حقوق الكرد..عندما يفهمها شركاؤهم على أنها امتياز

 عبدالله كَدّو
– لشركائهم في الوطن السوري، من المواطنات و المواطنين يقول الكرد : نحن في سوريا،  بنات و أبناء  ذلك المكون القومي الذي تعرض للحرمان والاضطهاد المزدوج، مرّة كسوريين ، مع سائر أقرانهم، بشكل عام، و أخرى ككرد بشكل خاص،  على يد الحكومات المتعاقبة، منذ الاستقلال و حتى اليوم.
– تعرض النشاط السلمي السياسي و الثقافي للمكون الكردي ، المُطالِب بالمساواة في الحقوق و الواجبات مع المكون العربي، و في مقدمتها إعلان الاعتراف بوجوده و شراكته دستوريا، ذلك بعد طول ممارسات طمس ثقافته و لغته لتذويبه، عبر اتباع سياسات التعريب الممنهجة،  تعرّض ذلك النشاط لمزيد من التشويه و التحريف على يد الأنظمة المتعاقبة و استطالاتها من الشخصيات و الشرائح المضلَّلة، المتأثرة بالخطاب  التخويني لتلك الأنظمة،  التي اتهمت النشاط الكردي الوطني السياسي السلمي بأنه انفصالي، زوراً و بهتاناً.
–  الأنظمة المتعاقبة لم تقبل بأي اعتراف بالكرد و بالتالي الشراكة معهم، لا نظريا و لاعمليا…و ما زاد من حقد النظام البعثي- تحديداً-  أكثر  على الكرد، هو رفضهم الشديد الانضمام إلى حزب البعث، إلا ضعاف النفوس منهم،  و هم كانوا قلة قليلة بالنسبة لغيرهم من السوريين الذين انضموا إليه انتفاعا أو قناعة ، حيث كان الانضمام للبعث العربي يعتبر خيانة لدى الكرد، لأنه يعني التخلي عن الاصل الكردي.
و أحد الأمثلة على ذلك التشويه، قرأناه، قديماً كما نقرأ أمثاله بكثرة حديثاً، في الشكوى التي قدمها الصحفي منير الريس الى رئيس الجمهورية الراحل، شكري  القوتلي، حول محاولات الكرد، المزعومة، بفصل جزء من سوريا، يمتد من عين ديوار التابعة  لديريك (المالكية) في الزاوية الشمالية الشرقية من سوريا إلى اللاذقية، و مازال ذلك الخطاب  مستمرا إلى يومنا هذا.
أما آن لهذا التشكك المريب لأن يتوقف ؟ ، علما بأن الحركة السياسية الكردية قد قطعته باليقين، منذ انطلاقتها  السلمية المناهِضة لسياسة التعريب العنصرية المقيتة، حيث تمت المطالبة بالحقوق القومية الديمقراطية للكرد، و التأكيد على وحدة البلاد أرضا و شعبا و على الأخوة الكردية العربية.
–  و كذلك تعرض النضال الكردي السلمي الذي يمتد لأكثر من ستين عام ، للتشويه من قبل كثيرين من السياسيين و المثقفين العرب، من الوسط السوري المعارض،  ذلك الوسط الذي مازال  يستمتع قسم منه، باعتبار الشعب السوري ، بكل تنوعه القومي ، جزءاً من الأمة العربية.. رغم إدراك أولئك بأن سوريا تزخر بتنوع قومي، تاريخيا، و أن كافة القوميات الأخرى، إلى جانب القومية العربية، شاركت في النضال في سبيل استقلال سوريا و بناء الدولة السورية.
