زاكروس عثمان
تدور معظم التصريحات والاقاويل المنسوبة الى مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي PYD و احزاب المجلس الوطني الكوردي ENKS في اليومين الأخيرين حول توصلهم إلى اتفاق بصيغة الـ٥٠/٥٠، والذي جاء بعد اشهر طويلة من محادثات و مساومات وبازارات بين الجانبين بوساطة غربية لم تخلو من ضغوطات امريكية.
ويعتبر الاتفاق العتيد والذي لم يتم الاعلان عنه رسميا بعد، نظريا منعطفا في العلاقة بين PYD و ENKS حيث امتازت هذه العلاقات في الـ١٠ سنوات الماضية بالعدائية الشديدة، لهذا ليس امام المواطن الكوردي سوى الترحيب بهذا الاتفاق مبدئيا، فهذا افضل من استمرار التوتر والقطيعة بين الجانبين وما ينجم عن ذلك من تمزيق المجتمع الكوردي، واندفاع كل طرف الى الارتماء بحضن الجهات المناوئة والاستقواء بها ضد الطرف الاخر.
وتأتي اهمية الاتفاق المنتظر من ان مسارات الازمة السورية تذهب في اتجاه جديد يلاحظ فيه تبدلا في المزاج الامريكي كذلك الروسي وكأن البلدين اخذا يفكران بجدية اكثر في فرض حل سياسي على النظام السوري والجماعات الارهابية (المعارضة)، على ان يحدث ذلك بعد الانتخابات الامريكية، وترى دوائر امريكية عدة ان الكورد شركاء اكفاء ومحل ثقة في مكافحة الارهاب وهم يستحقون الحصول على حل لملف روزافايي كوردستان اثناء التباحث في التسوية السورية، وهذا يخدم المصالح الامريكية بقدر ما يخدم القضية الكوردستانية حيث يمكن لواشنطن ان تتخذ الكورد حلفاء لها على المدى البعيد والاعتماد عليهم مستقبلا في مواجهات عسكرية أمنية او سياسية تجري في بيئة تواجه فيها امريكا خصوم دوليين واقليميين اشداء، وربما تكون هذه الاعتبارات وراء الوساطة الامريكية بين PYD و ENKS حيث لا يمكن البحث عن حل لملف روزافايي كوردستان مالم تكن الاحزاب الكوردية متفقة على الاقل نظريا.
من هنا تأتي اهمية الاتفاق المنتظر كونه سيخلق تأثير سياسي بعد اعلانه وسوف تظهر نتائجه بعد الانتخابات الامريكية والاشهر التي تليها، وتكمن اهمية الاتفاق من انه تم التوصل اليه بوساطة امريكية- فرنسية ما يعني التدويل بشكل او اخر بدليل ان هذه التفاهمات تزعج كثيرا على حد سواء النظام السوري والجماعات الارهابية (المعارضة) كذلك يسبب قلقا زائدا لتركيا وايران، فالاتفاق تمهيد لدخول الكورد بقوة الى مؤتمر جنيف ومجمل الحراك الاممي بالخاص بالحل السوري، اي ان المفاوض الكوردي سوف يدخل هذه المعمعة وبيده اوراق قوية تساعده على طرح مطالب شعبه العادلة بثقة عالية، وقطع الطريق امام محاولات وفد النظام ووفد الارهابيين والجانب التركي والايراني على الغاء ملف روزافايي كوردستان، لكن بوجود الاتفاق المدعوم امريكيا لن يكون بمقدور هؤلاء العنصريين الشوفينيين حرمان الكورد من المشاركة في صنع مصيرهم اثناء بحث مشاريع التسوية السورية، ولعل اعلان الاتفاق سيأتي بخطوات اخرى ونتائج ربما تسير بملف روزافابي كوردستان إلى نوع من الحكم الذاتي او الفيدرالية.
وإذا كان الاتفاق يشكل انجازا سياسيا هاما حققه الكورد بمساعدة حلفائهم لتقوية موقفهم ازاء خصومهم، فان اهميته بالنسبة للداخل الكوردي ليست بهذا الوضوح، وهناك من يسال هل الاتفاق سوف يخفف من حالة الاحتقان والتوتر القائمة بين احزاب الحركة الكوردية، ويعزز السلم الاهلي في المجتمع المحلي والذي تعرض في السنوات الماضية لهزات وتشققات كثيرة جعلته هشا للغاية، هل يوفر مناخا يساعد على جريان الحياة السياسية في مسارها الطبيعي، دون هيمنة او تسلط من الجهات النافذة.
ولا يخفى ان الاتفاق المنتظر يقابل بشيء من الفتور واللامبالاة من جانب بعض النشطاء والسياسيين، وما يثير قلق بعض المراقبين هو ان الاتفاق ربما لن يأتي بجديد للداخل الكوردي(خدمات الكهرباء المحروقات المياه، مكافحة الفساد والغلاء وارتفاع الاسعار، توفير الخدمات الصحية وتحسين مستوى المعيشة)، فيما يعترض آخرون على استبعاد بعض الاحزاب من الحوار الكوردي ـ الكوردي الذي انتج هذا الاتفاق، ويرى المتشائمون ان اتفاق PYD و ENKS طالما هو قائم على المحاصصة فلن يقدم اية خدمة للمواطن الكوردي، بل سوف تهتم الاحزاب المشاركة بنيل حصصها من المناصب والمكاسب والثروات، وسرعان ما تغرق في ملذات السلطة ومغانهما، لتتخلى عن شعاراتها الشعبوية التي كانت ترددها قبيل بدء الحوار الكوردي ـ الكوردي، إذ ليس هناك اتفاقات اسوأ من اتفاقات الـ ٥٠/٥٠، حيث ان الخصوم السياسيين الايديولوجيين يتفقون فيما بينهم ليس لخدمة ابناء شعبهم بل على توزيع المنافع فيما بينهم، لتكون النتيجة في النهاية مثل الوضع الحالي في لبنان والعراق حيث توافقت الاحزاب على الشراكة في الحكم لتقوم بسرقة الدولة ونهب المال العام ونشر الفساد، إلى درجة اصبح فيها المواطن عاجزا عن توفير لقمة خبزه، حيث استقوت الاحزاب اللبنانية في سرقاتها بسلاح حزب الله ضد المواطن اللبناني ما ادى إلى خراب لبنان، والسؤال هل احزاب ENKS والتي ستدخل في شراكة مع الـ PYD في السلطة ستلعب دور المراقب والمحاسب وتلجم عمليات القمع والفساد، اما انها بعد تذوق طعم الجاه والمناصب والثروة سوف ترضى بالنصيب؟ وتسكت عن كل الممارسات والنواقص القائمة، وانه شيء يثير الريبة ان كافة التصريحات دارت حول المحاصصة اي مصالح الاحزاب، دون التطرق الى مشروع حل لملف روزافايي كوردستان او معالجة المسائل السياسية الامنية العسكرية الخدمية، على كل حال ليس امامنا سوى دعم الاتفاق ولو بحذر فالرمد خيرا من العمى وليس بالإمكان افضل مما كان.