سعيد يوسف
يتوزع الموقف الديني من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بين فريقين. أحدهما مؤيد يستحسنه، والآخر معارض ويستهجنه.
والأغلبية المطلقة من الأئمة، لا تعتبره عيداً بقدر ما تنظر إليه، على أنه فرحة بميلاد نبي الله ، واستذكاراً بقيمه السمحة، ورسالته الانسانية العطرة.
أما عدم اعتباره عيداً، فلأنه فوق مقياس أولئك الأشخاص العاديين الذين يحتفلون بأعياد ميلادهم.
يعيد البعض أساس الاحتفال. إلى اهتمام الرسول بصيامه يوم الاثنين من كل أسبوع وقوله، هذا يوم ولدّت فيه. ولا أعلم صحة هذا القول.. مع أني أشكك فيه.
لكن ّ الجميع متّفقون على أنّ الاحتفال لم يكن قطّ موجوداً في زمن السلف الصالح، أي في القرون الثلاثة الأولى التي أعقبت وفاة الرسول. وهذا ما يراه المعترضون مبرّراً كافياً، لدعم رؤيتهم.. والحكم على الاحتفال بأنّه بدعة ، وكل ّ بدعة ضلالة.. ويكملها آخرون.. بأنّ كلّ ضلالة في النار.
يرى الإمام السيوطي، أنّ أول من احتفل بالمولد النبويّ بشكل رسميّ ، هو حاكم أربيل : مظفّر الدين كوكبوري، الذي أعلن ولاءه للسلطان الأيوبيّ، صلاح الدين وزوج أخته… ويذكر بأنّه شارك في معظم حروب صلاح الدين ضدّ الصليبيين، ومنها موقعة حطيّن.(١١٨٧م-٥٨٣هجرية). حيث كان لخطته دور في رجحان كفة المعركة مثلما يذكر.
أما بحسب أ. حسن السندوبي.( ويكيبيديا). فإنّ الفاطميين هم أوّل من احتفلوا بذكرى المولد النبوي، ولكن تمّ ابطال الاحتفال، اثناء خلافة المستعلي بالله عام.
( ٤٨٨هجرية- ١١١٢م).
احتفل العثمانيون به أيضاً، وكان الاحتفال يتم في أحد الجوامع الكبيرة… ويبدأ عادة بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وقصّة المولد.. ثم حلقات الذّكر.. واحتفى به سلاطين المغرب…وغيرهم.
وحالياً تحتفل به كل الشعوب والدّول الاسلامية، بشكل معتدل ويقام الحفل عادة في أحد المساجد الكبيرة. أو في مساجد متعددة..
توزّعت مواقف الأئمة المسلمين من الاحتفال بين فريقين. أخدهما مؤيّد ،والآخر معارض قديماً وحديثاً..
ويتّفق الجميع وبدون استثناء على أنه بدعة، إلا أنهم يفترقون في تقييم تلك البدعة، فالمؤيدون يرون فيها بدعةً حسنة، بشرط وهنا لا بدّ من التشديد على شرطية الاحتفال. وهي عدم الغلوّ فيه، والابتعاد عن المنكرات، وعدم تحريفه عن غاياته ومضامينه من المحاسن والقيم الاسلامية السامية المستخلصة من سيرة…. الرسول( ص).
ومن المؤيدين القدامى نذكر الإمام السيوطي، وكذلك الإمام ابن الجوزي… وأما المعاصرين فمنهم محمد سعيد رمضان البوطي. الذي اجتهد بأن تعريف البدعة لا ينطبق على المولد النبوي، فشرّعه ولكن بشرط الخلو من المنكرات.
أمّا قدامى المعترضين… فنذكر منهم : شيخ الاسلام ابن تيمية، وكذلك الإمام الشاطبي. ومن المعترضين المعاصرين الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ، الذي استنكر الاحتفال و وجد فيه بدعة محدثة، وله ردّ مطوّل منشورٌ في موقع ” صيد الفوائد”. الالكتروني.. يردّ فيه على محمد مصطفى الشنقيطي الذي يجيز الحفل، في مقال. له منشور في جريدة “الندوة” ع /١١١٢/. ت. /٧/٤/ ١٣٨٣/.
