دكتور محمد مصطفى
نشر المركز الكوردي السويدي للدراسات مشكوراً, بحث قيم بعنوان (رحلة العقل الكردي) للاستاذ مسعود دلبوداك, تطرق الى مراحل تطور العقل الكوردي.
وقسم العقل الكوردي الى عقل طبيعي وعقل اجتماعي وعقل ديني وعقل قبلي وعقل مستقبلي والعقل الحالي .
يمكننا القول اصطلاحاً إن العقل واحد فقط، فرويد هو من أوجد في العقل, ثلاثة عقول, من الجدير بنا القول الوعي او الفكر الاجتماعي أو الوعي القبلي او الفكر الديني ، فالعقل الواحد لا يتجزأ .
أن تاريخ الفلسفة هو تاريخ تطور العقل, قال كانط جملته الشهيرة (كُن جريئاً في إعمال عقلك) ومن منظوره لن نُشير الى ما وراء الشمس ,إنه أكثر الفلاسفة من درس العقل وقسمه الى العقل المحض والعقل العملي .
لا يوجد مفهوم واحد للعقل في الفلسفة. في اليونان القديمة العقل هو اللوغوس, وقد قال ارسطو العقل :هوالقوة المعرفية ,الأهم بأعتباره القوة المستدلة والمتأملة، والامام علي بن ابي طالب يرى العقل نظير للحق، وعند ابن خلدون فان العقل هو معيار للخطأ والصواب,. واما عند اسحاق نيوتن أفضل العقول هو العقل الذي يبحث عن الحقيقة، أما هايدغر فيُرجع اللوغوس الى اللسان، في حين نرى ان هيغل يرتقي بالعقل الى المطلق, و اندريه لالاند يتحدث عن عقل مكون وعقل مكٌون, وهناك العقل الاداتي ,والعقل التواصلي عند يورغين هابر ماس , وتنبأ وينستون تشرشل في حينه بأن الامبراطورية القادمة هي امبراطورية العقل .واما في ايامنا ظهر الذكاء الصنعي (العقل الآلي) الذي يوازي في اهميته اكتشاف المحرك البخاري في القرن الثامن عشر وهو عقل المستقبل .
من الملاحظ خلال الدراسة أن هناك شبه تماهي مع دراسات تكوين العقل العربي بحكم العوامل الجيوسياسية والروابط التاريخية والعيش المشترك والتداخل الاجتماعي والثقافي, وسنحاول اسقاط ما جاء في هذا البحث على الواقع السياسي الكوردي السوري وليس الكوردستاني أذ لا يحق لنا تناول الشأن الكردي العراقي أو الكردي التركي.
قال كارل ياسبرز الاسئلة في الفلسفة أهم من الاجوبة، وكما قال اريك شميدت الرئيس التنفيذي لمحرك غوغل أننا ندير هذه الشركة من خلال طرح الاسئلة وليس من خلال الاجابات وإن معرفة تواصل التسائل يقود دائماً الى إجابات افضل. وقيل العلوم أقفال والاسئلة مفاتيحها.
لقد طرح الباحث عدة اسئلة مهمة مثل :
هل تدهور المجمع الكوردي قائم على عزل الوعي لديه عن الواقع وتهميش دور العقل لصالح العاطفة ؟
وهل تبعية العقل الكوردي للغير سبب الفشل في إنتاج ذاته وتطوير مجتمع وهل الفشل قدر حتمي يتميز به العقل الكوردي دون غيره ؟
ثم يجيب الباحث في المتن على الاسئلة المطروحة بقوله :
(“هيمنة العقل الاعتقادي على العقل المنطقي لدى الكوردي بسبب بنية الفقه الشافعي الاكثر تقيداً بالنص شكل جموداً في تفكير الكوردي, بما يتعلق بتطبيق الفقه الديني والاحكام الحياتية التي سبب تطبيقها المستمر لفترة زمنية طويلة نمطية تفكير راديكالية اصبحت جزءاً من بنية العقل الكوردي”)
“يضيف الباحث( غلب الكوردي عقله الاعتقادي على المنطقي فلا يزال مرة تلوى الاخرى في مسيرته المتعسرة اصلاً فالكوردي لا يتعلم من الاخطاء الماضي إلا نادراً وربما أكثر العقول تاثيراً في ثقافة الكوردي كان العقل الديني الاعتقادي”)
لقد قام بعض المنظرين الفرانكوفونين من السوربون طوال القرن الماضي وخوصاً بعد حرب عام 1967 بطرح مثل هذه الرؤية مرراً وتكراراً على غرار الفلسفة التقليدية التي تميل ان تجعل الحقيقة تنظر دائماً الى الخلف, وقد بقيى هذا المنظور سائداً طوال القرن العشرين, والى يومنا هذا وأصبح يتكرر حتى لدى المستشرقين الجدد, وفي أوساط من يُسمون بالمصلحين وهذه رؤية استشراقية بدأها الفيلسوف الفرنسي ارنست رينان, وقد كٌتب حمل بعير من الابحاث والدراسات بهذا الصدد من خلال النبش والسبر في الموروث الثقافي الديني على مدى قرون من الزمن من خلال البحث عن إجابات لأسئلة اليوم, في الماضي السحيق ويعودون إلى العصر الوسيط ,إذ يرجعون اسباب تلكأ العقل العربي الى تبني مذهب واحد بعينه .
كان السجال حامي الوطيس طوال القرن العشرين في مصر وغيرها من البلدان بين ما يسمى بالمصلحين واليسار الاسلامي من جهة, وبين المحافظين من جهة اخرى مع أن مصر لم تحكم طوال القرن العشرين من قبل الاسلام السياسي ولو ليوم واحد, بل حكمت بدساتير وضعية, مدنية, وعلمانية في ايام الاحتلال الانكليزي والحكم الملكي, وفي ايام الجمهورية بعد ثورة عام 1952 فترة حكم نجيب وعبدالناصر وسادات ومبارك وطوال هذه الفترة كان الاسلامافوبيا فزاعة وحُجة لتبرير وتأصيل الاستبداد والفساد ولمنع تداول السلطة واخيراً شرعنة التوريث وأمتدت السجالات الحامية الى دول المغرب العربي كتونس والجزائر والى دول المشرق كسوريا ولبنان وغيرها من البلدان العربية، وقد سلم الاستعمار المنطقة الى العلمانيين ووضع دستاير علمانية للبلدان المتحررة.
