعه.
– منع التكلم باللغة الكردية أو تداولها، ناهيك عن القراءة والكتابة بها، وذلك من خلال تعاميم تصدرها السلطات بشكل دوري..
– جعل محافظة الحسكة على سعتها منطقة حدودية برمتها، تمنع فيها إجراءات البيع أو التنازل للأملاك ولاسيما الأراضي الزراعية ، وتعقيد إجراءاتها بإضافة موافقة وزارة الدفاع كشرط أساسي في ذلك ، والمقصود هنا أبناء الشعب الكردي، لأن الآخرين يحصلون على استثناءات خاصة بهم.
– إخضاع تسجيل الولادات الحديثة للموافقات الأمنية، كإجراء خاص بمحافظة الحسكة دون المحافظات الأخرى وإلزام ذوي الولادات بالأسماء العربية في معظم الأحيان .
– ملاحقة واعتقال السياسيين الكرد منذ عهد الوحدة بين سوريا ومصر وحتى هذا التاريخ، وزج أعداد كبيرة منهم في غياهب السجون وبالأحكام العرفية في معظم الحالات وإبقاء البعض رهن الاعتقال لبضع سنوات، دونما ذنب اقترفوه أو جريمة ارتكبوها، فقط لكونهم سياسيين أكراد .
– الفصل السنوي للطلاب الكرد من المعاهد والمدارس، وكذلك العمال من العمل بدعوى (خطرهم على أمن الدولة).
– الاستلاء على عقارات وبيوت سكن المسجلين في سجلات الأجانب (المجردين من الجنسية) وذلك بقرارات أصدرتها مديرية المصالح العقارية بدمشق.
– نزع يد الفلاحين الأكراد في العديد من قرى منطقة المالكية من أراضيهم الحجرية التي استصلحوها بكدهم وتعبهم وإعطائها لمن ادعى النقص في مساحته المخصصة من الفلاحين العرب في منطقة الحزام العربي..

وبأساليب غير لائقة تخللتها الشتائم والتهديدات واعتقال البعض وإحالة آخرين إلى المحاكم..
– وآخر هذه الإجراءات العنصرية المجحفة توزيع مساحات واسعة من أراضي زراعية خصبة في منطقة ديرك على عرب من جنوب الحسكة وعلى حساب حرمان الفلاحين الكرد في نفس المنطقة..
– تغيير الأسماء الكردية للقرى والمزارع والمحلات التجارية والدكاكين وتبديلها بأسماء عربية وذلك بشكل متواصل ومستمر وعلى شكل لوائح أحيانا تصدرها الجهات المعنية منها على سبيل المثال تلك التي أصدرها وزير الإدارة المحلية في هذا الشأن مؤخرا بالقرار رقم 4524 تاريخ 20/12/1997 والتي عممها محافظ الحسكة في كتابه رقم 14875 تاريخ 6/1/1998 الذي يتضمن تبديل اسم خمسة وخمسين قرية ومزرعة في ناحية الدرباسية ومنطقة رأس العين من محافظة الحسكة.
– هذا إلى جانب الممارسات السلبية الأخرى المتبعة عند التعاطي  مع الوضع الكردي بشكل عام ، إضافة إلى سياسة الحرمان الفظ  من أبسط الحقوق القومية التي- إذا ما توفرت- لا تكون مطلقا على حساب المكونات الاجتماعية الأخرى  ..
إننا وأمام هذا الوضع المأساوي لأبناء الشعب الكردي نرى بأن السياسة الشوفينية تلك تزيد الأوضاع سوءاً وتضاعف الإرباكات والتعقيدات التي تحد من تطور البلد وتقدمه، خاصة وأننا على أعتاب مرحلة جديدة ، وتحد  من توفير مستلزمات القوة والمنعة ضد أي خطر قد يهدده، لأن تعزيز قدرات البلد وإمكانياته يكمن في الحل الموضوعي لتلك المشاكل العالقة وإنهاء كافة السياسات الاستثنائية بما فيها العمل بالأحكام العرفية مع نتائجها، وإلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات الديمقراطية والوقوف الجدي على قضية الشعب الكردي بغية معالجتها وفق المعايير الحضارية والقوانين المدنية، ولائحة حقوق الإنسان والأعراف الدولية المتبعة ، بما يضمن الاعتراف الدستوري بواقع هذا الشعب كثاني أكبر قومية وحل قضيته حل ديمقراطي في إطار وحدة البلاد ، ليبقى البلد منيعاً في وحدة وطنية ، يتعزز فيه حب الانتماء، وليتمكن الجميع في ظله العيش بإخاء في أمان ووئام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) جريدة دورية صادرة عن مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحـزب آزادي الكـردي في سوريا.

العدد 390 – تشرين الأول 2007م

لتنزيل كامل مواد العدد (390) من جريدة آزادي انقر هنا  azadi_390

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…