إبراهيم محمود
هناك سبعة أخطاء، أعتبرها قاتلة للكرد، في تعاملهم مع المعتبَرين أعداءهم، أو على خلفية من ردات فعلهم تجاه أعدائهم، انطلاقاً من المواقف التي تسمّي مجالات حياتية مختلفة :
1-الخطأ القيادي- الزعاماتي:
وهو ، كما أرى ، من أكثر الأخطاء القاتلة سفوراً وعمْقَ أثر. ويتمثل في رد الكرد، من خلال إعلامييهم وكتبتهم، ومن هم برسْم المثقفين، حين يواجَهون من أعدائهم بأنهم ينقادون في ركاب قيادات، أو زعامات قبلية، أو عشائرية، وريفية…الخ.
فتأتي الردود صاعقة، وحادة بالمثل.
إن وجه الخطأ الأبرز هنا، هو في اعتبار كل ما يقوله الأعداء بهذا الشأن مطلوب دحضه في الحال، إنما ليس على طريقة ” السن بالسن، والعين بالعين…الخ ” لاختلاف الوضعيْن، حيث يوجد هناك خلط كبير، يترجم انفعالية الرادّ، بين كيفية إظهار خصومية الاعداء، والنظر في صواب ما يقولونه. فالكرد أنفسهم، ليس بوسعهم إخفاء هذه النزعة/ الظاهرة المتفشية في صفوفهم، وعلى أعلى مستوى. إن أولى الشكاوى التي يشدّدون عليها، هي هذه النوعية القاتلة من القيادة/ الزعاماتية المذكورة، والعاجزة عن إدارة مساحة زابوقية، فكيف بقيادة شعب، أو أمَّة منتظرة؟ كيف يمكن الصمود في مجتمع مدني، يكون الأكفأ هو المطلوب .
وفي السياق نفسه، إن العدو الأكثر تميُّزاً بفساد زعاماته، لا يساق في هذا المنحى، فهو ينطلق من كيان دولتي، وهو معترَف به، وهذا ما ينبغي مراعاته لحظة الدخول في مناقشة، ويعني ذلك، أن الكرد حتى وهو في أعتى قوتهم، يبقون ضعفاء موقعاً ولفتَ أنظار.
لهذا يمكن اعتبار هذا الخطأ من ” أم المصائب ” في التاريخ الكردي الحديث والمعاصر أكثر.
2- الخطأ الإداري المحسوبياتي:
إنه يلي الخطأ الأول، فإذا كان الأول يزكّي من يكون الأفضل في التقدير العشائري أو القبائلي، فإن التالي ” الإداري ” لا بد أن يتشكل في ضوء هذه العلاقات، حيث تسمية المناصب، أو الوظائف، وكذلك تسلُّم المهام الإدارية هنا، لن يكون تبعاً للكفؤين، أو من الأكفّاء. بالعكس، في هذا النطاق، لن يجد الكفؤ مكاناً له، إنما هناك من يرصده ويبعده، باعتماد قوة مستمدة من الأعلى، بما أن الكفؤ إدارياً يشكل تهديداً لسلطة الزعيم/ القائد نفسه، ومن هنا يكون لسان الفساد طويلاً، متشعباً، وحين يشار إليه، لا يجب الرد على من يُسمّيه ونسيان ما عليه القيام به، ابتغاء الأمثل، وفي الوقت نفسه، التعامي عما يمكن النظر فيه والتركيز على إصلاحه أو تجديده.
يعني ذلك أن افتقار الكرد إدارياً، ليس لأنهم يفتقدون الكادر الإداري عموماً، وإنما لأنهم دشّنوا لإدارة بينها وبين أي إداري ناجح طلاق بائن بينونة كبرى، بالمفهوم الهرمي، وصيغ التعامل بين موظفي الإدارة، وما يخص مفهوم كل منهم للجانب الإداري المتعين فيه.
3-الخطأ القانوني- القضائي:
هناك نظام محسوبياتي لافت، وهو نظام بالاسم، لا بل وصارخ لكل ما له مصدر قانوني، تشريعي، دستوري، قضائي كردياً. إذ إن الحديث عن القضاء في مجتمع محكوم بالتوجهات والوجاهات العشائرية والتحزبية الضيقة مأساوي هنا للغاية.
في المجتمع المتحرر من الوصايات، يحضر رجال القانون، وهم يضعون قوانينهم الشاملة، من خلال دراسة تطال جوانب المجتمع كافة، وفي ضوء هذه الدراسة المسحية المعمقة توضَع القوانين، بعيداً عن التدخلات الجانبية، وهي التي تشير أول ما تشيرإليه، إلى من هم في الموقع القيادي/ الزعاماتي .
ومن يعتبر أي نقد موجه إلى ما هو مؤسساتي كردي، يتطلب ذلك أخْذه بعين الاعتبار، وليس بمحاولة ” تعرية ” مؤسسة الآخر القانونية، من منطلق الناقد متحامل، وهذا يفصح عن شرخ كبير في البنية المجتمعية .
إن أبسط سؤال هنا، هو : كيف يمكن أن توضَع قوانين متناسبة والمستجدات، في ظل سلطات زعاماتية أبعد ما تكون عما هو مؤسساتي مدني، حيث القضاء لا يأخذ مفعوله كما هو المتوخى منه. ألا يردّدون أن أساس العدل هو وجود قضاء مستقل؟ أي بعيداً عن أي تلاعب بالقضايا التي هي من اختصاص القانون .
