صلاح بدرالدين
قد تكون فرصة سانحة للجناح الفرنسي – الألماني في الاتحاد الأوروبي ليثبت جدارته واستقلاليته على الأقل امام العالم ولو شكليا وتميزه في مسألة الاتفاق النووي الإيراني والعمل على زيادة النقاط عبر الملف اللبناني في المواجهة – التكتيكية – مع الحليف الأمريكي والرد على الرئيس – ترامب – الذي كشف عورات القارة العجوز بصراحته المعهودة ودعواته بفرض المشاركة المتساوية في تكاليف – الناتو – وحماية أوروبا من الإرهاب ومن – العدو – الروسي المرتقب.
ردود الفعل على زيارتي ماكرون للبنان
فقد أثارت زيارتا الرئيس الفرنسي – ماكرون – وخاصة الأخيرة الى بيروت الكثير من ردود الفعل والتوصيفات السلبية المشوبة بخيبات الامل والحذر من النتائج المترتبة على مستقبل لبنان والصراع في سوريا ومستقبل الدور الإيراني وحزب الله في زعزعة استقرار لبنان والمنطقة عموما.
فهناك من حذر ربط فرنسا موقفها وكذلك الاتحاد الأوروبي تجاه الاتفاقية النووية الملغاة أمريكيا مع ايران والمتسم بالليونة بخلاف مواقف المجتمع الدولي أو غالبيته وتجييره أو الاستناد عليه في التعامل مع الملف اللبناني الشائك ومع حزب الله الذي يشكل امتدادا عضويا – عسكريا عقائديا لسياسات طهران وذراعه الضارب والتهديد الرئيسي لقيام وتطور مؤسسات الدولة المدنية الديموقراطية في لبنان وتعميق الأزمة في سوريا وتهديد السلام والاستقرار في العراق واليمن.
ومن تلك الهواجس انطلق من اعتبر – ماكرون – مناصرا ( للأقليات ) منحازا الى الصف المسيحي ومتهادنا مع – حزب الله – وغير آبه بالسنة وعامل على الغاء اتفاقية الطائف أو اختراقها والتأسيس لمرجعية أخرى بديلة أو شكلا جديدا للعقد الوطني اللبناني ينتقل من الثنائية المسيحية الإسلامية الى الثلاثية المسيحية – الشيعية – السنية وان حصل ذلك فانه استرسال للمزيد من الانقسام واجحاف بحق الطرف المسلم والسنة منهم خصوصا وخروج على المعادلة التوافقية اللبنانية التاريخية والعرف المتبع منذ قيام لبنان.
عودة الى الوراء
ولست هنا بوارد تأكيد أو نفي هذه القراءة من جهة رمي الاتهامات في وجه الرئيس الفرنسي أو التفسير التآمري لتعامل الفرنسيين مع الملف اللبناني ولكنني أعيد الى الأذهان حيثيات (المسألة الشرقية) ابان انهيار الإمبراطورية العثمانية حيث وقفت أوروبا بموقع حماة المسيحيين في الشرق بغض النظر عن صدقيتها من عدمها وعندما أقامت فرنسا الكيان اللبناني كانت عازمة بالبداية على ان يكون بلون مسيحي ثم تطور الموقف الى دولة تجمع المسيحيين والمسلمين وتوزيع المناصب السيادية بين طوائفهما (رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة) وكل الوظائف ذات الدرجات العليا والمتوسطة .
منذ البداية وبصورة تقيليدية احتسب المسيحييون على فرنسا والغرب والمسلمون على العالم العربي وظهر ذلك جليا في الانتفاضات والحروب الاهلية والصراعات المناطقية والطائفية وتفاقم ابان سنوات الحرب الباردة والتدخلات العسكرية الخارجية وكان آخرها التدخل العسكري السوري ثم انسحابه تحت ضغط الجماهير اللبنانية بعد اغتيال رجل الدولة المعروف ورئيس الحكومة رفيق الحريري من جانب محور (طهران – دمشق – حزب الله) حيث أقرت المحكمة الدولية ذلك مؤخرا صراحة او دلالة .
