– الثاني هو تشخيص منابع عدم الاستقرار في المنطقة العربية.
ومن الجلي ان مصادر عدم الاستقرار تكمن في نتائج النهج القومي العروبي الأحادي في إدارة الحكم ونسفه لكل ما هو خارج هذا النهج، مما تفرع عنه جملة من الخطايا والاخطاء التي ألحقتها الأنظمة العربية بشعوبها، بتغييبها للديمقراطية في ممارسة شؤون الحكم والإدارة، وتحميل المواطن عبئاً ثقيلاً في معيشته بعدم توفير فرص العمل اللائق، والكافي لمأكله وملبسه وتعليمه وصحته، والانتهاكات الصارخة لحقوقه، وقمعه بدلاً من احتضانه وحمايته من كل ما يعكر صفو حياته الاقتصادية و السياسية والثقافية والاجتماعية، بحيث لا يترك له المجال إلا في تنظيمه في مجموعات ضاغطة للتأثير بشكل أو بآخر على الدولة بعضها دفاعاً عن حقوقها وبعضها انتقاماً لممارسات السلطة، ورغم ضعف تلك المنظمات وعدم قدرتها على اهتزازعروش الحكام إلا انها تشكل المسبب لشن السلطات الامنية على الجماهير واقدامها على الاعتقالات وانتهاك حرمة المنازل دون أي وجه قانوني، باستثناء المجموعة الوحيدة التي تتمثل في المعارضة المنتظمة في مجموعات تمارس العنف في بعض البلدان وهي في أغلبها من التيارات الدينية الاسلامية التي تحسب لها الانظمة العربية أكثر من حساب، هذه المعارضة التي لا يظهر للأنظمة العربية بانها في طريق الاستسلام، مع وجود التيار الديني الاسلامي المعتدل في الطرف المقابل، والذي لا بد من التزاوج بينه وبين النهج القومي العروبي ،وهذا ربما يكون أحدث ما يتوصل اليه الفكر العربي في قيادة الدولة بسلام، حيث لم يستطع التيار القومي من جلب الهدوء والاستقرار الى المنطقة بما يحفظ عروش الحكام، ولم يستطع التيار الديني في غياب الديمقراطية من الاستفراد بالحكم أوحتى بالمشاركة الهادئة.
ان تاريخ الصراع الطويل بين التيارات المختلفة في البلدان العربية أثبت خطأ المفكرين العرب وذلك بدورانهم في فلك حلين إثنين لا ثالث، إما سلطة التيار القومي وإما الديني، مما أثبت تاريخ الصراع فشل تلك الرؤية أياً كان منهما، والخطأ الآخر الذي وقع فيه المفكرون العرب وبجانبهم المحللين السياسين بعد فوز حزب العدالة والتنمية – الاسلامي – التركي ، بدعواتهم للتيارات الاسلامية في البلدان العربية في صيغة السؤال التالي: هل بإمكان التيار الديني في البلدان العربية الالتزام بنهج اعتدالي يكفل إيصالهم الى السلطة ؟.
حيث غاب في ذهن المفكر العربي، الديمقراطية الانتخابية الموجودة في تركيا والمفقودة في البلدان العربية، مما لا يمكن المقارنة بين التيار الديني في كل من تركيا والبلدان العربية إلا من ناحية الاعتدال أو التشدد في النهج.
فقد تبين للحكام العرب ان القومية العربية كنهج أحادي في الحكم في الاقطار العربية هو مصدر كافة الازمات من الاستفزاز، وعدم الاستقرار في غياب خطط التنمية الحقيقية، وغياب الديمقراطية، وكثرة البطالة، والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان، والاجهاز على التيارات الدينية لإبعادها عن الساحة السياسية وادارة الحكم.
