صلاح بدرالدين
سبق وأشرنا مرارا وتكرارا الى ضرورة مناقشة الماضي الذي حوره الشوفينييون وشوهوا جوانب منه وشاركهم بذلك عن ( جهل أو قصد ) بعض الأقلام الكردية هناك الكثير في تاريخ شعبنا يحتاج الى أكثر من وقفة وتوضيح ومتابعة عبر النقاش العلمي الموضوعي الهادئ .
سرخت وبنخت
( كلمتان كرديتان ترجمتهما العربية تعني – فوق الخط وتحت الخط – فقبل ترسيم الحدود السورية التركية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية كان التعريف الشعبي المحلي غير الرسمي يعتبر خط السكك الحديدية الممتد من سوريا الى العراق مخترقا الأراضي التركية في عدة مواقع الذي وضعته ألمانيا لاستخدامه للأغراض العسكرية منذ الحرب العالمية والذي مازال قائما حتى الآن بمثابة الحدود الافتراضية التي تفصل بين سوريا وتركيا خصوصا في منطقتي الجزيرة وكوباني والملفت للنظر فان الكلمتين مازالتا قيد الاستعمال في الوسط الشعبي الكردي بالرغم من مرور أكثر من قرن ) .
بعد انعقاد كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ ونجاحه في تصحيح المسار وإعادة تعريف الشعب والقضية والحقوق واعتماد الشفافية أمام الشعب وقطع أشواط في بلورة المشروع القومي والوطني ومد جسور العلاقات القومية والوطنية والأممية بصورة واضحة وعلى الأسس المبدئية السليمة لم يبق أمام اليمين الكردي الحزبي بعد تراجعه وتقوقعه في محيط ضيق وعجزه عن تقديم الحجج والبراهين المقنعة في صراعه مع اليسار القومي الديموقراطي الا التمسك بأوراق بالية مفرقة للصفوف وحينذاك وكان الصراع الفكري والسياسي بأوجه بدأ مسؤولو الحزب اليميني باعتماد الهجوم على كرد ( سري ختي ) وتحميلهم المسؤولية وقد واجهت شخصيا أحد مسؤولي اليمين عندما قال : أنتم أهل – سرخت – ( فوق الخط ) سبب المشاكل فكان جوابي السريع : عليك ان تشكرهم فلولاهم لما كنت تشعر الآن بانك كردي .
لقد تذكرت هذه الواقعة عندما قرأت بهذه الأيام بأكثر من مناسبة وبعد نحو خمسين عاما تهجم البعض على أبرز قياديين من مؤسسي التنظيم الكردي السوري الأول وهما ( آبو وصمان صبري ود نورالدين ظاظا ) واعتبارها غرباء ومن كردستان تركيا والتنديد بتدخلهما بشؤون الكرد السوريين فما هي حقيقة هذه المسألة بجانبها التاريخي واطارها الجغرافي ؟ ، وماصلتها باتهامات النظم والحكومات السورية المتعاقبة للكرد السوريين بانهم متسللون ولاجئون وأجانب ؟ وماالعلاقة بين مايروج له الآن وبين مانادى به زعيم – ب ك ك – أوجلان بإعادة كرد سوريا الى موطنهم الأصلي بالشمال بثمانينات القرن الماضي عندما كان ضيفا على أهل الأسد ونظامه ؟ ثم ماصلة كل ذلك بالترتيبات الجارية الآن من جانب النظام والمحتلين حول مايسمى ( شمال شرق سوريا ) أو ( شرق الفرات ) ؟ .
المسألة في سياق الثابت التاريخي والمتحول الجغرافي
مهما قيل وكيف مايحدث وامام كل مايمارس على الصعيد العملي من جانب النظام الشوفيني الحاكم في سوريا وغيره من نظم المنطقة في الدول المقسمة للكرد ووطنهم كردستان تبقى حقائق التاريخ ثابتة وشاهدة وأبرزها ان الكرد شعب من سكان المنطقة الأصليين وتعرضوا الى التقسيم في حالتين رئيسيتين بالحالة الأولى خلال الصراع العثماني الصفوي وخاتمتها معركة جالديران في القرن السادس وفي الحالة الثانية الى أربعة أجزاء نتيجة اتفاقية سايكس – بيكو عام ١٩١٦ .