لقد باتَ من الواضح ان النظرية الدينية في تفسير اسباب التخلف العقل السياسي غير مجدية, بعد الانفجار المعلوماتي وعولمة الثقافة والتأثير الهائل للسوفت باور في عالم السياسة, خصوصاً أصبح في ظل الوضع القائم التفسير الديني والمذهبي نوعاً من الترف الاكاديمي, أذ اصبح العقل الاعتقادي, خارج السياسة فدرجة تطور العقول لا تتعلق بالاديان والمذاهب, فأذا اخذنا مصر مثلاً بؤرة السجالات , يمكننا طرح سؤال: مثل لماذا لم يحقق خمسة عشر مليون مسيحي قبطي في مصر نهضة مثل خمس ملايين سنغافوري؟ وهل العقل المسيحي في جنوب السودان أكثر تطوراً من عقل بقية السودانيين؟ وهل مستوى درجة تطور عقل الانسان المسيحي في هنغاريا وبولونيا بمستوى تطور العقل في السويد مثلاً ؟ولماذا هناك تخلف اقتصادي في بلدان امريكا اللاتينية ذات الغالبية المسيحية ولماذا تتخلف عن امريكا الشمالية؟ كما ان معظم دول افريقيا تُدين بالمسيحية والسؤال لماذا افريقيا لم تتطور مثل اوربا ؟ وهل العقل المغربي أكثر تطوراً من العقل العراقي ؟ وهل العقل الجزائري أكثر تطوراً من العقل السوري ؟ هذه اسئلة منطقية تفرض نفسها عند تناول هذه المسألة من المنظور الديني والمذهبي.
يجب النظر الى المسألة من ابعاد وزوايا مختلفة ومن الغير المجدي الانحياز الى الرؤيا الإحادية بالقاء اللائمة على التراث الثقافي والديني وخصوصاً أصبح خارج السياسة منذ أكثر من قرن من الزمن على أقل تقدير والسياسيون ينتمون الى (ميكافيلي وشتراوسيين اشاوس) فهم ينحدرون من أفضل الكليات السياسية والاكاديميات العسكرية الغربية واستلهموا بثقافة وقيم الغرب في ظل الانفجار المعلوماتي وعولمة الثقافة ومن الخطأ القاء اللائمة على اتباع مذهب واحد بعينه وجعل معايير العقلانية الانتماء الى مذهب معين واذا كان مثل هذا الطرح صحيحاً, لماذا لم تظهر المواهب والنبوغ في المغرب العربي أو الجزائر ولماذا لم يظهر مخترع بارود جديد ,مثل نوبل في المغرب أو مخترع أبل ,في الجزائر أو تونس .
هذا اذا كان هناك عقل مغاربي متطور وعقل مشارقي متخلف وهذا يدل الى خطأ اصحاب الرؤية المذهبية، وبالنتيجة : أن ثلاثية تخلف العقل السياسي هي الاستعمار والاستبداد والفساد.
لقد ولى عهد السرديات الكبرى وانتقل العالم الى السرديات الصغرى مع الأخذ في الاعتبار التطورات والفروقات الجيوسياسية، إن معظم المذاهب الفلسفية المعاصرة مطبوعة بطابع التخصص, من الخطأ النظر بمنظور الكل الواحد لقارة بأكملها وتعميم الجزء على الكل, فإلادراكات المعرفية والقيمية, تتماييز حتى بين قرية واخرى, في زمن العولمة الثقافية.
عكف بعض الفرانكوفونيين العرب والمستشرقين الفرنسيين واتباعهم المنبهرين على دراسات ابن رشد في القرن الثاني عشر وابن خلدون في قرن الرابع عشر وأرنست رينان في القرن التاسع عشر وقد استمر التقاليد البحثية الى يومنا هذا من خلال تكرار المكرر, في حين كان ابن خلدون نفسه يقول ( ان اتباع التقاليد لا يعني ان الاموات احياء بل الاحياء اموات) وما ابعد ما فات وما اقرب ما هو آت, أي يجب اتباع طريقة اخرى في البحث خارج اطار التقاليد المعروفة برؤية معرفية جديدة بعيدة عن القراءة المتزمتة للتاريخ بل بنظرة تأملية, تأريخانية, تواكب المستجدات في عصر العاصفة المعلوماتية وتنوع مصادر الثقافة والمعرفة, أذ لم يبقى التراث الثقافي ,المصدر الوحيد للمعلومات كما في العهود الغابرة, بل بمنهجية جديدة. أذ قال هيغل ذات مرة: الفكرة التي تزوجت في هذا القرن ستصبح ارملة في القرن القادم. والبحث عن الحاضر في الماضي, والماضي لايعود إلا على شكل اطياف والتاريخ لا يتكرر ولكن الباحثين والمؤرخين يكررون انفسهم, يمكننا القول أن اهم عوامل تكوين العقل السياسي في القرن العشرين, كانت المدرسة والسكنة ومن ثم السوفت باور مؤخراً والتعليم في الكليات السياسية والعسكرية والدراسة في الكليات الغربية الراقية لابناء النخب الحاكمة . ولهم مستشارون من الغرب في كافة المجالات, وقد أُستلهموا من الغرب والحضارة الغربية وهم على صلات وثيقة بالقيم الغربية, واما المناهج التعليمية فكانت علمانية مترجمة في معظمها من مناهج غربية فرنسية او انكليزية والقضاة يدرسون القانون الروماني والغربي في الكليات, بعض المواد كالتربية القومية والتاريخ, مادة التربية القومية دُون فيها أمجاد العرب وفتوحاتهم منذُ ايام عنترة بن شداد وابو زيد الهلالي وحرب البسوس وغيرها من اساطير العرب والشهامة والفروسية ويحكى عن تأمر الامبريالية والصهيونية على الامة واما مادة التربية الدينية هامشية فيها مقتطفات من بعض الايات, تُدرس ساعة أو ساعتين في احسن الاحوال في الاسبوع.
لقد كان رأي ابن خلدون في القرن الرابع عشر أكثر صواباً ,من بعض الفرانكوفونيين في القرن العشرين الذين اعادوا اسباب تخلف العقل الى الاديان والمذاهب, قال ابن خلدون ( ليس في العرب حملة العلم, لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم العقلية إلا في القليل النادر ) ويعلل أبن خلدون ذلك ليس بسبب عرقي او تفاوت في الذكاء بين الاقوام بل الى : (السبب في ذلك أن الملة في اولها لم يكن فيها علم ولا صناعة, لمقتضى احوال السذاجة و البداوة …) المقدمة ص1048 , وهذا ما يتماهى ما رأي ماركس الذي اعادة تطور العقل الى قوة الانتاج اي الصناعة.وهنا التقى العباقرة ,وتطابق رأيهم ولو بعد قرون .
وخلاصة القول ارتبط تطور العقل في القرن العشرين وفي أيامنا بالتطور الهائل للقوى المنتجة. فالقوة المنتجة وعلاقات الانتاج ,في علاقة تأثير وتأثر متبادلة كالضوء والرؤية (عين) ولم تقف الاديان والمذاهب حجرة عثرة خلال القرن العشرين في وجه تطور العلوم والمعارف ويجب البحث في الاسباب السياسية ,والاقتصادية للتخلف ,في كل مجتمع بمفرده .تكمن الاسباب في ثلاثية الاستبداد والفساد وعدم تداول السلطة.