يبدو ان النهج التزاوجي بين الفكر القومي العروبي والنهج الديني الذي يستنتج ظهوره بعد سلسلة من اللقاءات بين قطبي جبهة الخلاص المعارضة للنظام السوري- القومي والديني- مع الرؤساء والملوك العرب من ناحية، ومع أقطاب التيارات المعارضة في بعض البلدان العربية كحل حتمي يمكن للتوجه القومي العروبي والاسلامي أن يعيشوا في ظله بسلام ووئام في سوريا، ويشاركوا معاً في ادارة الحكم دون أن يكن طرف بالعداء للطرف الآخر، كطي لمرحلة طويلة من المسيرة العدائية بين التيارين، دون ان يستفرد أحدهما بالحكم مما يغلق الابواب للذين لا يريدون تغيير النظام السوري بحجة انه لا بديل عندئذ إلا للتيار الديني، فيفضلون عدم التغيير والإبقاء على النظام الموجود كأفضل الشرين، وعلى أثرها جاء مؤتمر جهة الخلاص الوطني المنعقد بين 16و18 سبتمبر2007 في العاصمة الالمانية برلين ليؤكد على التزاوج بين ما هو قومي وديني، وترك إحدى وأهم القضايا الأساسية في سورية – القضية الكردية – على طرف، مما أثبت مرة أخرى عجز الانظمة العربية المشاورة والقوى المعارضة القومية والدينية وكذلك مفكروها في ايجاد حل للقضايا الأساسية في المنطقة العربية، وفي هذا الخصوص لا يمكن فصل القضية الكردية من مجمل القضايا السورية، وان عدم ايجاد حل ديمقراطي عادل لها – كما تراها الحركة السياسية الكردية في الداخل – لا تنعم سوريا بالهدؤ والاستقرار والديمقراطية، وتبقى الحلول لكافة القضايا الاخرى مهما كانت أساسية، مبتورة وناقصة، ويبقى الصراع موجوداً على مصراعيه يستنفذ فيه الكثير من الطاقات التي من الأولى ان تخصص للتنمية التي تعود على الوطن والمواطن بالخير والرفاه.
ان مناقشة القضايا الوطنية السورية الداخلية، والاقليمية والدولية في المؤتمر وترك القضية الكردية جانباً لا يبرره عدم التمثيل الكردي – الحركة الكردية – في المؤتمر، ومهما كان الحامل الكردي المتواجد في المؤتمرعلى مستوى الاشخاص خلبياً، لا يبررذلك خلبية القضية الكردية وتركها جانباً، كونها من القضايا الأساسية في سوريا التي تستدعي إيجاد حل لها.
ان جبهة الخلاص الوطني السورية التي تشكل محوراً من محاور المعارضة السورية، بتقزيمها للقضية الكردية تفتقد جانباً مهماً من جوانب الحل المنشود التي طالما دافعت الحركة الكردية وناضلت من أجله في الظروف الامنية القاسية ضد الظلم والغبن الذي لحق بالشعب الكردي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وقومياً، من جراء سياسة الانظمة الحاكمة منذ الاستقلال في الإقصاء التام من كافة مجالات الحياة.
ان تفهم جبهة الخلاص الوطني السورية للقضايا الوطنية رغم نقصها في بعض المجالات وخاصة فيما يخص القضية الكردية وتفهمها لضرورة تمتع الشعب الكردي بحقوقه الثقافية وممارسة حقه في تعليم لغته ونشره وإلغاء الظلم الذي لحق به من القوانين الاستثنائية والاجراءات الشوفينية يشكل بلا منازع سابقة في تاريخ المعارضة السورية إذا ما استثنينا تفهم قوى اعلان دمشق، إلا انها ليست بالحل الكافي والامل المنشود الذي يجعل من سورية دولة الحداثة والانفتاح بشكله الحقيقي، كما لايبرر عدم الانفتاح على الوجود الكردي كشعب أصيل في سوريا وتمتعه بحقوقه القومية دستورياً، من التحجج بتملص القوى العربية حكوماتاً وقوى سياسية من دعم جبهة الخلاص الوطني السورية في التغيير في سورية، ورغم ما لتلك المبررات من اسس واقعية إلا ان على القوى المعارضة السورية ومنها جبهة الخلاص ان تكون أدرى بواقع الشعب السوري وقضاياه القومية والوطنية، وعليها ان تكون أكثر استقلالية لتكون بامكانها طرح كافة القضايا والدفاع عنها ليكون الحل – النظري – شاملاً يحقق الاستقرار في المستقبل والابتعاد عن الحلول الآنية أو تأجيلها.