أحزاب الزينة ( 1-2 )

كفاح محمود كريم
Kmk_info@yahoo.com

    حينما تتوفر حاجات الإنسان المهمة وتتقلص مساحة العوز والفقر، ينزع أحيانا الى تحسين و تزيين بيته أو شكله في الملبس والاكسسوارت أو ربما في نباتات الزينة و الحيوانات من الأسماك والكلاب والقطط وربما مؤخرا الحمير أيضا، وحتى سنوات ليست طويلة لم تكن كثيرا من هذه الحيوانات للزينة فقط بل كانت للحراسة كالكلاب وللعمل كالحمير، أما القطط والذباب والفئران فبقت على طول الخط اقرب أصدقاء الإنسان ومعايشيه في الضراء والسراء.

ولست هنا بصدد الحديث عن هؤلاء (المكاريد) الذين ابتلوا بنا منذ بدء الخليقة والى الآن تارة بافتراسهم سلخا وجلدا وتارة بأسرهم وإذلالهم.
    يبدو إن (فيكة) أحزاب الزينة هذه المرة ليست من إنتاج رفاقنا المناضلين جدا في حزب الطليعة العربية رغم أنهم أجادوا في ممارستها وتطويعها ومن ثم تطويرها بما يتناسب وموروثنا العظيم في الثقافة والسلوك عبر التاريخ، بما يجعلهم يتجاوزون (الاسطة) منذ انقلابهم الأبيض جدا جدا وللعظم في تموز 1968 ولحد هذا اليوم في تطبيقاتهم التي لا مثيل لها في مشارق الأرض ومغاربها.

    لقد كان رفاقنا الحمر في أوروبا الشرقية ربما أول من أنتج أو طور هذا النوع من أحزاب الزينة بعد أن شاء الله وتم تحرير بلدانهم من الاستعمار والإمبريالية والصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية، في ترويكات النظم السياسية وحدائقها الغناء في ديمقراطياتهم الشعبية أو الشعبوية على عادة مفكرنا الخلدوني الدكتور سعد الدين إبراهيم بعد انتصار جماهير موسكو المناضلة في بلغاريا وألمانيا الديمقراطية جدا وبقية الشعبويين (وليس الشعوبيين على عادة رفاقنا المجاهدين العفالقة) في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والأخيرة بأذن الله والراسخين في العلم والمشورة.
   هناك في تلك الدول الغناء بجمالها وديمقراطيتها الشعبية تم تطوير أنواع من الأحزاب والجمعيات والاتحادات والمنظمات، ارتأينا تسميتها بأحزاب الزينة لما اتصفت به من جماليات ومتعة للأبصار وإثارة للضحك والاسترخاء وأريجا للأنوف وجمالا للمشهد السياسي طيلة نضالها الدؤوب تحت راية القادة والمناضلين جدا في الأحزاب الشعبوية المكلفة من السماء أحيانا أو من الرفيق الأمين العام أحيانا أكثر، فكانت أحزاب الفلاحين والديمقراطيين والأسماء لا تحضرني الآن (لانقراضها مع كل الأسف) أحزابا تجميلية تشبه الى حد بعيد ربما يصل حد التطابق مع نباتات وحيوانات الزينة على أيامنا هذه.
   وفعلا كانت هذه الأحزاب تناضل تحت راية القادة الضرورة في بلدانهم من أمثال الأمين العام الملهم هونيكر وطيب الذكر جيفكوف والشهيد جاوجيسكو وطويل العمر رفيق العقيدة والسلاح والسيكار فيدل كاسترو وأحزابهم الطليعية التي تمثل الأمة وطموحاتها على أديم كوكبنا العظيم.