الثالوث
اولاً : اعتمد معظم الباحثون على مقدمة ابن خلدون في تحليل العقل السياسي العربي, والذي عاش في ايام عزو المغول للشرق في القرن الرابع عشر. كان قاضي القضاة عند الايوبيين وضع الاسس الثلاث للعقل السياسي العربي :
السلوك العشائري
التطرف الديني
الاقتصاد الريعي
ثانياً : مع انفتاح المسلمين على الثقافة الاغريقية والفلسفة اليوناينة ,ظهرت إشكالية العقل والنقل وقد قام ابن رشد الاندلسي بترجمة كتابات ارسطو وساهم في نقل الفكر اليوناني الى العربية وعاش في القرن الثاني عشر وعمل حوارات مع توما الاكويني, تشكلت الرشدية من اشياعه فيما بعد في جامعة بادوفة في ايطاليا وجامعة باريس وقد قامت مجموعة من المفكرين بترجمة كتاباته الى اللاتينية والفرنسية وطرح ابن رشد اشكالية :العقل والنقل .
ثالثاً: درسات المستشرق الفرنسي ارنست رينان الذي ألف كتاب بعنوان ابن الرشد والرشدية في عام 1869 عن فلسفة ابن رشد واتباعه, وكان قد كتب مقاله المثير للجدل بعنوان (الاسلام والعلم ) وكذلك مناظرته المشهورة مع جمال الدين الافغاني، وقف رينان موقفاً نقدياً من الاديان المسيحية والاسلام على ا لنقيض من المستشرقين الاخرين من أمثال روجيه جارودي وهنري كوربان. وقد قام رينان بتأويل تعاليم المسيح على طريقة القديس اوغستين عام 430 م الذي عمل جاهداً على التوفيق بين الفلسفة اليونانية وتعاليم المسيح على غرار فينون الاسكندري الذي حاول تأويل التوراة تأويلاً عقلياً سنة 50 بعد الميلاد ، اهتم رينان بتاريخ الاديان واللغات والاجناس وقام بنقد تعاليم المسيح نقداً علمياً ودعى الى تمييز بين العناصر التاريخية والاسطورية في الكتاب المقدس, مما ادى الى قيام الكنيسة الكاسوليكية لمعارضته. ولقد انتقد جوستاف لوبون اسلوب رينان في انتقاد الاديان في كتابه الاخير فلسفة التاريخ .وقد استلهم بعض الفرانكوفيين العرب افكارهم من فلسفة ارنست رينان وجعلوا من الاسلامافوبيا , فزاعة لديمومة حكومات الاستبداد التي حكمت بعد زوال الاستعمار. لقد استعمرت فرنسا الجزائر منذ عام 1830 وقتلت ما يقارب مليون جزائري خلال هذه الحقبة وما زالت تستعمر هنا وهناك كمان يقول الشاعر الكبير ادونيس.
ما زالت فرنسا تستعمر 14 دولة افريقيا من خلال( قانون استثمار الاستعمار) وتفرض عليهم عملتها فرنس افريك، وقد قال الشاعر ادونيس قبل سنة في هيجاء فرنسا( “أين حقوق الانسان في فرنسا, عندما يباد شعب كامل من اجل لا شي ويضيف الغرب عاش ويعيش على الاستعمار، المانيا لم تستعمر العرب يوماً وفتحت صدرها لحوالي مليون سوري, وفرنسا لا زالت تستعمر العرب هنا وهناك ضاقت بعدد قليل من اللاجئين وكذلك بريطانيا )” .
وقد رسخت فرنسا دعائم الطائفية السياسية في بعض البلدان وفرضت انظمتها السياسية, .في ايام إبادة هنود الحمر طرح جون لوك مبدء الارض لمن يعمل بها.
لقد بات من الواضح إن منظومات الفساد والاستبداد, هي التي تفرز التطرف الديني والعرقي والمذهبي, من خلال استحواذ قلة من النخبة الاوليغارخية على الثروات ومقدرات الشعوب وإن جامعة سوربون لم تصدر الى المنطقة افكار الثورة الفرنسية, عدالة, حرية, مساواة ,والفكر القومي المتنور في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي بل جلب القادمون منها, الفكر القومي الفاشي والشوفيني الذي اصبح ايدولوجية لمنظومات استبدادية, استخدمها الطغاة ضد شعوبهم ,لم يقف النظام الفرنسي الرسمي ضد الحكام المستبدين الذين مارسوا القمع والاضطهاد ضد شعوبهم .
العقل السياسي الكوردي
يقول الباحث ” إن العقل السياسي الكوردي لم يكن مهيئاً لقيادة المجتمع الكوردي تاريخياً وسبب الكوارث لهم لما يشغلم من اهميته في تحديد مصير الشعوب حاضراً ومستقبلاً وهنا لن نخوض اكثر في العقول التي حاولنا تفكيكها وتحليلها وفق التصنيفات السابقة لتناول ما فاتنا من تفاصيل في بُنية العقل الكوردي الحالي “
ويتابع القول ( عزوف العقل الكوردي الحالي عن القراءة السبب الرئيسي لفقدان المعرفة المنطقية والتفكير التوسعي وضيق الافق العقل الكوردي ويتمييز العقل الحالي بأنه منفعل ورد فعل لفعل مقابل ويتحرك بواسطة غيره ولا يمتلك المبادرة والخطوة الاولى لذلك ترى العقل الحالي يصل دائماً متاخراً واحياناً لا يصل ابداً ينطبق هذا الوصف على الجانب السياسي ولم ينتج العقل الكوردي زعامات سياسية بمحض ارادته غالبا ما فرضت عليه بشكل او بأخر وقد لعبت سلطة القبيلة والعائلة دوراً بارزاً في انتاج القوى السياسية كما ساهم الصراع بين الدول المتقاسمة لارض كورستان عبر دعمها لحركات (تمرد) كوردية في البلدان المجاورة لتظهر قيادات محسوبة ومدعومة من طرفها يراد منها خدمة الدولة الداعمة ولا يهمها مطلقاً الحقوق الكوردية فهل قيادات السياسية التي ظهرت كانت مؤهلة سياسياً ؟ ) (.أنصاف المتعلمين أخطر من الجهلة .) ف نتشه
ويتابع الباحث القول واصفاً حالة المثقف الكوردي :
” ولم تكن حالة المثقف الكوردي في التشرزم القائم في الواقع السياسي كون المثقف الكوردي يعاني هو الاخر من تشتت معرفي وفكري ولم تنجح النخب المثقفة مجتمعاً في انتاج معرفة كوردية وتوعية ثقافية للعقل الكوردي ولم تتمكن اصلاً من تشخيص الحالة ناهيك عن إيجاد الحلول لها يتتحول المثقف الكوردي الى متفرج وبأحسن الاحوال مشجع ومصفق للقيادات السياسية ” .
