د. محمود عباس
بعدما ولي رئاسة الائتلاف لنصر الحريري وبإملاءات تركية مقابل تنفيذ أجنداتها، انتقلت لغتها من الكراهية الفردية للكورد التي كانت تعكس ثقافة فاسدة مترسخة، إلى الحقد الممنهج، مسايرة المعارضة السبية لدى تركيا، الذين يغيرون مسيراتهم بدون إحساس تجاه الوطن والمجتمع السوري المعاني، فلم يعد صعبا على الشريحة المسيطرة على قيادتها، المزج بين الانتهازية والنفاق؛ الارتزاق وخيانة الوطن.
تعرت الشريحة الانتهازية في المراحل الأخيرة من أخر ألبستها الوطنية ضمن الأروقة الدولية، كما وحرفوا وجهة حولياتها وإعلامها، فانتقلت من محاربة النظام المجرم إلى معاداة الكورد والإدارة الذاتية، تحت عباءة محاربة الـ ب ي د، إلى درجة أنهم لوحوا كتهديد للمجلس الوطني الكوردي، في بقائه ضمن الائتلاف أو طرده، علما أن الخيط الوحيد الذي يتمسكون به لئلا ينعدموا من الأبعاد الوطنية هو وجود المجلس الوطني الكوردي، وهم يدركونها، ولا شك أن القرار الأخير، وإن تم في حال نجحت المفاوضات الكوردية-الكوردية، والذي سينفذ بأمر من الإدارة التركية المتاجرة بالملف السوري، سيكون المسمار الأخير لنعش حضورها في المحافل الدولية كقوة معارضة سورية، وعلى الأغلب الشريحة العربية التركمانية المتلاعبة يدركون، أنهم بحاجة إلى حضور المجلس الكوردي أكثر من حاجة المجلس لهم، حتى ولو كان الإتلاف درب من دروبهم للحضور الدولي.
ومرجعية الإتلاف:
أكثر من واضحة، فهي لم تعد مجرد أداة بيد تركيا، بل تعدتها، فقد أصبحت ترتزق في خيانتها للشعوب السورية، مثلما ترتزق شرائح من قادة المنظمات العسكرية في بقاء الأسد أطول فترة ممكنة، فوجود النظام المجرم، يعني حضورهم على الساحة، حيث وجود المبرر لنهب الشعب، للمصالح الشخصية، فبعض قيادات الائتلاف، أصبحت تتعامل مع المنظمات العسكرية العابثة في عفرين وسري كانيه وجرابلس وتتعامى عن جمعهم للملايين من الدولارات على حساب المجتمع المنهك حد الموت. كما ولا يعلم بعد كم يحصلون من الدولارات بمساهماتهم في تشكيل جحافل المرتزقة السوريين، وتسخيرهم لخدمة الأجندات التركية في الوقت الذي تحتاجهم جغرافية سوريا بكل بقاعها.
فما ينشر على الأعلام فضحتهم، بدءً من العمالة لتركيا، وخيانة الوطن، إلى تقسيم سوريا، والمتاجرة بشباب الوطن، وبالمهاجرين، وبمخيمات اللاجئين في كل مكان من العالم، وبمصير المسماة بالمناطق المحررة، أدخلتهم في خانة النظام، المرفوض من المجتمع السوري، كما وقد أصبحوا مثلهم مثل سلطة بشار الأسد المجرم، مرفوضين من تولي أية أمور في سوريا المستقبل، فأعمال القوى المسماة بالجيش الوطني السوري في كل من منطقتي سري كانيه وكري سبي وعفرين، والمظالم التي تنفذ بأمر من القوات التركية المتحكمة بالمنطقتين، وقوافل المرتزقة المرسلة إلى ليبيا وأذربيجان تعري خياناتهم. وبالمناسبة تم مناقشة هذا الملف إلى جانب ملف الإدارة الذاتية، والحوار الكوردي- الكوردي مع جيمس جيفري، في لقائه الأخير مع قيادة الائتلاف في إستانبول، وفي محادثاته مع المتحدث باسم إدارة أردوغان، وكان السبب في حصول خلاف بينهم.
منشورات الائتلاف:
يلاحظ من متابعة نشراتها اليومية، في الفترة الأخيرة وباللغة الكوردية، أنه وعلى مدى الشهرين الماضيين، وفي جميع المقالات الافتتاحية لنشرتها اليومية، لم يأتوا على ذكر سلطة بشار الأسد إلا ما ندر، وبالمقابل كثفوا مهاجمتهم للمفاوضات الكوردية-الكوردية الجارية، ومحاربة الإدارة الذاتية، ليس فقط الحالية، بل والمستقبلية، رافضين بالمطلق إقامة أية إدارة بالصفة الكوردية في المنطقة، كما ويحرضون جميع القوى المعارضة على هذه المنهجية، ومن الغرابة أنه أصبحوا يوما بعد أخر أكثر وضوحا وجهارة من الماضي، ففي النشرة الصادرة يوم 27 أغسطس 2020م وفي الفقرات التي يبحثون فيها عن لجان الدستور، ومواده، ركزوا على رفضهم وبشكل قطعي للبحث أو إدراج أية مواد تتجاوزا حقوق الإنسان والمواطنة، وإن تم فسوف تلاقي من قبلهم مواجهة قطعية، وهو تنويه لمواد قد تبحث أو تدرج لصالح الكورد، وحقوقهم.
