جدلية الشقاق الكُردي

وليد حاج عبدالقادر / دبي
قبل ثلاثين سنةً أو أكثر حضرتُ برفقة الصديق بشار أمين كممثلَين عن حزبنا آنذاك / حزب اﻹتحاد الشعبي الكُردي / ندوة جماهيرية للحزب الديمقراطي التقدمي الكُردي في سورية بمدينة الحسكة ، حاضرَ فيها الراحل اﻷستاذ عبدالحميد حاج درويش ، والذي كان يتمتّع بأسلوب إلقاءٍ متميّز يساعده في ذلك سعة معلوماته و طريقة سرده بصفته شاهدٍ على مجمل قضايا و منعطفات الحركة الكُردية حينها ، وكان يرويها وبعقلانيةٍ مرنة نسبياً ، ومما أتذكّره من جملة ما طرحها خاصةً في أساليب ومواقف – المعارضات المصطنعة بغرض التشويش والتشويه – على المعارضات الحقيقية ، واستند في شرحه على كتاب” حبال من رمل ” لمؤلفه كينغ ، وكان أول عمل قمت به بعدها هو شراء الكتاب – والذي تلخّص برصد أساليب ال سي آي إيه في محاربة ثورات العالم والحركات الماركسية فيها خاصةً ، بإيجاد منظمات ماركسية موازية ومتطرّفة تمارس عملياتٍ ارهابية تشوّه بها كلّ الحركات والتوجْهات المشابهة ، لخلق ردود فعلٍ غاضبة ، والهدف منها هو فصلها عن حواضنها وبذر شعور الكراهية لها ، أمثال جماعة بادر ماينهوف واﻷلوية الحمراء وغيرها من المجموعات التي كانت تمارس عنفاً فظيعاً ضدّ المدنيين وتبيح لنفسها كلّ شيءٍ ، هذا الإيحاء المبكر حينها من الراحل ، لزمني شخصياً زمناً طويلاً لأستوعب كيفية تسخير بعضهم كلّ شيءٍ لأجل أفكاره.
وتلك الأفكار مثل حصادةٍ تصرّ أن تتقدّم في خط سيرٍ مستقيم لتحصد ، فنتناسى لحظتها بأنّ الحصادة مهمتها فقط الحصاد أي قطف الإنتاج لا إيجاده . هذا الأمر الذي سيدفعنا للعودة إلى الواقعية السياسية وتأمّل حالات الانكسارات الكبيرة رغم البطولات التي قلّ نظيرها كُردياً ، وانضباط كما تأطّر حركتها السياسية تنظيمياً وجماهيرياً أكثر من جميع القوى الأخرى ، العاملة على الساحة السورية ، ومع هذا يبقى هو السؤال لماذا أهملنا دراسة أسباب عجزنا في استثمار حاضنتنا وتأطيرها بما يتوائم مع ظروف المراحل مستجدة ؟
والتي أصبحت من أهم العوامل التي تمأسس عليها تشتتنا سياسياً وتساهم في بترنا من جذورنا ، رغم أساطير الصمود وصناعة المجد والبطولة – في كوباني مثلاً – ! ونقيضها حالات الانكسار في مواقع أخرى ! . ومع كلّ هذا ! ستبقى أهم خطوةٍ يفترض فينا تداركها كأحزاب وأفراد ، هو استخلاص العبر واستدراك الأسباب التي أسّست لهذه الخروقات الكثيرة ، وذلك في الإقرار بها والسعي بكلّ جديةٍ إلى مركزة ما يجمعنا وطنياً ، خصوصاً وأنّ التصريحات العجاف – من بعضهم – لا تبشّر بالخير ، وباختصارٍ شديد : لقد ثبت مع الأيام فشل التنظير الأيديولوجي العابر للقومية بعد ان كان كحاضنٍ مركّز وكثيف لها ، ولتصبح كحقلٍ للألغام بالرغم من محاولات التلوّن التي لم تستطع أن تثبت قدميها في كثبان هذه الحقول / الملغومة أصلاً / ومعها عجزت لأسبابٍ كثرت مفاصلها وتوزّعت بين تقليدٍ أعمى لاستبدادٍ قاس وخلطٍ متعمّدٍ كتمويهٍ / وأيضاً فاشل / في فك العرى أو الترابط / سواءً كواقعٍ حقيقي أو ما كانت توحيه الممارسات / وبالتالي سياسة النطّ و / اللعب على المتناقضات كما كانت تسمّيه ، وفي الواقع الكُردي في سوريا يُلاحظ وبوضوحٍ ، أنّ طغيان مفهوم الإدارة والتعامل بعقلية رؤساء المخافر كدورٍ تمّ رسمها لبعضهم ، واقتيدوا اليها بإرادتهم أو من دونها ، قابله الدور البائس للمجلس الوطني الكُردي الذي افترش الأرض وتقمّص نظارته السميكة يعدّد الحفر والمطبّات التي ما توانت الجهة الأخرى في الوقوع فيها أفخاخاً ولا تزال ! …
أمام كلّ هذا ، ومع كلّ بطولات المقاومين ، الا أنّ منظومة الدفاع اهتزّت ، وعليه فإنّ القادمات من الأيام تفرض علينا وبإيجازٍ تجاوز عقد التقيات والعودة إلى مقولة ليس للكُردي سوى الكُردي.