ظهر اول تنظيم سياسي في الاوساط الشعبية في الجزيرة تنظيم الحزب الشيوعي السوري الذي تأسس في سوريا ولبنان عام 1924 ثم تأسست جمعية خويبون في لبنان 1927 من قبل الاكراد المهاجرين من تركيا .في الثلاثينيات من القرن العشرين ولدت هذه الجمعية وهي تحمل معها عناصر فشلها, قام المثقفون الكورد بأنشاء مجموعة من الجمعيات السياسية والثقافية مثل جمعية الامل 1937 وغيرها, ثم حركة الموريدين في كوداغ في عفرين وفي عام .1932 . الحركة الاستقلالية المسيحية الكوردية, وتأسست العديد من الجمعيات الثقافية والنوادي مثل رابطة المثقفين الكورد 1945 اسسها الدكتور احمد نافذ وقد انخرط العديد من الشباب الكوردي في صفوف الحزب الشيوعي السوري ثم أنضم بعضهم الى الحزب الديمقراطي الكوردي الذي تأسس في عام 1957 بسبب سياسات الحزب الكوسموبوليتية, الذي أصبح ينافس الحزب الشيوعي السوري في المناطق ذات الغالبية الكوردية وقد تعرض الحزبان للقمع في ايام الوحدة المصرية السورية في بداية الستينيات القرن الماضي حيث ارتفع درجة التوتر الشوفيني العنصري ضد الاكراد في الجزيرة وغيرها حيث زجى الكثيرين من اعضاء الحزبين في السجون.
من الجدير بالذكر التنويه هنا أن قادة الحزب الديمقراطي الكوردي كانوا حتى في السجن مختلفين. وخرجت الخلافات خارج اسوار السجن وتكللت هذه الخلافات في عام 1965 بالانقسام الاول الى يمين ويسار ثم حياد. فيما بعد ومنذ ذلك الحين بدء مسلسل الانقسامات المتتالية, حتى وصلت عدد الاحزاب في يومنا الى مئة حزب .فأذا حدث انقسام في اليمين ايده وشجعه من في اليسار, والعكس صحيح، عرف المجتمع الكوردي السوري بإسلامه المعتدل وعرفت الجزيرة التعددية القومية والتنوع المذهبي من خلال العيش المشترك بين أطياف المجتمع المختلفة ولم يعرف المجتمع الكوردي التطرف الديني, وقد انتشرت الافكار الماركسية على نطاق واسع في الجزيرة بسبب انتشار الصراع الطبقي ونشاط الحزب الشيوعي ففي بداية الثمانييات من القرن الماضي كانت معظم الاحزاب الكوردية تعرب عن التزامها بالماركسية اللينينية أو الاهتداء بها .واليكم ما كتبه الدكتور احمد نافس السكرتير للجمعية الكوردية للاتحاد والحرية .(الرسالة من مدينة القامشلي بتاريخ 17 تموز 1945 الى ستالين هذه الرسالة التي نقلها السفير السوفياتي في لبنان الى وزارة الخارجية السوفياتية وذلك في 1 تشرين الاول وهذا نص الرسالة :
صاحب الفخامة جوزيف ستالين جنرال سيموس الاتحاد السوفياتي .. أسمح لنفسي, صاحب السيادة أن أتحدث لسياتكم بأسم الجمعية الكوردية للاتحاد والحرية عن مباركة الشعب الكوردي بأسره ولا سيما الشعب الكوردي في سوريا وتركيا لما تنتهجه الاتحاد السوفياتيمن سياسة تحريرية معادية للفاشية, الذي يسير تحت قيادتكم الحازمة, إن الشعب الكوردي …….. ولكي نبني كوردستان على اسس المبادى الخالدة لكارل ماركس ولينين والجنرالسيموس العظيم ستالين نضع منظمتنا تحت التصرف الكامل لحكومة اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية وأخيراً تقبلوا يا صاحب السيادة الثقة بأخلاصي الشديد ) السكرتير العام للجمعية الكوردية للاتحاد والحرية الدكتور احمد نافذ . من الجدير بالذكر إن هذا الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار ,هو الاخ الاكبر للدكتور نور الدين زازا .
وطوال القرن الماضي لم تظهر أي حركات سياسية ذات طابع ديني في الاوساط الكوردية , يمكننا القول أن العقل الكوردي السوري السياسي قد تبلور بصورة اساسية في المدرسة والسكنة واخيراً السوفت باور, حيث كانت المناهج باللغة العربية ولم يقبل عموماً الشباب الكورد في كليات العلوم السياسية والاكاديميات العسكرية إلا ما ندر منهم القلائل في كلية الصحافة وقد حصل المئات من شباب الكورد على منح دراسة من والحزب الشيوعي السوري ودرسوا في معاهد وجامعات اوربا الشرقية.
الملاحظ حتى الماركسي الكوردي كان يتمسك بالنصوص ويظهر الولاء التام للسياسات السوفياتية في مختلف المنعطفات .وغالباً ما ساد الجمود العقائدي والكوسموبوليتة .
لم يدرس أحد من سكرتارية الاحزاب السياسية العلوم السياسية عموماً. ولا يحملون شهادات عليا إلا ما ندر، لقد ادى ضيق الافق السياسي والثقافي بالاضافة الى عوامل اخرى الى سباق مارثوني من قبل مقاولي الاحزاب, فالحياة التنظيمية الانتخابية تُدار بالقوائم السوداء, ورفيق اليوم عدو الامس وتتشكل الاحزاب التنظيمات الجديدة على اساس الولاءات وصلات القربى والانتماء العشائري مؤخراً ظهر على السطح وهكذا في كل مؤتمر, يتم تقسيم المقسم, وتجزئة المجزأ السياسي الحزبي.
السياسي الحزبي (ميكافيلي وشتراوسي اشاوس) الغاية عنده تبرر الوسيلة فهو ينتقل من موقف لموقف بين عشية وضحاها حسب مصالحه الشخصية.
طرح الباحث مسعود دلبوداك سوالاً عن تبعية الاحزاب؟
السيدان صلاح بدر الدين والمرحوم عبدالحميد درويش (قطبا اليمن واليسار ) يجيبان بوضوح عن سؤال التبعية ويؤكدان في مقابلاتهم الصحفية مع قناة اورينت, برنامج( ضيف المشرق) يجيبون عن سؤال التبعية ,بصراحة وعلى الملأ وكذلك تحدث المرحوم عبدالحميد درويش في برنامج( بنجمور )على قناة روداو اجاب عن سؤال التبعية, ويشير السياسي المخضرم صلاح بدرالدين في العديد من كتاباته الى مسألة التبعية, وكذلك الدكتور محمود عباس الحيادي المستقل المقيم في الولايات المتحدة كتب العديد من المقالات يجيب فيها عن سؤال التبعية .