اللحظة التاريخية المؤاتية
يعتقد البعض من أصحاب الفكر والثقافة من الوطنيين اللبنانيين أن الظروف الحالية ونتيجة لتراكمات هائلة من العوامل استحداث اختراق عميق باتجاه تعزيز بنية حداثوية للنظام في لبنان تزال فيها الطائفية ويسن قانون جديد للانتخابات المطلوبة اجراؤها بالسرعة الممكنة وتستأصل هياكل وروافع ( دولة حزب الله داخل الدولة ) العسكرية والأمنية والإدارية ويخضع الجميع لدستور وقوانين النظام اللبناني المنشود ويستندون بذلك على عدة قرائن وأسباب أولها افلاس الطبقة السياسية الحاكمة والميليشيات المسلحة التي هي جزء أساسي من النظام الحاكم وانغماسها بالفساد والضائقة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية وفضيحة انفجار مرفأ بيروت وقرار المحكمة الدولية من اجل لبنان التي ادانت احد قيادات حزب الله باغتيال الحريري و٢٢ من مرافقيه بالإضافة الى الانتفاضة الشعبية في الشارع وبكل المناطق كل ذلك كان يبعث ببعض التفاؤل من تفهم دولي واقليمي وخاصة فرنسي للمضي قدما في انتهاز الفرصة السانحة لمصلحة شعب لبنان التي قد لا تتكرر .
غياب المشروع العربي
ان المعادلة الإقليمية والدولية الراهنة تشير الى الضعف العربي وغياب أي مشروع من جانب النظام العربي الرسمي حول لبنان او أي بلد آخر في ظل غياب شبه تام للحركات الشعبية المقموعة أصلا بتلك البلدان ذلك كله يصب لمصلحة مشاريع ايران وتركيا وإسرائيل وينعكس ذلك على الساحة اللبنانية التي تشير الى انعدام وزن في النسيج السني خصوصا والذي هو بدوره يعاني تعقيدات ذاتية وموضوعية وتراجع حظوظ زعمائهم التقليديين الفاسدين بغالبيتهم مثل بقية الزعامات التقليدية في سائر لبنان .
لذلك من الطبيعي أن تكون اهتمامات فرنسا تشمل غالبية المسيحيين من النخب السائدة في الدولة والمجتمع ولاشك أن فرنسا وغيرها ان ارادت التعامل مع الوقائع على الأرض فلابد لها شاءت أم أبت إرضاء الثنائي الشيعي الذي هو بالوقت ذاته تنفيذ لرغبة ومصلحة مسيحية بحسب المعادلة الراهنة والاستجابة لمصالح تلك الغالبية المسيحية المتقاطعة آنيا مع الثنائي فهذا الثنائي الشيعي هو من يتحكم بمصير لبنان بمافي ذلك تعيين رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة.
الدور الأمريكي المرتقب – الغائب
فقط أمريكا تستطيع تبديل هذه المعادلة ولكن وقتها الضائع قد يحول دون ذلك فقد ألمح الرئيس – ماكرون – خلال زيارته الأولى لبيروت الى أن ماسيقوم به مستقبلا تجاه لبنان سيكون ضمن موقف أوروبي – امريكي مشترك كان من المرتقب ان يتزامن وجوده ببيروت وصل موفد امريكي ولكن كل ذلك لم يحصل وقد يصل الموفدون الامريكييون باي وقت ولكن هل أن الموقف الأمريكي من الملفات اللبنانية الشائكة هو نفس الموقف الفرنسي خصوصا حول حزب الله ومستقبل النظام وموقع لبنان في احداث الشرق الأوسط والنفوذ الإيراني اعتقد ليس هناك تطابق بين الموقفين .
من جهة أخرى فان مبادرة الرئيس – ترامب – بخصوص ماسميت بصفقة القرن حول عملية السلام الاسرائلي الفلسطيني وكذلك اتفاقية السلام بين الامارات العربية المتحدة وإسرائيل والتي توضح أن العدو الرئيسي للجميع هو ايران تصب في غير مجرى السياسة الفرنسية للتفاهم مع ايران وإنقاذ الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات على نظام طهران وبالتالي انعكاساتها على الساحة اللبنانية.
نحن بالشرق الأوسط تعودنا منذ عقود على سياسات الأوروبيين تجاه قضايا شعوبنا فاما ان تكون ذيلية للموقف الأمريكي أو مستقلة عنها ولكنها فاشلة وغير مؤثرة فالاوروبييون وخاصة فرنسا لم ينفذوا تعهداتهم تجاه الشعب السوري ولم يحملوا مبادرة ناجحة حيال اية قضية شرق أوسطية وافريقية من ليبيا الى مالي.