طوال هذه المدة التي تمتد عقودا وقرونا كان الكرد بقبائلهم وعشائرهم وبدوهم ( الكوجر ) يتنقلون في طول وطنهم وبيئتهم وعرضها التي ترعرعوا فيها بين الجبال والسهول والمرتفعات والوديان بحرية تامة أو بوسائل أخرى عند الشدائد وبالرغم من تثبيت خطوط الحدود الوهمية ثم الافتراضية ثم الحقيقية المحروسة بالعسكر والجندرما والقوانين الزجرية العقابية فان الانسان الكردي لم يتوقف امام تلك الحواجز التي وضعت بالضد من ارادته ومن إرادة الشعوب الأخرى أيضا وينطبق الأمر على المناضل والسياسي والشاعر الكردي أيضا فترى ابن السليمانية والمقيم باستانبول شريف باشا مثلا يمثل كرد الأجزاء الأربعة من كردستان في مؤتمر الصلح بباريس وقبله ترى – أحمدي خاني – يعبر بشعره القومي الجميل عن إرادة الكرد جميعا في تقرير المصير .
نعم قد يتم تزوير التاريخ من جانب المنتصر ولكن لن يتم تبديله أو تغييره أبدا أما الجغرافيا فتتقلص وتتمدد ولكن بنهاية الامر لن تتجاوز مسلمات التاريخ وثوابته مهما طال الزمن هذه الحقيقة تنطبق على سائر شعوب المنطقة وبلدانها وماحصل للكرد من إبادة وتهجير وغزو وانتقال وعودة وحرمان حصلت باشكال مطابقة ومختلفة لشعوب المنطقة أيضا وما جرى بين الحدود السورية التركية مابعد العهد العثماني الافتراضية منها والرمزية والواقعية جرى بين حدود سوريا مع لبنان والعراق والأردن وتركيا وفلسطين أيضا .
مجريات الحالة الكردية السورية
التواصل لم ينقطع يوما وفي كل المراحل التاريخية بين كرد المنطقة بفعل أواصر القربى واللغة المشتركة والمصالح المتبادلة وإرادة التحرر والخلاص وتجلى ذلك خلال الحقبة الأيوبية التي جمعت أهل مناطق شيروان ورواندوز والجزيرة وآمد وهكاري وحلب في صفوف القوى المدافعة عن المنطقة ضد المعتدين الغزاة وكذلك خلال العهد العثماني حيث التفاعل كان مستمرا بين كل الولايات الكردستانية بمافي ذلك التمازج السياسي والاجماع على المفاهيم القومية والتشارك في تأسيس الجمعيات والمراكز الثقافية ولم يتوقف ذلك بمجرد انهيار الإمبراطورية العثمانية حيث ظهور حركة – خويبون – القومية كان تجليا واضحا حيث اجتمع فيها الكردي الذي أصبح من التابعية السورية أو التركية أو العراقية .
لاأحد ينكر لجوء العديد من الزعامات القبلية والعشائرية المتنورة والحاملة للفكر القومي وكذلك أفرادا متعلمين الى سوريا في عهد الانتداب الفرنسي وقبله وبعده عندما كانوا يواجهون بالحديد والنار من جانب نظام أتاتورك خصيصا الذي أعلن الحرب ضد الكرد والارمن ولكن عندما وصلوا الأراضي السورية استقروا لدى أقربائهم واهلهم الكرد السوريين فهم كانوا بحجم الافراد والمجموعات الصغيرة وكانوا مجربون في المواجهات العسكرية وبعضهم على دراية بتنظيم الجمعيات والمؤسسات الثقافية في استانبول وآمد ونقلوا معهم تجربتهم لتعزيز الحركة الكردية السورية فيما بعد وحركة – خويبون – مثالا .
