أكذوبة الدراما السورية وتحريف الحقيقة

ماهر حسن 
لا نستبعد تلفيق وتدجيل التاريخ مرةً أخرى من قبل كتّاب وفناني الدراما السورية وتحريف المآسي وجرائم الحرب والعصيان وكل مايحصل في كوردستان سوريا والعمل على إلحاق الصفات النبيلة والكريمة بفصائل القتل والبلطجية الذين تلوثت أياديهم بدماء الآلاف من المدنيين الكورد. المثير للسخرية أكثر من غيره هو زحف الفصائل من بوابات العبودية والارتزاق لأجل بناء الأحلام التركية الوردية في الهيمنة والسيطرة الجيوسياسية، فالتاريخ لا يخفي الدور الجليل للكورد في بناء سوريا وبصماتهم المباشرة أو غير المباشرة ضد العثمانين ورفض اجتياح الفرنسي الجاثم على الأراضي السورية، وبرز من بينهم قيادات إدارية وسياسية وعسكرية على درجة عالية من العلم والمعرفة والشهادات العلمية مما مكنهم من الحصول على مناصب عليا كرئاسة سوريا، ولكن دون ذكر أثر أفضالهم وأياديهم البيضاء على السوريين واللجوء إلى طمس ودثر فضلهم وعطائهم ولو بقراءة بسيطة، أو استبيان بموقف أو عبارة أو جملة في الدراما السورية أو في المناهج التعليمية، على العكس تماماً كان يغدو الفضل بالنسبة إليهم أكثر حوباً و لا سيما إزاحة صفة الكورد عن قادة كبار أمثال يوسف العظمة وسرقة إنجازاتهم الوطنية والتغني بمفاتن ومحاسن ومباهج تعريب عظماء الكورد . 
لا يزال أمثال فيصل القاسم وعنصريين وقومجية آخرين من العرب يأملون في إيصال رسالة زائفة الى المكون العربي مفادها أن الكورد دخلاء مع تشويه امتداد تاريخ الكورد إلى سنوات موغلة في بطن التاريخ منذ أن أسس أجداد الكورد الإمبراطورية الميتانية على نهر الخابور والفرات في عصور ما قبل الميلاد إلى إنشاء الدولة الأيوبية -لا أرغب هنا الحديث عن الحدود حديثة الصنع من قبل سايكس بيكو، إذ لا يمكن حجب شمس حقيقة كوردستان بغربال العروبة- وكما يقول المثل العربي: “إذ عرف السبب بطل العجب” ولا يزالون مستمرين بحملة تشويههم للتاريخ وادعائهم بهروب الكورد من بطش العثمانيين بعد ثورة بيران وسكنهم في مناطق شمال سوريا. طبعاً لم تنجح هذه الإدعاءات الباطلة معهم على الرغم من الاجتياح التركي الأخير، كما فشلت الأنظمة العروبية منذ استقلال سوريا وإلى الوقت الحاضر في إنكار حقوقهم الثقافية والقومية، وحرمان عشرات الآلاف من الجنسية والتحدث باللغة الكوردية، وفشلوا أيضاً في تعريب أسماء قراهم ومدنهم، لذلك لجؤوا إلى كتابة التاريخ بما يتناسب ويتجانس مع أفكارهم الشوفينية، لذلك لم نلاحظ أي دور للكورد في الدراما السورية وهناك غياب متعمد لشخصيات بارزة وصناع استقلال سوريا الحديثة فيها من أمثال سليمان الحلبي “قاتل الجنرال كليبر في مصر” ومحو ايبو شاشو، أحمد بارافي، أحمد الملا، ابراهيم شيخاني، علي آغا بن زلفو، علي بوظو، خليل بكر ظاظا، قدري جميل باشا، خالد برازي، نجيب آغا برازي، خير الدين الزركلي… الخ بالإضافة إلى العديد مند الثورات التي قامت حينها مثل ثورة عامودا وثورة بياندور ضد الفرنسيين. 
لم يختلف وضع الدراما السورية قبل الأزمة وبعدها من تشويه لصورة الكورد وإهمال وجودهم كشريك في سوريا، ولن أقول هنا كمكون سوري – فالكورد أصحاب الأرض ولم يحلوا ضيفاً على أحد-  نعم، النصوص وتسييسها لصالح جهة تعادي الكورد على أرضهم تشبه إلى حد كبير المسرحيات المترهلة والبعيدة عن واقع الناس كما يحصل في كوردستان تركيا، إذ باتت ساذجة بعد تفصيل المشاهد كي تناسب مقاييس حجم الضغينة تجاه الكورد، ولتخلق لدى المشاهد العربي حالة من الخبث تجاه القضية الكوردية وإيصال فكرة سيئة بأن هؤلاء البلطجية كانوا على حق حين قاموا بانتهاك وهدر دم المدنيين في عفرين و كرى سبي و سري كانيه وغيرها من المدن والقرى. 
نرى إلى جانب ذلك أيضاً أن هناك سرد لمواقف مشرفة تجري في أوروبا مع الكورد وبلغة محببة، فنجد صفة “السوري” تطلق عليهم كما حصل مع شاب كوردي أنقذ شرطية من بين براثن متشرد في مدينة فوبرتال. 
ما أحببت التركيز عليه هنا هو أن نكون أكثر انتباهاً عند هذه التفاصيل وعلينا عدم استخفاف بما يحاك ضدنا للنيل منا ورفض مغازلة تيار متعصب ومتشنج إزاء الشعب الكوردي. 
كلمة نهائية يكفينا التقاعس وعدم الجدية، وعلينا العمل معاً للحد من هذه الظاهرة. يكفينا التراخي والتقصير الإعلامي، وعلينا أن نبذل المزيد من الجهد والكد وإشهار أقلامنا في وجه كل من يعادينا ومن يحاول طمر حقيقة وجودنا كشعب حي أصيل يعيش على أرضه منذ آلاف السنين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…