حول الراحل عبدالحميد حاج درويش «عندما يصبح الحزب في العدَّة»

إبراهيم محمود
البارحة: الجمعة ” 23-10/ 2020 ” كانت مناسبة مرور سنة على رحيل سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا عبدالحميد حاج درويش ” 1930-2019 “. تابعت كغيري طقوس الاحتفال بهذه المناسبة، وبعضاً مما قيل وتردد عبر قناة ” روداو ” الإخبارية الكردية. لفت نظري ما هو متوقع، حين صرَّح أحد أعضاء هذا الحزب، أنهم ” أي رفاق الراحل ” سيسيرون على الطريق الذي سلكه سكرتير حزبهم، وأن حل المشكلة الكردية، كما قال، هي في دمشق.
بعيداً عن أي غمز ولمز من الراحل، حيث كان له موقعه، وله سجلّه: أعمالاً وأقوالاً، ليس هنا مجال البت فيها، إنما هناك ما يؤكّد، وكما أرى، ما هو متوقع، وهو لاتاريخية الحزب الذي يشدد على مثل هذا المسلك ” سلوك الطريق عينه “، لاتاريخية الحزب الكردي عموماً، في مجموع مسمّياته، حين يتحدث أحدهم من داخل التاريخ، وفي مكان معلوم، وليس من قرابة فعلية بينه وبين التاريخ: التاريخ كدروس، ككشاف أخطاء، ومعِلّم من خلالها.
ماذا يعني تأكيد صواب ما قام به فقيد حزب المتكلم، كما هو شأن سواه كردياً ” السير في طريقه “؟ أي معيار ثقافي، سياسي، فكري وحتى عقائدي يجري اعتماده هنا ؟
معيار اللاتاريخية، الكلمة الضائعة والمضيَّعة في لائحة الأحزاب الكردية هنا وهناك، هو المعيار الذي يسهل تبيّنه والنظر فيه مرآة كاشفة للكم الهائل والمريع من أخطائهم وتراكمها، ولهذا يكون تعاديهم، وبدقة أكثر: شقاقياتهم، القاعدة، وتقاربهم السريع استثناء، ليكون كل حزب العدو لنفسه ولسواه، وليس ما هو مصطنع ومضخَّم ” العدو الخارجي ” .
في القول ” الخطاطة “: السير في طريقه، يعني أن التاريخ هو هو، أن الزمان والمكان هما نفسهما، أن الظروف هي ذاتها.
من المؤكد، وهذه بداهة، أن ليس في مقدور المشيد بسكرتير حزبه، ومتلفزاً، أن يكون مثل الذي كان ورحل، أن الذي بقي طريقاً، ليس هو الطريق الذي يمكنه، هو أو غيره سلوكه، بالحسابات التي كان يعتمدها فقيد حزبه، أن الاعتبار الشخصي الذي عرِف به، غير متوفر، إطلاقاً ، في أي كان ممن بقوا في إثره في مشهد يُتمي. يتامى الحزب ” وهذه العبارة ليست تشفياً، ليست سخرية، إنما للتعبير عن أن الراحل كان ” أبو ” الحزب، وسلطانه الأوحد، ودون ضنىً، والويل لمن كان يفكّر في صيغة: من سيأتي بعده، الويل لمن يحاول الاستعداد لأن يحل محله، لا أحل يحل محله، إنما هو الفراغ الدوامة في الأعم الأغلب “. دون ذلك، أي اعتبار يعطى بالطريقة التقديسية هذه، أو إن لم تكن تقديسية، إذا كان عبدالحميد حاج درويش سكرتير حزبه، المعتبر أول حزب كردي في سورية، وما في ذلك من عراضة تاريخ، أي على مدى ستة عقود من الزمن، وليس من أحد سواه، قطب الحزب، وربما الولي الفقيه واقعاً، وهو في غيبوبة قبل الوفاة، والأكثر من ذلك، سكرتير الحزب الذي لا يمس حتى بعد رحيله، وإلى الآن .
ليس هناك من لا يموت. إنما الموت الفعلي، هو من يكون ميْتاً، وهو حي يرزَق، إنما ماذا يرزَق عملياً؟ ماليس تاريخياً، ما يبقيه في الهرم الأعلى. من يحكم بالموت الرمزي على رفاقه من حوله، ودون استثناء، بطريقة التعامل الفوقية المعروفة في الوسط الحزبي الكردي.