يسعى السياسي الكوردي غالبا الى تحقيق مصالحه من خلال حزبه, والحزب عنده اهم من الشعب وهو في قِرارة نفسه, اقطاعي الهوى وطوباوي وضيق الأفق, يغلب العاطفة على المنطق, والرغبات على الضرورات والطموح الشخصي, ومتمركز على ذاته, والدليل على هذا الكلام منذُ خمسينات القرن الماضي والى يومنا هذا لم يستقيل قيادي كوردي واحد من العمل السياسي بمحض إرادته, سوى السيد صلاح بدرالدين وهو الاكثر كاريزميةً وحضوراً منهم , السياسي الكوردي لا يُحبذ (تداول الكراسي ), لقد اتسم المجتمع الكوردي بطابعه الريفي العشائري التقليدي البسيط يولد الطموح الى الزعامة والواجهة بالفطرة .
عندما تأسس المجلس الوطني الكوردي بذل كل حزب جهده ليجعله حزباً له, فلم يعطوا اي دور للمثقفين المستقلين والشباب فكانت كل القرارات تتخذ من قبل بعض الاشخاص ينحدرون من الدرباسية وعامودا, يعملون خلف الكواليس ,ولم يدخل واحد منهم السجن ولو ليوم واحد .وما زالوا يحتكرون قرارات المجلس .,وكان نشاطهم الحزبي يتلخص بتنظيم بعض دبكات (الشيخاني) في أعياد النوروز والتي هي عبارة خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء على اسم كتاب لينين .وكان يعامل المستقلون كغرباء ويجري التضييق عليهم في ما يسمى بلعبة الانتخابات, ولم يراعى يوماً التمثيل الاقليمي بأنصاف (عفرين وكوبانى) وعادة ما كان يُحول كل خلاف سياسي الى خلاف شخصي. وينطبق نفس الكلام على الشأن الثقافي ايضاً فعندما تنشر مقال سياسي لا يتم مناقشة الافكار المطروحة في المقال يبدأ النقاد بالهجوم الشخصي على صاحب المقال.
في عام 2011 عاد السيد صالح مسلم من قنديل في دمشق وأجرى لقاء سياسي مع الجماهير, وبعد إنهاءه لحديثه التزم الجميع الصمت، عملتُ مداخلة بعد أن أنهى حديثه, من جملة ما قلت له أنكم تحاولون تحرير عشرين مليون كوردي تركي, بمليونين كوردي سوري ؟ لماذا خلط المسائل ليعمل كل طرف على حدى ؟. فرد مباشرةً أن البعض كانوا تجار وعملوا مع الفلسطينين واليوم يعطون دروساً. وهكذا تم شخصنة المسألة بدل مناقشة الفكرة فرديت عليه ثانيةًو هكذا .
في عام 2004 كنت في دمشق وتم القاء القبض في الصباح الباكر على أكثر من ألف رجل, وتم زجهم في السجون والاقبية. شكلنا لجنة . وبعد يومين حضرنا الى المحافظة لمقابلة اللجنة الامنية برئاسة الدكتور خليل مشهدية عضو القيادة القطرية وبحضور محافظ دمشق وقائد شرطة دمشق واللجنة الامنية للدفاع عن السجناء. وحضر كل وجهاء حارة الاكراد في دمشق مع ممثلي الاحزاب الكوردية في مكتب المحافظ, وبدأالتهديد والوعيد ولم يجرؤ احد على الدفاع عن السجناء من الاحزاب الكوردية او سواهم من الوجهاء وحتى ممثل الحزب الشيوعي الرسمي لازم السكوت. وقد بدأت بكسر هذا الصمت الخائف ودافعت عن الاكراد وقلت كلمة الحق, حتى بدء الدكتور خليل بالصياح علي, وكان على وشك طردي من قاعة المحافظة وتابعت حديثي .
وتكرر نفس المشهد عند اللوء محمد منصورة عندما استلم شعبة الامن السياسي بعد غازي كنعان عندما لازما وجهاء القوم الصمت واكتفوا بكيل المديح،
تم طردي من الحزب الشيوعي السوري حيث كنتُ معارضاً فيه منذ ايام البروسترويكا عندما كنتُ سكرتيراً لمنظمة موسكو. في عام 2007 حضرنا ندوة في المكتب المركزي للحزب الشيوعي السوري هاجم أحد الأطباء السيدان جلال طلباني ومسعودبار زاني وقام بشتمهم بكلمات نابية في الندوة فتصد يتُ له بالمثل, وفرطت الندوة. وقامت الجماعة بعد الندوة بأسبوع بفصلي لمدة ستة اشهر من الحزب. وفي عام 2011 عندما قمنا بتأسيس المجلس الوطني الكوردي تم ترشيحي من قبل الجميع في دمشق من قبل البارتي والتقدمي والبيدا فأصبحتُ ممثل اكراد الشام في المجلس وعضو في الامانة العامة. وذات مرة كلفنا ثلاثة من سكرتارية الاحزاب بأعداد مسودة تقرير سياسي للمجلس. وبعد ثلاث اجتماعات كتبوا صفحة ونصف وعندما بدأنا بمناقشة مواد التقرير تم اتهامي بأنني ستاليني, والقصد من هذا السرد هو أن هناك من يُريد جعل المجلس حزباً له ويجعله في خدمة مفاهيمه الحزبية الضيقة والمستقلون ما هم إلا واجهة وكمالة الديكور لديهم ومجموع المنضوين في كافة الاحزاب لا يشكلون في احسن الاحوال اكثر من 5% من اعداد الشعب .وقد جرى التضيق على الدوام لطردنا من المجلس وتم لهم ذلك فقد كناعشرة اعضاء مستقلين و11 سكرتيراً للاحزاب إذ لم يبقوا على مستقل واحد من الذين شاركوا في تأسيس المجلس ,وتم إخراجهم الى خارج المجلس بأنتخابات تكتلية تباعا.
الاطباء الفلاسفة
” يقول جوستاف لوبون في كتابه فلسفة التاريخ ص 158 في اقل من نصف قرن أبصر العالم في ميدان العقل, تقدماً أعظم من جميع ما حقق منذ أقدم الازمان, حيث كانت تُرسم الحضارات الاولى على ضفاف النيل وسهول كلدة وقد تم للفكر البشري من التحولات في اقل من نصف قرن أكثر مما تم له خلال ثمانية الاف سنة ” ، وتنبأ لوبون بأن المنازعات في المستقبل لن تكون صراعاً بين المصالح الاقتصادية فقط بل مصادمات بين الاوهام النفسية ايضاً، وقد وضع فرويد نظرية التحليل النفسي واشار الى دور الغرائز في سلوك الافراد والميول العنفية لديهم ووضع نظرية العقل الباطن وقسم العقل الى ثلاثة عقول في عقل واحد, وذلك في عام 1895وهي الانا اي العقل الواعي, والهو هي الجزء غير الواعي او العقل الباطني, والانا العليا وسماه كارل يونج الذي انفصل عن فرويد اللاشعور الجمعي. وشبه فرويد العقل بالجبل الجليدي، كارل يونغ تجاوز اللاوعي الفردي عند فرويد وتحدث عن اللاوعي الجمعي, وأكد أن الشخصية الانسانية تخزن في عقلها الباطن تجارب وثقافات وحضارات البشرية منذ بدايتها الاولى.