كتابة الدستور:
ولتطبيق هذا المسار، المتوافق مع وجهة نظر النظام، ساندتها تركيا الحريصة على مراقبة كل الخطوات التي ستتم أثناء كتابة الدستور، بفرز هيئة تركية تبقى بشكل دائم في جنيف للمراقبة والتدخل عند الضرورة، وتتعامل مع ممثلي إيران وروسيا.
وبالتالي على ممثل هيئة الأمم المتحدة والدول المعنية بالأمر؛ الاقتناع أنه سوف لن تتم كتابة دستور ديمقراطي حضاري يحافظ على حقوق الشعوب السورية، بإشراف مباشر من قبل ثلاث دول استبدادية المنهج، ومحتلة لأجزاء من الوطن السوري؛ والأطراف الثلاثة يؤمنون بالسلطة الشمولية والدكتاتورية المركزية، واثنان إن لم يكن الثالث معهم في كثيره، يرفضون أن يكون للكورد إي كيان خاص مبني على أن الكورد هم القومية الثانية في سوريا، أي هم ضد السلطة اللامركزية. فحتى لو تم كتابتها كمخطوط فما هو الضامن لتطبيقه في ظل هذه النظام، بشقيه السلطة والمعارضة الحاليتين. فالدساتير في ظل الأنظمة الشمولية الدكتاتورية ليست بأكثر من وثيقة منسية خرقاء.
القضية الكوردية في ظل الدستور:
كما وأن أحد أهم أجنداتهم هو عزل مطالب الشعب الكوردي وحقوقه من الدستور كقومية لها خصوصياتها، وما سيقدم، بدون التدخل الكوردي القوي للتأثير على الدول الكبرى في العملية، لن تكون أبعد من حقوق المواطنة. وعلى الأغلب لن يتم كتابة دستور في المراحل القادمة، وإن تم فيسكون مشابه لسابقاته، نسخة جديدة عن منهجية البعث، تجاه القضية الكوردية، والتي ثبتت فشلها على مدى العقود الماضية، بترسيخها الحقد وثقافة إلغاء الأخر في ذهنية شريحة واسعة من السياسيين السوريين.
وليس من السهل تعديله أو التخلص منه، بدون التدخلات الدولية الكبرى، فقد أصبح ألغاء غير العربي، وخاصة الكورد، وباء ثقافي كأي مرض مزمن، يحتاج إلى عقود طويلة من العيش في العالم الديمقراطي الحضاري، ومن المؤسف فإن العيش في العالم التركي العنصري الأكثر كراهية من البعث والسلطات العربية الشمولية، زاد من ترسيخ تشوهات تلك الصور النمطية منذ زمن البعث.
وجود المجلس الوطني الكوردي ضمن الائتلاف:
وعلى الأرجح أن القرار التركي المملي على الإتلاف بطرد المجلس الوطني الكوردي جاهز، في حال نجح الطرفين الكورديين المتفاوضين المرحلة الثانية من المفاوضات، والتي قد تلحقها تفاهمات حول قضية البيشمركة الكوردية وقوات قسد.
والسؤال هنا:
1 هل يمكن إدراج الائتلاف وقوى المعارضة السورية وهي بهذه المنهجية؛ ضمن النطاق الوطني؟
2 هل هناك أمل من كتابة دستور وطني يعيد للشعب الكوردي حقوقه المسلوبة؟
3 هل يمكن الثقة بهم في حال توصلوا مع السلطة إلى تشكيل حكومة مستقبلية؟
4 هل هؤلاء سيكونون أفضل للكورد من سلطتي الأسدين والبعث أم أسوء؟
المطلوب:
ندائي للأخوة الكورد والعرب الشرفاء، أن يوقفوا خيانة هذه المنظمة للوطن، وعمالتها لتركيا، والتي لا تختلف عما فعلته سلطة بشار الأسد لإيران، ويضعوا حداً لتخاذلها. ومن المؤسف أن بعض الشخصيات من المجلس الوطني الكوردي مجدوا في مواقف الائتلاف لمجرد أن البعض من قياداته تحدثوا عن حقوق المواطنة للكورد في سوريا ضمن الدستور، علما أنهم وجل المعارضة كالنظام ضد حقوق الكورد كقومية ثانية في سوريا، وضد كل ما يتعلق بالنظام الفيدرالي الكوردستاني أو لسوريا عامة، وهم المروجون بما لا يقل عن سلطة بشار الأسد لمفهوم أن الحركة الكوردية؛ انفصالية.
فلا بد من العمل على فضحهم لعزلهم كممثلين عن المعارضة السورية في الأروقة الدولية التي لا تزال تقدمهم كقوة وحيدة على الساحة، ونبين للعالم مرارا وتكرارا كيف سهلوا لأردوغان بنقل الشباب السوري من منصات ضد النظام إلى منظمات مرتزقة تحت الطلب، يحملونهم العار وراء العار للوطن، أو يدفعون بهم إلى الدمار والهلاك. علما أن المجتمع السوري، بغض النظر عن سلطاتهم الإجرامية معروف للعالم؛ بوعيه وقيمه على الساحات الثقافية العالمية.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
2/9/2020م