ميزة الحزب الحية، الحزب التاريخي، هو ألا يجري حِدَاد يدوم طويلاً بالطريقة هذه، كما لو أن الحداد هو ممثّل من رحل أبدياً، والجميع سكوت، خرسٌ، وليس أن يعلَن عن سكرتير جديد، ما أن يُشعَر بأن الذي كان لم يعد قادراً على تصريف أعمال الحزب، أو انتهت مهمته، أن يشار إلى سكرتير جديد فور رحيل السابق، تعبيراً عن مدى حاجة الحياة إلى ذلك، وإخلاصاً لحزب في الحياة، وليس في حكم الموت أو الموات.
اللاتاريخية المؤكَّدة هنا، هي في استمرارية حزب الراحل” وما يعني هذا الكلام من كلام مرفَق “، دون ” رأس “، لقد رحل الرأس، وبقي الجسد دونه، وسيبقى إلى أجل غير مسمى، لأن الرأس الذي كان ، كان يستخف بكل الرؤوس من حوله، لأنه عاش برأس لاتاريخي، ولأن الذين كانوا حوله، كما هو حال الأحزاب الكردية الأخرى إجمالاً، أرادوا أن يكونوا أجساداً دون رؤوس، ليتحركوا عن بعد، وليتلقوا التعليمات عن بعد.
وما تردّد بلسان المشار إليه، هو المندرج في إطار ثقافة التلقين، حيث التعبئة والحشد !
ولهذا، لا غرابة، حين يُسمَع من يقول ممن له  موقع حزبي معتبر؟ أنهم سيسيرون في الطريق ذاته، دون أي اعتبار للظروف، حيث اختلف الزمان والمكان كلياً، كما اختلفت وجوههما، وقواهما، ومن كانوا دعماً لهذا الحزب هنا.
ليت هذا العضو الحزبي المعتبر، أن يسمّي صفة الطريق هذا: جغرافيته، سياسته، مقام الزمن فيه، ولا أكثر من خلخلة مفهوم الزمن راهناً. فتكون المسافة بينهما هوة مميتة !
ليتني سمعت من حزبي ما ” أي حزبي “، وهو يأتي على ذكر حزبه، أو سكرتيره بملاحظة معينة، تؤكد أنه من داخل التاريخ، وليس أن يشاد به، كما لو أنه منزل من السماء.
مرعب جداً، أن تسمِع أحدهم كلمات تظهِر استثنائيته، وهو محل رضى وانتشاء داخليين، دون أن يستوقفك عما ” تخرّف ” به. ذلك يترجم وخم اللاتاريخية كردياً، فلا تعود المناقبية ذاتها قائمة، بما أن هذه تستحضر المثالبية، وكون المناقبية وحدها موجودة، فهي تفقد قيمتها، إذ ينتفي أي وجود للأخرى، والتاريخ يقوم على ما هو مسنَد فيه: الخطأ والصواب. كردياً، لا اعتبار للخطأ في ” القاموس ” السياسي الثقافي التالي كردياً، لأن المعتبَر صواباً هو الوحيد المجاز هنا، أي ما يخل بحقيقة هذا الذي يتنفس، وهو كائن، معرض للحالتين، ولهذا يعيش لاتاريخيته مؤبداً.
لهذا كم كنت أتمنى أن أسمع، ومن اليوم الأول، من المعنيين بشئون حزب” الراحل ” أنهم قريباً سيعلنون عن سكرتير جديد لحزبهم، إشعاراً عن وجوب ذلك، في زمن تتسارع وتائره من النواحي كافة، ليكون ذلك الإخلاص الأكبر للشعب الذي يتفقه باسمه الحزب، وللحزب الذي ينتمي إلى هذا الشعب ” الكردي، طبعاً “، وليس الذي رحل. أم ترى أن هذا الحزب لازال في طور العِدة، وهي التي تفرَض على المرأة التي توفي زوجها، ولا يُسمح لها بالزواج من آخر، إلا بعد التأكد من أنها لم تحمل من زوجها المتوفى؟
يظهر جلياً، وفي ضوء المعطيات الكردية ” اللاتاريخية ” أن فترة العدة مفتوحة، ولا بد أنها ستستمر إلى أجل غير مستمر. وفي وضع كهذا، كيف يكون في مقدور من بقوا أجساداً أن يؤكدوا حضورهم، ومن خلال ممثّل فعلي لهم، وقد فقدوا رؤوسهم، مع الرأس الراحل ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…