وقام جوستاف لوبون بنقل نظرية اللاشعور لفرويد المطبقة على الافراد, على الجماعات البشرية(الحشود الجماهيرية) ووصف الحالة في مؤلفه سيكولوجيا الجماهير نكتبها بشكل مُبسط: بمجرد ان ينضم الفرد الى حشد او جمع من الناس تطرأ عليه تغيرات مثل تملك صفات وخصال لم يمتلكها وهو بمفرده ,فعقله الواعي يصبح في أضعف حالته, وكذلك عواطفه تصبح مرتبطة بعواطف الحشد الهائجة, العارمة, ويصبح دور العقل الواعي شبه غائب ويصبح الشخص تحت سيطرة العقل اللاواعي الجمعي بشكل لافت, العقل الجمعي يعطي شعوراً بالقوة واللامبالاة وعدم تحمل المسؤلية, وعدم الخشية من اي عواقب ,من اقتراف اي سلوك او فعل يستحيل ان يصدر من شخص بمفرده. بمجرد ان يشعر الانسان بقوة يبدأ بالتمرد على المبادئ والقواعد, يبدأ غروره بدفعه نحو تجاوز المحظور والممنوع, ما ان يصبح جزءاً من الحشد يكتسب صفات الجماعة الجديدة ,يغير جلده فتخطف الجماعة عقله الواعي ويصبح دمية يحركها الجمهور بالريموت كونترول , وتوتر العواطف عالي في الجمهور, ويصفها لوبون بالنسوي(مثل المراة) فأذا تعاطف الجمهور مع شخص او تبنى فكرة, فتتحول تلك العاطفة الى تقديس وتبجيل ويمكن ان تتحول الجماهيرفي لمح بصر الى الاتجاه المضاد اذا خاب ظنها وتبددت اوهامها, فيتحول الاعتقاد الاعمى الى كُره اعمى.
الجماهير لا تعرف الاعتدال والوسطية والموضوعية وتتميز بالسذاجة في تبني سريع للمواقف ,وتنتشر الاشاعات والتضليل كالبخور وسط الجماهير ,وتيرة العواطف متعالية على اي منطق, فتسود الغوغاء والجمود العقائدي, ولكل جمهور قائده المحرض , وأكد لوبون أن المبالغة في العاطفة تُغيب العقل .
منحنى الغباء
ميل الاشخاص ذوي القدرات المحدودة الى وهم التفوق ويظهر المنحى بدرجة مستفيضة إنه كلما زاد جهل الانسان زادت ثقته بنفسه،
انحياز التأييد: يقول جوستاف لوبون لا يستطيع الانسان العيش دون وهم او أمل ، ينحاز الناس الى ما يوافق الى معتقادتهم وافتراضاتهم السابقة, ويقيسون عليها كنموذج لنفي الاراء الجديدة التي تعارض افكارهم الراسخة، ما يلاحظ في الحزبي الكوردي عموماً ولائه لحزبه وقبيلته أكثر من شعبه وأُمته وقد عاد العقل الجمعي الكوردي في سنوات الحرب الى مكوناته الاولية على استحياء, اصبح يسود مبدء قبيلتي أُمتي .
عند تأسيس مجلس الوطني الكوردي كان هناك 11 حزباً واربع احزاب صغيرة وبأضافة الى حزب البيدا, وقد وصل عددها في سباق مارثوني الى مئة حزب وهي احزاب قائمة في معظمها على أُسس عائلية وصلات القربى وخيوط عشائرية قبلية تؤشر لضعف وهشاشة الوعي القومي وتخلخلها فأذا ما قارننا بين الواقع الكوردي اليوم والواقع التركي قبل مئة عام, عندما هاجمت أساطيل اربعة دول بريطانيا ونيوزيلندا واستراليا وبألاضافة الى روسيا واليونان وايطاليا والقوات العربية بقيادة شريف حسين قام كبير شعراء الترك انذاك وقال مقولته الشهيرة ” في الاوقات الصعبة تستنشق الامة من خلال خيرة ابناءها …….. مصطفى كمال ابن الامة التركية ….الخ “، وقف الترك وقفة رجل واحد ولم يؤسسوا مئة حزب بل سارا الشعب التركي خلف قيادة مصطفى اتاتورك ودحر جميع الاساطيل والغزات وطرد اليونانيين ، ان ما يمييز الترك هي الروح القومية العالية والروابط القوية التي تجمع مكونات الشعب التركي والشعور القومي العالي بالمسؤلية اتجاه وطنهم والمواطن التركي غيور على وطنه. فالحزبي الكوردي في القاعدة مهمش ويقدم الطاعة والولاء الى قيادته ولا يقوم بنقد هذه القيادة وسلوكها وغالباً لا يدرك حقوقه ولا واجباته الحزبية أو حتى غير مبالِ.
لا بد هنا من ذكر بعض الطرائف عن الحالة الحزبية الكوردية : عائلة واحدة تتحكم وتتمثل في ثلاثة احزاب مجهرية, وثلاثة منهم يحملون حقائب في ما يسمى (بالدبلوماسية البهلوانية الكوردية) مع انهم اذا سافروا الى سوق الحميدية في دمشق (راح يفوتُوا بالحيط).
وهناك أربعة اعضاء من اللجنة المركزية في حزب كوردي معروف, ينحدرون من قرية واحدة في الجزيرة, في حين أن مدينة عفرين وحولها 360 قرية ليس لها تمثيل مناطقي في الحزب المذكور مثل هذه القرية, ومن الجدير بالذكر أن اربع اشخاص من أصل سبعة من مؤسسي الحزب عام 1957 كانوا ينحدرون من عفرين .
إن الأجحاف الذي وقع بحق الاشخاص من أمثال الشيخ أمين كولين يماثل ما وقع للدكتور نورالدين زازا ولم يهز هذا الاجحاف والغبن شعرة من شوارب احد في الاوساط الحزبية أو في قواعد الاحزاب ولم يطالبوا بتصحيح الخطأ بحق هذا المناضل الذي امضى ثماني سنوات في السجون في احلك الظروف, ومن المعروف أن الشيخ امين كاريزما وسياسي مخضرم وله حضور في دمشق في الوسط السياسي والاجتماعية ومعروف بالشهامة والنبل, أصبح ضحية للصراعات التكتلية للمتسلقين على أكتاف الشرفاء.
لقد مارسوا الغدر بحق العديد من الشرفاء في صفوف الحركة الكوردية من مثقفين ومستقلين وحاكموهم غيابياً دون محاكمات حزبية عادلة ومارسوا التشهيرة ضدهم في رسائل حزبية داخلية وطالبوا بوضع العزلة عليهم ليبقوا في كراسيهم الصدأة .