إنّ استباحة كلّ الحقوق والسباحة بها حتى في الهواء الطلق و … إيجاد أداة مقلّمة ﻷظافر الكُرد وعلى ما يبدو أنْ ذلك السياج الهلامي قد ترسّخ بشعاع ﻻيزر غير مرئي وباتت للملل والنحل شرطتها المللية ، أحقاً أنّ بعضنا وجد ليضبط إيقاع بعضنا ؟ الوقائع على اﻷرض تصرخ بأدلتها والمصيبة أنك ما أن تنطق بها سيسبقك سيف عزلهم لك.
إنّ جرأة النقد توازي الفعل النضالي ، ومن أكبر المصائب استهبال القوي المقابل والذي يدفعك فقط لإنجاح أهدافه وأنت تنزف دماً فتمرّر ببعضٍ من السذاجة أموراً تظنّه يشرعنها لك ! لكنه يشرعن فقط لذاته هدر دمك و .. مع انتهاء فترة الصلاحية الممنوحة لك ، ستتناثر فوق رأسك كلّ الأوراق التي خلتها أنت بأنها صكوك وقد غفرت لك ! .. أن تسعى لنشوة بروباغندا ستذهلك بصفعتها ، ولن تسعفك خلق المنازعات والصراعات البينية والتطبيق العملياتي بطابعها العسكري كتنفيذٍ ميداني لما اشتغل عليه اﻷسد اﻷب ، وهي ﻻ تدلّ على قوة النظام بقدر ما ساعده تقوقع بعضهم دهوراً مختبئين بنطاقية قوقعة السلحفاة مقدّمة – للنظام – سلعةً ﻻ بل جرعةً كلامية وليطلب ﻻفروف مثلاً من مجموعة – أصدقاء سورية – الضغط على – المعارضة – للقدوم الى جنيف وغيرها ، والمصيبة هي أنّ أجنحة السلطة في – المعارضات المتعدّدة – لن تأتمر سوى بأوامرها . الامر الذي يلاحظ فقط في نظم الاستبداد وسلطات على شاكلة منفّذ الإعدام بمدافع مضادة للطيران ، حيث يتشارك مسؤولو الأمن والثقافة والإعلام بلغة وسياقات كلام مشوّبة بسايكولوجية على غرار منطوق التافه علي مخلوف وتلامذته !! … ولا غرابة على الإطلاق أن يتناوب واحدهم أو يتنقّل في المراكز الثلاث : أظنّ أنّ غالبيتنا يعبث ويتسلّى بالموقف والمصطلح على هواه ومدى انسجام الكلمة مع مزاج مجموعته فترى المصطلح يموه حسب الحاجة .. المحرّر والتحرير .. الإدارة الذاتية والنظام .. و .. التعريف المركّب : إنْ للنظام أو المتشكّل كإدارة محدثة والمصيبة هي أن يزاحم واحدنا على مصطلح يتوه فيها بدل تفصيل المسألة .. رحم الله امرئ عرف قدر علمه وخزائن معرفته والتزم به . بعضنا يظنّ بأنّ الاجتماعات بقراراتها هي نتاج ولادة المجتمعين أو أنهم قد التقوا ليفصموا عرى الخلافات واحدةً تلو أخرى ، في حين أنّ معظم الأمور تتحلحل قبل اللقاءات الماراثونية من جهةٍ وبالتالي لحلحة المستصعب من الأمور … لقاء دهوك لم بكن وليد لحظتها الآنية وإن سارعت كوباني حينها في تحريكها ، كما هي اللقاءات الأخيرة ومساعي التوافق بعد النكسات المتلاحقة ، إنّ تفكيك العلاقات والتغيير الدينامي يحتاج إلى صبرٍ ووقتٍ والإرادة التي توفّرها / الآن / القوى الدولية . ومع أنّ منسوب التفاؤل يرتفع ساعةً بعد أخرى والتسريبات الدولية هي مقدماتها كما رسائل تحذيرٍ موجّهة بامتياز ، ومع ذلك يبقى منسوب التخوّف من اليد العميقة ، لا بل الأيادي الأخطبوطية التي ستسعى وبكلّ جهودها لإجهاض أيّ تقدمٍ ، يقابلها ضغط مكثّف من الشارع الكُردي وهي تسعى وبالتشارك مع جهود دولية لإنجاح خطوات التقارب ! والسؤال الأكثر إثارةً هو : هل ستنجح الإرادة الدولية في فكفكفة وفصل أذرع الأخطبوط بأنواعها ؟! .. الأيام القادمة ستثبت ذلك .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…