بل وكانت هذه الأحزاب التزيينية تزايد على الأحزاب التي أنتجتها في تنفيذ برامج ومبادئ القائد العظيم أو الحزب القائد، وفي كثير من المواقف والمعارك كانت شيوعية أكثر من لينين أو ماو أو تروتسكي في تزيينها للفكر الاممي والنضال من اجل الاشتراكية والبشرية المفجوعة، وفي نفس الوقت فهي أيضا محسوبة على القوى الوطنية والمعارضة جدا جدا للأنظمة في بلدانها!.
   وهنا في عراقنا العظيم (كلش) بكل شيء، بدأ العفالقة من دهاقنة البعث ومنظريه وقادته الميامين طليعة الأمة والرجال الرجال، بتطوير أجيال من أحزاب الزينة المدجنة تدجينا مختبريا وحقليا في دهاليز الأمن العامة ومختبرات الاستخبارات العسكرية، بعد التفافهم وخيانتهم للثورة الكوردية في اتفاقية آذار عام 1975، فقد كانوا قد هيئوا لها في مختبراتهم منذ عام 1973 وزرعوا أنماطا ملساء وناعمة ورخوة، وضِعت في أنابيب اختبار وحقول زجاجية الى ما بعد عام 1974 حيث أعلنوا عنها وعن مكاتبها السياسية ومقراتها وسكرتيرها العام وهي تحمل نفس الاسم الذي كان يقود الثورة الكوردية المعاصرة مضافا إليها حزبين آخرين في غاية الرخاوة والنعومة والبهرجة و(الهشك بشك) مما سمي في حينه بالحزب الثوري(جدا) الكوردستاني وجبهة تحرير كوردستان (أكيد من الوطنيين الكورد)، واعتقد بأنهم حاولوا إقناع الرفاق شيوعيو الجبهة التقدمية والوطنية جدا جدا حينذاك بقبول هذه الأحزاب كأحزاب مناضلة وذات (قاعدة) جماهيرية واسعة وليست (كبيرة) على عادة عادل إمام كي لا تفسر العبارة بشكل آخر ضد الرجعية والإمبريالية واليمينية.


    إلا إن الإخوة الأعداء شيوعيو جبهة القوى التقدمية كانوا في حيرة من أمرهم آنذاك بما لا يحسدون عليه، بين نعيم السلطنة وجحيم المبادئ والحقيقة، حتى داهمهم غول البعث الذي لا يفرق بين أخ وعدو وصديق وحليف واكتسحهم عن بكرة أبيهم، بمباركة وموافقة إيحائية من الرفيق الأممي ألكسي كوسيجن ورفاقه في المرجعية العليا بكرملين المقدسة، لتكون الجبهة عامرة بزينتها وأحزابها الملساء والرخوة والساطعة بحراشفها اللماعة، وليخرج أولئك المشاغبون من المخربين الكورد والشعوبيين الشيوعيين عملاء موسكو ومنغوليا!
  وبذلك ضمن القائد والحزب أحزابا جبهوية وبعثية أكثر من أخينا في الإسلام (على ذمة بيان ديوان الرئاسة يوم إعلان وفاته) ميشيل عفلق وعروبية أكثر من الرئيس السابق صدام حسين وإسلامية إيمانية أكثر من (مريد) القائد السيد النائب الصوفي الرفيق المناضل عزة الدوري! بل وأكثر عداءً للكورد وكوردستان من علي حسن المجيد.

   ويصبح مشهد العراق السياسي بجبهته المزينة بتلك الأحزاب المقززة والمدجنة أو المصنعة بتعبير أدق في مختبرات حزب السلطة ومؤسساته الأمنية المعروفة آنذاك عشية دخول العراق وإيران حربهما المدمرة والتي أنتجت أكثر من مليون قتيل من كلا الدولتين والعديد من الملايين المعاقين نفسيا وسلوكيا وجسديا، لينعم قادة العراق وإيران بالنصر الإلهي العظيم لكليهما وفي مخيلتهما المريضة فقط، ولتضمحل والى الأبد تلك الأحزاب المخزية في زينتها وقباحتها حيث (علستها) قادسية بطل الإبطال وإمام الأمة الوالي العظيم!؟.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…

أزاد فتحي خليل*   لم تكن الثورة السورية مجرّد احتجاج شعبي ضد استبداد عمره عقود، بل كانت انفجاراً سياسياً واجتماعياً لأمة ظلت مقموعة تحت قبضة حكم الفرد الواحد منذ ولادة الدولة الحديثة. فمنذ تأسيس الجمهورية السورية بعد الاستقلال عام 1946، سُلب القرار من يد الشعب وتحوّلت الدولة إلى حلبة صراع بين الانقلابات والنخب العسكرية، قبل أن يستقر الحكم بيد…