لقد مرغت زوجة نورالدين زازا السويسرية انوف القومجين بالوحل عندما قالت :(عندما مات نورالدين زازا , كنت أنا وأبني الوحيدين عند دفنه في قبره) وعندما يقول ابنه شنكو بحسرة من اعماق قلبه : لقد كرس والدي حياته في النضال من اجل حرية الشعب الكردي ,حاملاً آلامه واماله ولم يبتعد يوماً عن قضايا هذا الشعب الى اخر لحظة من حياته. ويضيف شنكو القول ( إلا انه على النقيض من هذا لم يصبح الكورد اهلاً له ولعائلته يوماً وتناسوهم تماماً .اي لم يقوموا يوماً بواجبهم القومي تجاه هذا الرمز القومي وعائلته)
من الملاحظ أن مقاولي الاحزاب ازدادوا ثراءً وعامة الشعب ترزخ تحت خط الفقر كما قال نيلسون ماندلا (لا يحمي الفاسد إلا فاسد والفاسدون لا يبنون اوطاناً ) وقال ابن خلدون منذ القرن الرابع عشر (اذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة).
ويذكر الدكتور اسماعيل حصاف في كتابه (تاريخ كوردستان المعاصر) كيف تم انشقاق في حزب الاتحاد الشعبي من اجل عشرة الاف ليرة سورية فقط .وما اشبه اليوم بالبارحة فأصبحت السياسة مهنة كل من لا مهنة له في ظل الانانية والانتهازية المفرطة, فحتى صاحب محل الدجاج اصبح عضواً في مكتب سياسي لحزب كوردي, فأذا ما قارنا عدد قيادات الاحزاب الكوردية في شرق الفرات مع قيادة الحزب الشيوعي الصيني العرمرم نجد إن القادة الاكراد الاشاوس في الجزيرة ,أكثر عدداً بأضعاف من قادة الحزب الشيوعي الصيني العرمرم.انتخب في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني 375 عضواً في اللجنة المركزية واعضاء المكتب السياسي 25 عضواً في المكتب السياسي و7 اعضاء في سكرتاريا الحزب .
العقل التأمري
يواصل بعض السياسيين الكورد وعن جهل القراءة المقلوبة للتاريخ في مرآة مقعرة على اتهام الاخرين بالتأمر عليهم, منذ سايكس بيكو 1916 وسيفر ولوزان، إن الغرب لم ينصفه والعالم غدر بهم, واقصاهم من مسار التاريخ, وهم ضحية لهذا التاريخ الدرامي. وايتام الجغرافيا السياسية. وطارت فوق رأسهم العنقاء .إلا ان الحقيقة المُرة هي أن ضعف الروح القومية والشعور القومي وولائهم للاخرين في عصر انبثاق الامم والقوميات هو الذي أبعدهم عن ركب الحضارة ,ودخلوا في حالة من التأخر والفوات التاريخي , و ما كُتب في الارشيف الانكليزي وكتبه المؤرخ كمال مظهر تُبين أن بريطانيا كانت تدعم قيام دولة كوردية مستقلة بعد انهيار الدولة العثمانية. وتشرشل نفسه كان يؤيد بحماس قيام حكم ذاتي كردي كامل في مؤتمر القاهرة ,الا ان الاكراد انقلبوا الى جانب مصطفى كمال اتاتورك .
نجح مصطفى كمال اتاتورك المكلف من قبل محمد السادس بأدارة النظام في الاناضول , في كسب ثقة الزعماء الكورد الثائرين في شرق الاناضول الامر الذي قوض المشروع القومي الكوردي فيما بعد, لا سيما بعد ان انعقد مؤتمر في أب عام 1919 في ارزروم حضر لمؤتمر 54 مندوباً عن ولايات كوردستان اعتمد فيه المندوبون مشروع قرار انقذ تركيا من السقوط والزوال , وقد رفع المؤتمر شعار ” (الوطن واحد ولا يقبل التجزأة “) قالوا يوحدنا الدم والتاريخ والدين وأصبح 72 نائباً كوردياً نواب في المجلس التركي الكبير في انقرة 1920 ص189 .
ويشير الكاتب قادر سليم شمو في كتابه “موقف الكورد من حرب الاستقلال التركية 1919-1922” ص95 (عندما جرت المحادثات في لوزان في أواخر 1922 حول الاقليات القومية في تركيا, طُرح سؤال حول ما اذا كان الكورد ما زالوا مصرين على انفصاليهم عن تركيا وفقاً لبنود معاهدة سيفر , ارتضى الانكليز ببيان حول أن النواب الكورد في المجلس الوطني التركي الكبير يُجيبون على ذلك. وفي عام 1922 وجه استفسار الى ذلك المجلس فأنعقد اجتماع استثنائي , طلب فيه مصطفى كمال من النواب الكورد الإدلاء برئيهم بهذا الشأن . وبعد أن نال المجلس موافقة نواب الكورد , ارسل الى مؤتمر لوزان برقية جوابية , جاء فيها ان الكورد لا ينفصلون عن الترك ابداً.
والتاريخ كرر نفسه في سوريا بعد لجوء اكراد تركيا اليها عام. 1925 الصراعات في خويبون كانت اشبه بصراعات الاحزاب الكوردية اليوم, فلم يتفق كل اعضاءها الذين كان معظمهم من اكراد تركيا على موقف واحد يوماً .
عقد ميثاق كوردي مسيحي في مؤتمر الجزيرة العام في أواخر تموز عام 1938 بحضور 200 شخصية برئاسة حاجو اغا انتهى المؤتمر بارسال برقية الى وزارة الخارجية الفرنسية تطالب بمنح الجزيرة الحكم الذاتي الكامل وقد انقسم الاكراد حول الادارة الذاتية ،
اما جماعة طوشة عاموا كانوا ملكيين اكثر من السلطان, محسوبين على التيار الوطني في دمشق, وجاء في كتاب تاريخ كوردستان سوريا المعاصر الجزء الاول للاستاذ الدكتور اسماعيل محمد حصاف طبعة اربيل (استاذ في جامعة اربيل ) كتب في الصفحة 399 عن طوشة عاموا مايلي :
(وقعت في بداية شهر أب 1937 الاصطدام بين بعض الاكراد المحسوبين على التيار الوطني ومنهم سعيد اغا الدقوري (من عشيرة الدقوري) وشيخموس هسو من عشرة كابارا وعيسى عبدالكريم من عشيرة ملان وبين المسيحيين المدعومين من فرنسا, نقلاً عن كتاب محمد ملا احمد القضية الكوردية ص 50 تم حرق حارة المسيحين مع متاجرهم ومحلاتهم وتم قتل 24 شخص من المسيحين وبعد ثلاثة ايام من القتل والنهب والسلب وطرد جميع المسيحين, تدخلت القوات الجوية الفرنسية ، ويكتب الكاتب البريطاني هاريت السوب في كتابه الكورد في سوريا ترجمة الدكتور عبد تالاس عن هذه الحادثة (اعلن القوميون العرب الجهاد ضد المسحيين وفي اغسطس 1937 تعرض الحي المسيحي لبلدة عامودا لهجوم من قبل مؤييد الحملة الاسلامية وتم ذبح المسيحيين) .