– و كذلك يتميز ذلك الجزء من الوسط المعارض، بإصراره على التشكك في السردية الكردية و غيرها، حول عدوانية السياسات التي كانت متبعة إزاء الكرد، و يتميز بإصراره على نفي وجود استثناء – تمييزي  –  في طريقة تعامل الانظمة المتعاقبة مع الحالة الكردية، من حيث الاستمرار في تعريب ثقافته، وفق جينوسايد ثقافي، شمل البشر و الشجر و الحجر، ومنع الشعب الكردي من التمتع بخصوصيته القومية المشروعة ،  في خلال عهود جميع الحكومات السورية التي كانت معظمها ذات ايديولوجيات  أحادية قومية (عروبية)، بوتائر متفاوتة  ، ذلك في مشهد تراجيدي، متفق مع منظور  النظام ، الذي لا يتفق معه إلا في التنكر لاضطهاد الكرد و أحيانا للتنكر لبعض حقوقهم المشروعة، ذلك نزولاً عند لوثة النزعة الشوفينية المتعششة في ثنايا الذهنية الاستعلائية و التفكير الجمعي لديهم ،  الأمر الذي يذكّر “بالاشتراكيين الشوفينين” الذين ظهروا لدى الاحزاب الشيوعية  في بعض بلدان أوربا الشرقية، عندما دخلها رفاقهم من الجيش السوفياتي الحليف لهم ، في الحرب العالمية الثانية فوقفت مع حكوماتها القومية الرأسمالية ، في تفضيل” للقومي” على “الطبقي” الذي طالما تشدقوا به، وجدير بالذكر أن هذا التنكر و النفي لدى ذلك الجزء من المعارضة السورية ، يأتي في مقولة مفادها، إن السوريين كلهم تعرضوا للحرمان على حد سواء ، للتغطية على الخصوصية القومية الكردية، التي تتطلب اعترافاً جريئاً بها و إحقاقها، متناسين بأن نوع الحرمان الذي وقع على الكرد إنما هو استثنائي، متمثل بالتمييز القومي، تمييز  شمل كل الكرد “على الهوية” على اختلاف شرائحهم ، حيث ظلت  ” الكردية” محظورة حتى في عملية محو الأمية…
– فيما  الاضطهاد الذي  وقع  على  شركاء الكرد من العرب السوريين، كان من نوع اخر،  كان على خلفية ايديولوجية، حزبية ، طائفية أو غيرها ، و لم يشمل كل العرب “على الهوية” ، فقد تم حرمان شخصيات أو شرائح معينة دون أخرى،  وفق مخاوف النظام و تقديره لفعالية ذلك الجزء المستهدف ، و وفق متطلبات استمرار احتكار السلطة، و ليس لأسباب قومية ، كما في حالة الكرد في سوريا،  و من نافل القول بأن جميع أنواع الحرمان و الاضطهاد مدان بالتأكيد، و  على السوريين ان يعملوا على مكافحتها و استئصالها إلى غير رجعة،  نتحدث هنا عن خلفية الاضطهاد و نوعه و هوية المستهدَف منه ، فلم يُمنَع المواطنون  العرب، كما حدث للكرد، من التعلم بلغتهم  و استخدامها في جميع شؤون حياتهم، في مجالات الإعلام و الإدارة و المحاكم و إلخ، و لم يقال لهم، يُمنع التكلم بلغتكم، و لم يتعرض المواطنون العرب في سوريا للتجريد من الجنسية السورية، كعقوبة جماعية بسبب الانتماء القومي، في مرحلة ما، أو في منطقة ما ، مثلما حدث للكرد عندما تم اجراء احصاء استثنائي في محافظة الحسكة حصرا في 5/10/196‪2  لتكون النتيجة تجريد عشرات الالاف من الكرد من جنسيتهم السورية، استعدادا لحرمانهم من الانتفاع بأراضي مشروع الإصلاح الزراعي، لإفقارهم و بالتالي سهولة وإمكانية تهجيرهم من مناطقهم، و إحلال مواطنين عرب بدلا عنهم، طبقا لمشروع العنصري البعثي محمد طلب هلال، الذي نُفذ بدءاً من عام 197‪3…. كل ما سبق يترك خصوصية للحالة الكردية، سُميت بالقضية الكردية التي تتطلب حلا وطنيا، يبدأ بالاعتراف بالحالة أولاً، إلى جانب الحلول الوطنية لجميع قضايا و معضلات شعبنا السوري على اختلاف أطيافه و على امتداد الجغرافية السورية.
– ولزيادة المعلومات عن أسباب و خلفية اضطهاد الكرد في سوريا و حرمانهم من المفيد الاطلاع
على هذا الاقتباس من كتاب
“دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي  القومية، الإجتماعية، السياسية الملازم أول: محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية بالحسكة”
فيما يلي:
{….. لذا فاننا نقترح:
_ أن تعمد الدولة إلى عمليات التهجير إلى الداخل، مع التوزيع في الداخل….
_  سياسة التجهيل: أي عدم إنشاء مدارس، أو معاهد علمية في المنطقة، لأن هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي.
_ …. سدِّ أبواب العمل أمام الأكراد، حتى نجعلهم في وضع، أولاً غير قادر على التحرك، وثانياً في وضع غير المستقر المستعد للرحيل في أية لحظة، وهذا يجب أن يأخذ به الإصلاح الزراعي، أولاً في الجزيرة، بأن لايؤجر، ولايملك الأكراد، والعناصر العربية كثيرة وموفورة، بحمد الله.
ـ شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية ومركّزة على الأكراد، بتهيئة العناصر العربية أولاً لحساب ما، وخلخلة وضع الأكراد ثانياً، بحيث يجعلهم في وضع غير مستقر.
ـ نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين عند الأكراد، وإرسال مشايخ بخطة مرسومة عرباً أقحاحاً…
ـ ضرب الأكراد في بعضهم، وهذا سهل، وقد يكون ميسوراً بإثارة من يدّعون منهم بأنهم من أصول عربية، على العناصر الخطرة منهم..
ـ إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود، فهم حصن المستقبل، ورقابة بنفس الوقت على الأكراد، ريثما يتم تهجيرهم..
ـ جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة، بحيث توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب، وإجلاء الأكراد، وفق ماترسم الدولة من خطة.
ـ إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي، على أن تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة}.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…