إن حساسية الكرد في الحالة هذه تجاه انتقادات أعدائهم لهم إدارياً، هي التي تفسّر ضعف وعيهم الإداري، بالتوازي مع فقدان متطلبات ما هو إداري لتسمية الخطأ خطأ مهما كان مصدر تسميته.
4-الخطأ الاقتصادي :
هل للكرد معرفة علمية، تقوم على أسس منتظمة، ومخططة هندسياً في الاقتصاد كردياً ؟
علينا هنا، أن نخلص لما تردَّد بخصوص النقاط السالفة، ومقصد القول بإيجاز، هو أن الاقتصاد الذي يشكّل العصب الفاعل في الجسد المجتمعي، يحتاج إلى ذهنية علمية مشبعة بالنظريات والتوجهات والمرجعيات التطبيقية الخاصة بالمجتمعات التي حققت خطوات رائدة في هذا المضمار. بناء عليه، وفي ضوء الجاري في الجهات الكردية، ولكي نخلص للتاريخ، لتاريخ الحقيقة المعتبَرة، يسهل القول بأنه من الظلم بمكان الحديث عن وجود اقتصاد ذي ملامح كردية، إلا في السياق الأكثر توجهاً بما ريعي، شعبوي، ومتشرذم تماماً. دون ذلك، كيف يمكن استيعاب هذا النخر المزمن في البنيان الاقتصادي الموسوم كردياً، حيث الشكوى من الأوضاع المعيشية، والنزيف المتنامي للشباب المهاجر والساعي إلى الفرار من مجتمعه والتوجه إلى المجتمعات ” الحيَّة “؟
إن الثقة المفرطة بالذات تترجم انغلاقاً عليها، واعتبار كل ما يأتي من الخارج نقداً تحاملاً، وهو ما يحاوله القيّمون على الاقتصاد، والمعنيون به، للوقوع في المزيد من الأخطاء.
5-الخطأ السياسي:
إذا كان السياسي الذي يقود المجتمع بمثابة الرأس، فيا لبئس هذا الرأس الذي يشكو دوخة مستمرة وفقدان توازن، أو صعوبة في استيعاب درس التحديات الكبرى راهناً ؟
السياسي الكردي، بمعيار السائد، يعيش انفصالاً لافتاً عن مجتمع العصر. لا بل ، على صعيد المفهوم، ليس من رابط فعلي، بين السياسي والعلامات الفارقة التي تعني نشأته، وهو وليد مخاضات عصره مدنياً، والمعتبَر سياسياً كردياً، وفي ذهنه صورة عن العشيرة التي ينتمي إليها، وتفانيه في خدمة ” زعيمها ” قبل كل شيء .
السياسي هو المتشكل من آلام مجتمعه، ومخاض تاريخه، وليس القيّم عليه، دون وجود ” حبْل مشيمي ” يصل ما بينه في وعيه العميق للجاري، وأنشطة المجتمع الحيّة .
6- الخطأ التربوي :
إنه البعد الحيوي للاقتصاد، للسياسة، ولطبيعة العلاقات الاجتماعية المتشكلة عشائرياً، وهو ما نتلمس آثاره بجلاء، في العلاقات الإدارية ” إدارة المدرسة ” وداخل الشعبة الصفّية، وفي طبيعة الوظائف، وطريقة تعيين القائمين بها، مروراً بمحرّكة التربية ومحدد التزاماتها وقراراتها، وصولاً بالجامعة وتعيين كوادرها الإدارية والتعليمية والمهام الملقاة على عاتقهم.
7- الخطأ الثقافي:
وهو الذي يصل ما بين الجميع، ويسمّي الجميع، بمقدر ما يعرّي واجهة كل جانب مما ذكرت. فالثقافة هنا تسمّي العام فيها مجتمعياً، وكذلك الخاص، جهة الممارسات الثقافية التي تنمّي الإبداع والطاقات الخلاقة في المجتمع، وتسهِم في إعلاء شأن المواهب وتفتحها وتوسيع القاعدة الثقافية للمجتمع، وما في ذلك من ثراء نفسي .
إن الغائب الأكبر هنا، هو التعبير عن الذات كما هي، والاعتراف بقصورها، تجنباً للوقوع في مشاكل تنعكس سلباً على المجتمع، ولعل حس المظلومية شاهد حي على هذه الثقافة القوقعية.
حس المظلومية يبعِد المنادي به، ومتبنيه عن تاريخه، عن حقيقة قوته، بلغة المجتمع، وعن التقدير الفعلي لقوة العدو أو الخصم، والنفور من النقد، لأن لدينا وجهاً واحداً، وهو داخلي.
في المجتمع المحكوم بالزعامة العشائرية، يكون الإبداع الذي يكون العدو الأول للتقليد الذي تتبناه الزعامة أو القيادة العشائرية أو القبائلية الطبع، وما فيها من وجاهات لا صلة لها بالتحصيل الثقافي، وإنما بما هو متوارث من رموز ثقافة من نوع خاص، وما يتخلل علاقات كهذه، من محسوبيات ومظاهر شوبشة إيديولوجية وإعلاموية، أو شخصانية لصالح هذا الطرف أو ذاك، للحيلولة دون ظهور أي قوة فكرية، أو علمية، أو فنية فالحة في ضخ دماء جديدة في الجسد المجتمعي، والرفع من مقامه ليكون أهلاً لأن يشار إليه بالبنان عن جدارة .