ومن الجدير بالذكر إن بعض هؤلاء الكورد ,كانوا قد التجوء في اوقات مختلفة الى المسيحيين في عامودا عندما هربوا من تركيا الى عامودا وريفها وقاموا برد الجميل اليهم .
تكررت هجمات الاكراد ضد فرنسا في عموم سوريا في بياندور وغوطة دمشق وجبل الزاوية وغيرها إلا أن الكورد لم يحصلوا على موطئ قدم في سوريا الحديثة ولم يحصلوا على حقوقهم القومية, لقد كانوا ملكيين أكثر من السلطان.
الحلقة المفقودة
كتب جلادت بدرخان احد قادة خويبون : ( بعد فشل ثورة ارارات: انما يفتقد الكورد اليه هو العقل والفهم السياسي الكامل وبالتالي النجاح في نضالهم مستحيل) وقد استقال من منظمة خويبون بعد ان اخذ الدرس والعبرة وشهر قلمه, وقاد حركة تنويرية وطالب بالتخلي عن الثورة المسلحة ,واتيان النهج الثقافي. وبذلك سارا على خُطى غاندي الذي استطاع توحيد 200 مليون هندي في عقل واحد, والذي اخذ العبرة من فشل ثورة 1857 عندما اطاح الانكليز بأخر سلطان مغولي في الهند وقضوا على الثورة بالحديد والنار وقتلوا 665 الف هندي بتفوقهم الناري، اذاً سياسة اللاعنف لم تأتي من الفراغ بل قامت على جماجم مئات الاف من الهنود، لقد أدرك غاندي موازين القوى جيداً ورمى سيفه وقال قولته( أن مبدء العين بالعين يجعل العالم بأكمله أعمى) وكما جاء في التوراة “سافك دم الانسان بالانسان يُسفك دمه .ومن يقتل بالخنجر يُقتل بالسيف البتار ” وأعتبار اللاعنف أعظم قوة بشرية ومن أعتى اسلحة الدمار التي خلقتها براعة الانسان, لقد قال المؤرخ القائد العسكري الصيني الاسطوري سون تزو في كتابه المعروف فن الحرب ص 24 ( القائد البارع هو من يقهر العدو دون أي قتال, فهو يفتح مدن العدو ويحتلها دون حصار, ويُسقط نظامها الحاكم دون عمليات عسكرية طويلة في الميدان) .
لقد ولى عصر الحروب الكلاسيكية ,حروب الخنادق والبنادق وأصبحت الحروب الكترونية ,تعتمد التقانة العالية الدقة كالقنابل الذكية والرؤوس الحربية الموجهة ,ولا جدوى من حفر الخنادق في شرق الفرات بين النساء والاطفال .فتجربة عفرين ورأس العين (كري سبي) ماثلة للعيان ويجب أخذ العبرة والدرس فتضاريس المنطقة منبسطة وتحت فوهة المدافع التركية ولا بد من تصحيح المسار والذهاب الى تسوية سياسية شاملة مع تركيا قبل فوات الأوان .
إن دور العقل في عالمنا المعاصر محوري في قيادة الشعوب وخلاصهم منذ ايام بنجامين فرانكلين أحد اباء المؤسسين لامريكا, مع إنه أضطر في طفولته الى ترك المدرسة في العاشرة من عمره إلا انه في كبره قام بتأسيس مجلس للفلاسفة في امريكا. وقام الاُمي هنري فورد في بداية القرن التاسع عشر بتشكيل حلقة تضم افضل اربعة عقول في امريكا, وكذلك فعل مصطفى كمال اتاتورك فعندما كان يزور كل ولاية في تركيا يجتمع بأفضل مثقفيها ويستمع الى ارائهم ولم يحيط نفسه بالاغاوات الشبه الاٌميين وكما يقول المثل العثمنلي (غافل أغا … سياست يوك) مع احترامنا وتقديرنا للأغوات ومن حولهم إلا انهم لا يرسمون السياسات ,يمكنهم القيام بدورهم الأجتماعي،. والاتراك لم يكن يبحثون عن محاصصات ولم يؤسسوا مئة حزب بل كان همهم الوحيد انقاذ بلدهم وشعبهم من الهلاك.
لقد باتَ من الواضح إن سبب ما يجري من المفاوضات الماراثونية بين الاطراف الكوردية هو التمسك بالمحاصصات الحزبية. وكأن هذه الهياكل الموجودة أصبحت ممثلة للشعب, بأنتخابات ديمقراطية وعبر صناديق الاقتراع, فعدد الاعضاء الحزبين في الاحزاب كافة لا يتجاوز 5% كما اسلفنا من عامة الشعب أي الاغلبية الساحقة من الشعب الكوردي غير منضوين في الاحزاب المئة الموجودة حالياً على الساحة، أن تجربة المحاصصات أثبتت فشلها في الشرق الاوسط كتجارب فاشلة وفاسدة وقد انتقدها الامام موسى صدر في حينه حتى قبل ظهور نتائجهافي ايامنا , وقد كتب الثوري العظيم ليون تروتسكي في دروس كومونة باريس ما يلي: خمسين عاماً احتفظت البرجوازية الفرنسية في أيديها بعد انتخاب الجمهورية الثالثة على عظام الكومونيين محاربي عام 1871 هؤلاء لم ينقصهم البطولة, ولكن ما كان ينقصهم هو الوضوح في المنهج ,وتنظيم قيادي متمركز ,وهذا هو السبب في إنهم قُهروا.
ما يجب القيام به هو اجراء انتخابات حقيقية والاحتكام الى إرادة الشعب وانتخاب هيئة سياسية لقيادة المرحلةالانتقالية, في ظل وجود شركاء اخرين في الوطن وليس التموضع والتشبث بالمحاصصة. على مدى عشر سنوات فالظروف تسمح بأجراء انتخابات, والتحضير لها خلال اسابيع او أجرائها في يوم واحد ,والطرف الفائز يحكم لفترة سنتين, والطرف الخاسر يعمل في المعارضة كما هو متبع, اذا توفرت الإرادة الحقيقية. وليس اختلاق الحجج, والزرائع والتفاوض في الكواليس على الحصص والغنائم والاتاوات على المعابر بأسم الشعب .كأوصياء يحتكرون قراره ,على مدى عشر سنوات اخرى. مثلما تُجرى مهرجانات في شرق الفرات كل يوم يمكن اجراء انتخابات ولو لمرة واحدة يتم فيها (تداول الكراسي) لكل دورة أو دورتين, ومنع إعطاء ترخيص لاي حزب لا يحصل على نسبة 7% من أصوات الشعب وبذلك يمكن كبح جماح الاحزاب بالقانون ومنع تمثيلهم في المرجعية او في (الهيئة التشريعية)و قطع الطريق لنشوء أحزاب جديدة. كما تُجرى في كل المجتمعات الديمقراطية, والناس اعداء ما جهلوا (الامام علي) .