الحركات القومية مثلها مثل الحركات الأممية العابرة للقارات والامم والإسلامية العابرة للشعوب والبلدان هي أيضا تتميز بالشمولية أي تشمل كل المنتمين الى القومية الكردية ان كانوا من تركيا او سوريا او العراق أو الاتحاد السوفيتي السابق أو بالشتات فترى مثلا المسيحييون اللبنانييون تصدروا الحركة القومية العربية ( العازوري والبستاني ووو) وكان لدعواتهم القومية الوحدوية اتباع في معظم البلدان العربية من سوريا الى العراق الى مصر وفلسطين .
لدينا أيضا في حركتنا تجربة مماثلة فقد كان ل – حمزة مكسي – و – ممدوح سليم – الآتيان من كردستان تركيا والشاعر – هزار موكرياني – الآتي من كردستان ايران مرورا بكردستان العراق اللذين اقاموا طويلا بين كرد الجزيرة ودمشق دور في اليقظة القومية لدى قطاعات من كرد سوريا بالإضافة الى الدور المميز ل – أوصمان صبري – ولعائلة – بدرخان باشا – بنشر الوعي القومي وكتابة أول الف باء باللغة القومية ونشر الوعي القومي تحديدا في منطقة – كوباني – وعائلة – جميل باشا – ونشاطاتها في منطقة الجزيرة مع – د نافذ واخيه د نورالدين – وكذلك الدور التنويري ل د – نوري ديرسملي – في جبل الاكراد وعفرين .
لقد كان لكل أولئك الذين أدرجت أسماؤهم أعلاه مع آخرين قد تكون أسماءهم طي الكتمان أو النسيان الدور الأساسي في تحقيق اليقظة القومية التنويرية بين أوساط النخبة – القبلية – والزعامات – العشائرية – مثل آل بوزان بك وآل حاجو وغيرهما من العائلات ووجهاء منطقة عفرين الذين تجاوبوا سريعا في تلقف الفكر القومي حسب مقتضيات ذلك الزمان وقد سبقهم الى ذلك النخبة المتعلمة من الكرد السوريين في المناطق الثلاث إضافة الى كرد دمشق .
ردا على الاتهام المردود الظالم الموجه لهما بالتدخل في شؤون الكرد السوريين أقول لم يقم كل من الراحلين – اوصمان صبري ود نورالدين ظاظا – الا بواجباتهم القومية التنويرية والنضالية ولم يقتحما الحركة الكردية السورية ويفرضا انفسهما بقوة السلاح بل قاما مشكورين بالمشاركة بتأسيس أول تنظيم سياسي وانتخب الاثنان سكرتير ورئيس الحزب الجديد ( ١٩٥٧ ) فاذا كان الاتهام نابع من كونهما من التبعية التركية قانونيا فهو باطل لان الاثنين كانا يحملان الجنسية السورية وحتى لو لم يكونا كذلك فا المدة التي أقاموا فيها بسوريا تمنحهم الحق حسب القانون الدولي باكتساب جنسية البلد اما اذا كان مستندا الى الأصل القومي فكلاهما كردييان .
والرجلان وخلال عملهما في الأطر التنظيمية التزما بمنهاج الحزب مع احتفاظ كل منهما بمواقف شخصية خاصة بهما حول مستقبل القضية الكردية وكان لهما ( كل على انفراد ) كل الحق بعد الخروج الطوعي من اطار التنظيم الحزبي أن يمارسا قناعاتهما حسب اختياراتهما الحرة وهذا ماحصل .
نعم هناك تدخلات حصلت وتحصل حتى الآن بشؤون الكرد السوريين وحركتهم من جانب أحزاب آيديولوجية وحركات مسلحة من أجزاء أخرى من كردستان تحاول تصفية ارث وتاريخ وتقاليد الحركة الكردية السورية وتفرض أجندات غريبة عليها هذا النوع من التدخلات يجب الوقوف ضدها وادانتها ومنعها من تحقيق أهدافها بالطرق السلمية وبالفكر والثقافة والحجة المقنعة .