كما ينسب إلى مفتي السعودية ورئيس هيئة كبار علماء السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ قوله أنّ اقامة الموالد والاحتفالات بمناسبة المولد النبوي شركيه لا أساس لها من الدين وأنها بدعة وخرافة.( نقلاً عن موقع الشروق الالكتروني ت. /٣/١/ ٢٠١٥/.
على ضوء ما سلف… وما تم عرضه.. كيف نقيّم احتفالات أربيل.. ظاهراً ومضموناً وبم تخدم وماذا تنفع..؟
ولكن قبل ذلك نستخلص القواسم المشتركة بين الجميع مؤيداً كان، أو معترضاً.
أولاً-اتفاق الجميع على أن الاحتفال لم يكن
في القرون الأولى، زمن السلف الصالح.
ثانياً-الاتفاق على أنه “بدعة”. والاختلاف على صفة تلك البدعة، “حسنة”. شرط التزامه بالمحاسن وعدم الغلو والانحراف صوب المنكرات. أو ضلالة.. بالنسبة للمعترضين عليه قطعاً.
ثالثاً- يستخلص أنّ الأغلبية إن لم يكن الجميع، كانت تقيم، ولا زالت احتفالاتها في دور العبادة.. وليس في الشوارع والساحات العامة على شكل استعراضات وكرنفالات ومهرجانات.
فهل تتوافق احتفالات أربيل وتنسجم مع المبادئ التي ذكرناها.. أعلاه. قطعاً لا.! أولاً- من حيث الظاهر طغت عليها مظاهر الغلو والبذخ.
ثانياً- الاحتفال في الشوارع العامة والساحات على شكل مسيرات، وبمشاركة وسائل النقل من سيارات على اختلاف ماركاتها وبشكل استعراضي، وبمشاركة نسوية ولو بمستوى ضيق مما يشكل تجاوزاً محرّماً، وذلك بمقياس ديني.
ثالثاً – تفسح حالة الازدحام المروري، وبدون ضوابط مجالاً لوقوع حوادث مرورية، ونشر الفوضى، كما تعيق حركة آخرين لديهم أعمال ضرورية أو حالات إسعافيه.
رابعاً – استغلال التجار للحفل بترويج شعارات واعلانات أعدت خصيصاً للمناسبة.
وبالمقارنة بين الاحكام والشروط الدينية أعلاه، ووقائع حفل أربيل أدناه. نجد أن الحفل المذكور قد خالف كل المعايير الشرعية، ولا نجد بديلاً سوى أن نحكم عليها بأنها باطلة دينياً.
أما من الناحية المنطقية والعقلية، فهي غير مقبولة تماماً، فالفساد والاستغلال قائم في اساسها، وأيا كانت الجهة المحركة لها أو المسهلة أيضاً، فإن طغيان الاسلام السياسي ينبض في كل مجرياتها والرموز المستعملة في الترويج والدعاية لأغراض سياسية بحتة بعيدة عن الشعائر الاسلامية الفطرية كما في اسلام ابراهيم الحنيف.
أولئك المحركون يلعبون بعواطف الجماهير البسيطة، ويدفعون أجيالاً بريئة نحو غايات حزبية، أو شخصية دنيئة هم يجهلونها، تسمم عقولهم وقد تنحرف بهم نحو التطرف والضلال.
إنّ “الدين هو أفيون الشعوب” إذا استغل كما قيل ويقال.. هذا الاستغلال المتعمّد والممنهج يبعد أجيالنا عن القيم المعتدلة القائمة على حب الوطن وبنائه وحب الآخرين، والانفتاح على الثقافات البشرية على اختلاف منابعها وتنوع مصادرها ودون تعصب وكراهية للآخر المغاير أياً كانت أديانهم وأعراقهم.
لذا وتأسيسا على ما تقدّم، أرى أن تلجأ حكومة الإقليم، والأوقاف الدينية الرسمية إلى حصر الاحتفالات في دور العبادة وفق المعايير الدينية وبعيداً عن الاستغلال السياسي القذر للدين، الذي لا يجلب سوى الكوارث والخراب وليس أدلّ على ذلك ما يعانيه عالمنا المعاصر من ارهاب تمّ افرازه بسبب هذا التجييش المنظم من جهات.. والتبعية العمياء من المغررين بهم
و وقوعهم في شرك وفخّ الاسلام السياسي.